الرئسيةسياسة

بين منافسة مزيفة وحكومة الرأسمالية.. من يحمي جيب المواطن؟

تحرير: جيهان مشكور

فتح الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، ورئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول،في خضم الجدل المستمر حول سوق المحروقات في المغرب،، باب التساؤلات حول طبيعة المنافسة في هذا القطاع الحيوي.

إن السؤال الذي وجهه لرئيس مجلس المنافسة في إطار ندوته السنوية، لم يكن عادياً، بل يحمل بين طياته دلالات اقتصادية وسياسية تتجاوز مجرد المعطيات التقنية حول العرض والطلب، فاليماني يتساءل عن سبب استمرار دخول فاعلين جدد إلى سوق المحروقات، في وقت لم يسجل فيه أي انسحاب من هذا القطاع منذ تحريره سنة 2015، رغم التقلبات الاقتصادية العالمية وارتفاع التكاليف.

و وفق لغة الاقتصاد فإن العادة هي كون الأسواق التنافسية تشبه ساحة قتال اقتصادي، يدخلها من يستطيع، ويخرج منها من تعثرت حساباته أو خابت رهاناته.”

ما دفع الحسين اليماني لطرح تساؤله من منطلق نقدي يستدعي إعادة النظر في بنية السوق وآليات ضبطها، وهو تساؤل يكتسب وَجاهتهُ من واقع الأرقام والمعطيات التي تشير إلى ربحية غير اعتيادية للقطاع.

تساؤل أعقبه باستعارة في الدلالة: “واش كاين شي قط كيهرب من دار العرس؟”، وهي صورة توحي بأن البقاء في هذا السوق مغرٍ إلى درجة تجعل الجميع يتمسك به، و هذا الواقع يزداد تعقيداً مع استمرار توقف مصفاة “سامير”، التي كانت تمثل صمام أمان استراتيجياً في تأمين جزء من حاجيات السوق، وخلق نوع من التوازن بين التكرير والتوزيع، ومع غياب هذه الحلقة الأساسية، باتت السوق رهينة بقرارات الشركات المستوردة والموزعة، التي أصبحت تتحكم في الأسعار بشكل شبه مطلق، مستفيدة من تحرير القطاع دون التزامات واضحة تجاه المستهلكين.
فهل نحن أمام سوق حرة فعلًا أم أمام كارتل منسق يُعيد توزيع الأرباح بين أعضائه؟ بينما المواطن وحