ثقافة وفنونذاكرة

في الذكرى الأولى لرحيله جليل طليمات يرثي شقيقه أحمد: المثقف المناضل والمبدع والمربي

هاأنا أستسلم أخيرا لحقيقة موتك, وأحاول هنا, استيعاب هذه الحقيقة بخط كلمات ظلت مستعصية على أناملي, ترفض الحديث عنك بمفردات الفقد والتأبين والغياب. نعم , الموت هو الحقيقة اليقينية للوجود التي كلما تجاهلها المرء, كلما كانت صادمة وموجعة له أكثر وأكثر., لم أجد ماهو أيسر وأخف إيلاما من وصية أمنا حليمة, كما صغتها شعريا في ديوانك ” لحاءات حليمة.. وللحروف شمائل”, كمدخل للحديث عنك بصيغة الغائب:
“وكما الماء.. يكون في الخزف المقطرن
كن بلون
كن بطعم
وكن برائحة
بهذا أوصتنا حليمة ”

بقلم الكاتب والفاعل الحقوقي جيليل طليمات

وكذلك كنت يا شقيقنا الأكبر, ذا لون وطعم مميزين, ورائحة تريح النفوس, تنفثها في كل من عاشروك أخا وزوجا وأبا وصديقا ورفيقا ومربيا ومناضلا ومبدعا. إن ما خلفه رحيلك المباغت من حزن عميق وواسع لدليل يشهد على الحب والاحترام والتقدير الذي يكنه لك جميع من عرفوك ورافقوك في مختلف مسارات حياتك الثرية بالتجارب والعطاء. وفي هذا السياق أجد من واجبي أن أتوجه باسمي واسم عائلة طليمات وأسرته الصغيرة ممثلة في زوجته الفاضلة فاطمة غاندي وابنته الوحيدة الغالية غادة , بجزيل الشكر والامتنان على ما تلقيناه من طرف مختلف الفعاليات الثقافية والسياسية والحزبية والجمعوية والإعلامية من مواساة صادقة وعميقة . والشكر موصول كذلك لكل من ساهموا في الإعداد المادي والتقني لهذا الكتاب التذكاري وأخص بالذكر مركز تنمية جهة تانسيفت ,وأصدقاء ورفاق الفقيد الذين ساهموا بمقالات حول الإنتاج الأدبي الإبداعي لفقيدنا ,وبشهادات تعكس في مجموعها مكانة أحمد في قلوب وذاكرة جميع من جمعتهم معه علاقة في مجال ما من مجالات فعله المتنوعة التي بصمها بحضوره الإشعاعي المتميز, وبعطائه السخي .


فما الذي يمكنني أن أضيفه إلى ما جاء في تلك الشهادات الصادقة التي تشكل نصوصا أدبية نموذجية في ثقافة الاعتراف: الاعتراف بما ميز المسيرة الحياتية لفقيدنا أحمد من عطاء لامحدود في مجالات الثقافة والتربية والتعليم ,وفي حقل الممارسة السياسية والنقابية والجمعوية ,واعتراف أيضا, بما اتصف به في مختلف هذه الواجهات من انفتاح وتواضع وإيثار وتسامح وقبول راقي بالاختلاف ؟ إن هذه الشهادات لتشكل بحق وثيقة ميلاد جديد ومتجدد لأحمد طليمات, ميلاد يصدق عليه قول نيتشه ” إن بشرا يولدون بعد وفاتهم” .
إن ما سأدلي به هنا, هو مجرد هوامش تعزز شهادات أصدقائه ورفاقه , فتفصيل القول عن شقيقي الأكبر أحمد يتراكب ويتداخل مع سيرة مشتركة جماعية (عائلية), شكل أحمد فيها عصب العائلة وعميدها , ومهما حاولت الآن ذلك فسأظل عاجزا عن الإحاطة بجميل أحمد علينا كإخوة وأخوات, وعن إبراز مختلف تجليات الصدق الذاتي والإيثار المثالي اللذين اتصفا بهما في علاقته بنا , وأثرا, بالتالي في تنشئتنا .

ولأن الكتابة عن سيرة أحمد طليمات لها عناوين متعددة لا يسع المجال والمقام هنا لتفصيل القول فيها , فسأكتفي ببعضها باقتضاب وتكثيف:

الجميل
1_ أحمد القراء (بفتح القاف وتشديد الراء) : صورة أحمد الراسخة في المخيلة الجمعية لكل من عرفوه فتى وشابا وكهلا ,وفي الذاكرة العائلية المشتركة,هي إقباله الشره على القراءة, فهو دائما حامل لكتاب أو متحدث عن كتاب أنهى قراء ته ,أوباحث في المكتبات عن إصدارات جديدة ( مؤلفات فكرية وأدبية , ومجلات مشرقية ومغربية..) , وبسبب ذلك كان بالنسبة لنا نحن إخوته موردا ثقافيا لاينضب, فمنذ صغرنا نهلنا من مكتبته ما يزيد بكثير عن حاجاتنا المدرسية والدراسية : روايات من الأدب العالمي , قصص, مجلات مشرقية ومغربية .. فتعرفنا مبكرا على سارتر, وديستوفسكي ومكسيم جوركي وتولستوي .. الخ, وعلى أعمال جبران خليل جبران ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وسلامة موسي وفرح أنطوان وطه حسين.. الخ , وفي مرحلة السبعينيات اغترفنا من مكتبته المتجددة من ما وقع بين أيدينا من مؤلفات ماركس وأنجلز ولينين وغارودي وماركوز, وإصدارات غالي شكري ومحمود العالم وجورج طرابيشي وطيب تزيني ..والقائمة طويلة.

بقي

و بقي إلى حين رحيله ملتزما بشكل “حنبلي” بطقس القراءة, وبمسايرة الجديد في الإنتاج المعرفي المعاصر مع العودة إلى المؤلفات التراثية العربية والإسلامية. وهكذا ,فلا تخرج جل أحاديث أحمد مع الأصدقاء ومع إخوته عن آخر ما قرأ, وآخر قصيدة كتبهما أومشروع قصة قصيرة ,إذ كان يحكيها لنا أحيانا بشخوصها وحبكتها وصورها الساخرة قبل أن تصبح حروفا وكلمات ومجازات وصور نثرية وشعرية بالمداد أو مرقونة , حتى وهو يمارس هواية المشي ,كان يحمل معه كتابا ومذكرة وقلما , فيختلي “بعقله ومخيلته” ويشرع في محاورتهما والقلم بين أنامله يخط مشروع أقصوصة أو قصيدة , فتتحول بذلك جولة أحمد المشاء إلى “خلوة إبداعية” أثمرت الكثير مما نشره من إصدارات .

حقا, لقد كان شقيقنا أحمد معلمنا الأول الذي زرع فينا شغف القراءة وحب المعرفة, إنه مدرستنا الأولى التي تلقينا فيها, بصمت وتلقائية معاني الحرية والالتزام, وتشبعنا فيها بقيم العقل والحرية والمواطنة.

2_ أحمد المناضل السياسي والنقابي اليساري :

في آخر مكالمة هاتفية مع شقيقي أحمد قبل رحيله بأيام معدودة ,سألني عن موعد صدور عدد المجلة الفكرية ” النهضة” الخاص بخمسينية اليسار الجديد ,وكان مستعجلا صدوره,متشوقا للاطلاع على ما كتبه مثقفون ورفاق له من مؤسسي اليسار السبعيني في نقد وتقييم مسار ومآل هذه التجربة السياسية والتنظيمية التي انتمى إليها وانخرط في مساراتها منذ انطلاقتها,ولكن”ضغط الدم” الغادر حال بينه وبين تحقيق هذه الرغبة , فأحمد طليمات يعد من الرعيل الأول لليسار الجديد : فمن وجودية مرحلة الستينيات التي اعتنقها فلسفة ونهجا في الحياة ,وهو في السنوات الأولى من شبابه , ومن داخل مشتل ” الرابطة الفكرية” بمراكش انخرط أحمد ,المثقف الوجودي في المسار السياسي والتنظيمي لليسار الماركسي اللينيني وبالتحديد في منظمة 23 مارس , فكان صوت المنظمة الصادح في وجه البيروقراطية النقابية مجسدة آنذاك في النقابة الوطنية للتعليم التابعة للاتحاد المغربي للشغل , وفي نفس الوقت , الفاعل الثقافي في فرع اتحاد كتاب المغرب بمراكش, وعضو هيئة تحرير مجلة ” الاختيار” التي أسستها وأدارتها باقتدار وانفتاح الشاعرة مالكة العاصمي.

جليل والعاصكي

ولم يثنه العمل السياسي التنظيمي السري طيلة عقد السبعينيات وبداية الثمانينيات عن الحضور القوي في الساحة الثقافية , إذ زاوج بين المجالين بشكل مثمر: مجال العمل السياسي التنظيمي الخلوي السري , ومجال الفعل الثقافي الإشعاعي والجماهيري, دون فصل بينهما ,وبذلك شكل بالفعل أحد نماذج المناضل المثقف, والمثقف المناضل , فالثقافة ,كما تشبع بذلك منذ وجوديته السارترية ,”ليست محايدة”, وما كانت كذلك في التزامه النضالي وفعله الثقافي وإنتاجه الأدبي الإبداعي. …
ولاشك في أن الحديث عن السيرة النضالية لأحمد داخل صفوف منظمة 23 مارس, ثم في إطار منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ( م ع د ش), قد يفيض هنا عن الحاجة والمقام, وعليه أسجل هنا , من باب الإشارة فقط ,إلى عناصر مميزة لتجربة الرفيق الراحل أحمد كمناضل يساري :

_ الالتزام والفعالية :

ففي مختلف المسؤوليات التي تحملها تحلى الرفيق الفقيد أحمد بمستوى عال من الفعالية والمواظبة في إنجازها,كما يشهد له بذلك رفاقه وجل مناضلي م ع د ش التي كان عضوا في لجنتها المركزية وفي اللجنة المحلية لمراكش, وفي حركة الشبيبة الديمقراطية التي كان عضوا في مكتبها التنفيذي , وعضوا مكتب جريدة أنوال الذي كان أحمد من عناصره الفاعلة والمنتجة لمادة إعلامية محلية نوعية ,إضافة إلى إنتاجا ته القصصية التي كان يخص بها الجريدة . لقد جعل أحمد, بفعاليته ومواظبته في أداء المسؤولية من مقر المنظمة بمراكش ورشة ثقافية وفنية نموذجية, ومشتلا لأطر شابة مشبعة بقيم الثقافة الديمقراطية.

_ التشبث بالحرية والاستقلالية :

فقد كان أحمد شديد الحساسية للمركزية التنظيمية المفرطة ومساطرها التنظيمية المصادرة لحرية الرأي والاختلاف باسم “الانضباط للتوجيهات ” , فالأولوية عنده للحرية لا للانضباط الحديدي , للاقتناع الذاتي بعد نقاش وحوار,لا للتحشيد الجماعي الذي ينتج ,كما كان يقول “إمعات لا مناضلين”, وقيادات تحمل بذور الجور والتسلط . ولعل ذلك هو ما يفسر التزامه العقلاني والصادق بتوجهات ومواقف المنظمة في مختلف القضايا السياسية والإيديولوجية من جهة, و في نفس الوقت ,تعبيره الراقي والمتزن والمستقل عن رأيه في القضايا الخلافية من جهة أخرى.

وأذكر هنا كيف تصرف فقيدنا في مواجهة أدق أزمة اجتازتها م ع د ش في منتصف التسعينيات اضطرت معها إلى إجراء استفتاء حول أرضيتين لتوجهين متعارضين: قال لي رغم أن الأرضية “ب” التي حملت عنوان ” ضد الانعزالية ” تعكس قناعاتي السياسية , فإني سأصوت لصالحها على مضض ؟ لماذا يا رفيقي؟ أجاب لأن هذا الاستفتاء هو بداية الشقاق, يؤجله ولا يعالج أسبابه العميقة. وذلك ما كان .

ومنذ منتصف التسعينيات أخذ أحمد مسافة من العمل التنظيمي(الحزبي) وذلك في سياق, وتحت تأثير صدمتين: صدمة رحيل ” توأم روحه” ورفيق طفولته وشبابه وكل محطات مساره الحياتي والنضالي ,شقيقنا عبد العزيز في حادثة سير مفجعة , وصدمة ما آل إليه الخلاف داخل م ع د ش من نهاية دراماتيكية.

منظمة العمل
لم يقطع أحمد مع تجربة اليسار وثقافته واختياره الإيديولوجي والسياسي, ولم يبخس من قيمة هذه التجربة كما فعل البعض, ولم يعتبر “العمل المدني الجمعوي” بديلا عنها وعن الحزبية عموما , وإنما واصل فعله النضالي من موقع مستقل عن أية إكراهات تنظيمية _ حزبية ” ,موقع الكاتب المبدع النقدي لأمراض السياسة والأحزاب والمجتمع عموما ..

3_ أحمد الأديب المبدع:

إن ما يشكل القاسم المشترك لمجموع أعماله القصصية والشعرية والروائية هو النقد الشامل والجذري لمظاهر التخلف الفكري والاجتماعي ولأنماط السلوك اللامدنية وأنواع السلط التي تسيج المجتمع من ” تحت إلى فوق ” مشوهة الوجود الإنساني الفردي والجماعي ألعلائقي, سالبة منه ما يشكل ماهيته : أي الحرية في مختلف أبعادها وتمظهراتها,بما يترتب عن ذلك من فشو لقيم الخنوع والتسلطن والتفرعن والانتهازية والنفاق في الدين كمشترك روحي وطقوس جماعية مقدسة. وفي مقابل ذلك النقد الجذري تتضمن أعماله دعوة لأفق قيمي أخلاقي نبيل يفتح الباب أمام عيش الإنسان بالحب والحرية والعقل المستنير,فعلى سبيل المثال والانتقاء كتب في رواية ” المختصر من تخرصات الكوارثي وترخصاته ..أو وجدناها.”

رحيل

ما سماه ب ” نص بيان تأسيسي غير مباح” مما جاء فيه : “..واجعل فاتحة الوجبة حبا.. و خاتمة الوجبة حبا..وفاتحة الغفوة حبا..وفاتحة الصحوة حبا..ومشهد المشاهد حبا وحبا..وحبا”, إلا أن الحب كنمط عيش مشروط في أعمال أحمد جميعها بالحرية كتحرر من الخنوع لأية سلطة (بالمعنى الفوكوي للسلطة), وابتعاد عنها ,يقول في نفس السياق “..أنشد وابتغ الصدارة للسواد والسواعد لا للرؤوس..للمراد ضبطهم لا للضابطين ..مدسترا حقوق الشغب والانفلات في مقدم البنود.” , مضيفا : “.. وبالثلاث طلق كل السلط _ومهما تكن _ فما من سلطة ليس بأحشائها بذرة جور..”
وقد وجد أحمد المبدع في السلفية التكفيرية أكبر خطر على كل القيم الإنسانية النبيلة , قيم المحبة والتسامح والجمال, فخصص لتناولها بالنقد الجذري والساخر أضمومتين قصصيتين ” الهدى هولدينغ” و ” من بدائع الهدى هولدينغ” ,تعدان من أكثر الإنتاجات الإبداعية المغربية تعرية لجهل التكفيريين بالإسلام,ولاستيهاماتهم المرضية و” ينبغياتهم” النكوصية الظلامية .
ولم يستثن معول أحمد النقدي والمبدع أمراض من يسميهم ب ” مناضلي ما بعد الشدة”, وأولئك الحمر من الخارج والبيض من الداخل كالفجل الذين أساءوا بوصوليتهم وانتهازيتهم وأكلهم من جميع الموائد لقيم النضال السياسي ولمبادئه وغاياته النبيلة.

ليست هذه قراءة في أعمال فقيدنا أحمد , فذلك ما لا يدخل ضمن اختصاصي فوحده النقد الأدبي كفيل بتقييم هذه الأعمال خاصة من الناحية الجمالية والتخييلية والسردية, ومن الناحية اللغوية كذلك حيث تفصح تلك الأعمال عن امتلاك أحمد وتملكه لمخزون لغوي غني متنوع في مهارات استعماله نثريا وشعريا وزجليا , وإنما قصدي من ذلك هو إبراز التطابق بين القيم التي نسجها احمد المبدع من خلال سرديا ته الأدبية وبين سيرته الذاتية كشخص في علاقته بذاته وبمحيطه الاجتماعي الواقعي أي كمواطن و” أخ أكبر” وزوج وأب ومناضل ورجل تربية وتعليم , فقد طلق, فعلا “وبالثلاث كل السلط “, وتحلى دائما, وفي أ شد المواقف والوضعيات دقة وحرجا وحساسية بالصدق والعقلانية والنبل والتسامح ” المثالي ” أحيانا ..

4_ أحمد المدرس:

أحمد المدرس

لاشك في أن أي حديث عن السيرة الذاتية لأحمد طليمات , لن يستقيم بدون استحضار فضائه الأثير الذي استمد منه كل حيويته وعنفوانه, إنه الفصل الدراسي , كمكان للقائه اليومي مع زهرات حياته (أي تلاميذه وتلميذاته ) وذلك على مدى ثلاث وأربعين سنة من الممارسة التعليمية التربوية لم يتغيب فيها ولا يوما واحدا, وظل سجله المهني خاليا من أية رخصة طبية إلى حين نهاية الخدمة, فالفصل الدراسي في حياة أحمد كان بمثابة الماء بالنسبة للسمكة ,وبيان ذلك واقعتان استثنائيتان وفريدتان :

الأولى , كما حكاها لي سنة 2005 ,أنه بعد إحالته على المعاش ( أي التقاعد) لم يتحمل نفسه خارج الفصل الدراسي , بعيدا عن أحبائه التلاميذ , فقصد النائب الإقليمي للوزارة حينذاك ( المدير الإقليمي حاليا) عارضا عليه التطوع لسد خصاص ما في أساتذة اللغة العربية ,أوتعويض من هم وهن في رخص طبية ! لم يصدق النائب أذنيه, وبقي مشدوها أمام هذا الطلب لمدرس قضى أكثر من أربعة عقود في مهنة التدريس, قدر مبادرته التطوعية..واعتذر بالقوانين والمساطر الإدارية عن عدم تلبية رغبته النبيلة .

أما الواقعة الثانية , وقد عشتها معه وهو طالب مفتش أو مشروع مفتش خلال الموسم الدراسي 1987 _1988, حيث كان يقيم معي في البيت بالرباط صحبة الصديق والرفيق محمد فكري , وعلى بعد ثلاثة أشهرمن تخرجه من مركز تكوين المفتشين غادر المركز منسحبا ! وعاد لفصله ليلتقي بتلامذته بفرح متبادل.

هكذا هو شغف أحمد بوظيفة التدريس,وتعلقه بالمتمدرسين والمتمدرسات , فالشغف والحب والالتزام الواعي والحر بالمسؤولية هي مفاتيح أية قراءة لتجربة أحمد المدرس _ النموذج..فقد أسس خلال مساره التربوي , سواء كمعلم أو كأستاذ للغة العربية تجربة متميزة في العلاقة التربوية بين المدرس والتلميذ (ة) حرر فيها الفعل التربوي من الحواجز التقليدية التي تسيجه ,وتؤثر سلبا على أهدافه وغاياته التربوية و المعرفية والقيمية والوجدانية . لقد تشكلت لأحمد من خلال هذه التجربة قناعة راسخة بان مدخل أي إصلاح وتطوير للمنظومة التعليمية هو المدرس(ة) ومواصفاته المطلوبة.. فالمدرس الذي لا شغف له بوظيفة التدريس ولا تعاطفا مع الممدرسين ( ات) وحبا لهم ,ولا تشبعا بقيمة الحرية في التعلم والتربية ,يصبح العائق الرئيس أمام أي إصلاح تربوي عميق وحقيقي.

العميقإن الحكي عن الأداء التربوي للأستاذ أحمد ,وعن علاقته بالمتعلمين (ات) يحتاج إلى كراسة أو كتاب, وكم كان يتمنى, ويعد إخوته وأصدقاءه وزملاءه بكتابة “مذكراته التربوية” ليعرض فيها تفاصيل ذلك العشق للمدرسة العمومية ولأبنائها ولبناتها, أطفالا وطفلات , و يافعين ويافعات ,و ليكشف عن كيف استطاع في تجربته المهنية التربوية ,أنسنة العملية التعليمية ,وكيف جعل تلامذته يكتسبون تعلمات ومهارات وقيم من خلال مشاركتهم ومبادراتهم وإنجازاتهم , ويكتشفون وجودهم الذاتي الفردي المستقل,و في نفس الوقت انتماءهم للجماعة , للمدينة والمجتمع تماما, كمن”يكتشف الطريق من خلال السير” فيها بحرية.., نعم الحرية هي التيمة المركزية في السردية الذاتية لأحمد برمتها , فكانت بالتالي هي الاختيار البيداغوجي والقيمي في تصوره وممارسته لوظيفته لتربوية التعليمية ,ومن تجلياتها إبداع وضعيات تعلمية محددة “غير ممأسسة “,والتدريس بنصوص”غير مدرسية” : نصوص شعرية وقصصية ,ومشاهد مسرحية وأغاني مختارة بعناية ونصوص إبداعية من توقيعه , وخرجات لفرق تلاميذية إلى فضاءات المدينة لإنجاز تحقيقات ميدانية مكتوبة ومصورة حول مآثرها , وحتى حفرها , وتقارير عن حلقات الحلايقية بجامع الفنا وموضوعاتها .. وغيرها من الوضعيات التعلمية والأنشطة التربوية التثقيفية التي لا تقصي المقررات الرسمية وإنما تحتويها ,وتبتعد عنها مسافة وعمقا , وهكذا يتخرج تلميذ ( ة) أحمد من سلك الإعدادي برصيد ثقافي وكفايات لغوية وتواصلية , شفوية وكتابية تؤهله لربح باقي رهانات مساره الدراسي ,والتكويني لشخصيته المستقلة. لقد أضفى أحمد على الممارسة التربوية والتعليمية صفات إنسانية ارتقت إلى مستوى سلوكي وعلائقي راق يقوم على التعاطف والصداقة والمحبة , تلك هي تمرة النهج التربوي المبدع لأحمد المدرس والمربي , نهج التربية على الحرية : حرية الفكر والوجدان والفعل.

5 الفاعل الجمعوي المدني:

سؤال

انخرط أحمد طليمات في العقد الأخير من هذه الألفية إلى حين رحيله في العمل الجمعوي كعضو نشيط وفاعل في اللجنة الثقافية “لمركز التنمية لجهة تانسيفت” وذلك اقتناعا منه بدور الثقافة في أية تنمية حقيقية ومستدامة, وقد شكل بانخراطه هذا قيمة مضافة لهذا المركز ولإشعاعه عل الصعيدين الوطني والجهوي,وكان بالفعل _كما قال مدير المركز الصديق والرفيق أحمد الشهبوني ” أحد أعمدة اللجنة الثقافية للمركز” التي كانت تظاهراتها الثقافية المتنوعة على مدى السنة من أبرز الأنشطة الثقافية في المدينة .وتشهد الفعاليات الجمعوية بمراكش لأحمد على حضوره القوي والمؤطر في مختلف هذه الندوات والملتقيات التي كانت تلقى, ومازالت إقبالا كبيرا من طرف نخب المدينة والجهة وفئات عريضة من الشباب خاصة التلاميذ والطلبة. لن أطيل في هذا الجانب , فمن عاشوا مع أحمد هذه التجربة المتميزة في العمل الجمعوي أولى بتفصيل الحديث عن عطائه وأثره فيها ..

شقيقي الغالي..

أخي الغالي

_ شكرا على وجودك في حياتنا طيلة عقود, فقد أعطى لوجودنا الخاص و المشترك معنى وأضفى عليه قيمة.
_ شكرا على ما زرعته فينا منذ صبانا من شغف بالفكر والأدب والفنون والسياسة, و على ما تشبعنا به من خلالك, من قيم الصدق والتواضع وأخلاق احترام الآخرين في اختلافهم عنا.

_ شكرا لأنك علمتنا أن “الحياة على هذه الأرض ممكنة ” ( بتعبير محمود درويش) رغم كل الكوارث والنكبات والانتكاسات, وأن الأمل غذاء للروح وطاقة للفعل الإيجابي..

سنحن ,وتحن فضاءات مراكش لحضورك البهي والمفعم بالحياة ,ولصوتك الصادح في كل مكان من أجل الحق والعدل والكرامة, ودفاعا عن العقل والحرية والجمال.. وسنظل على نهج سيرتك الذاتية سائرين ..

فنم قرير العين أبا غادة..أيها الحي فينا..ما بقينا.. فلك الخلود في نفوسنا, وفي ذاكرتنا يا أعز وأطيب الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى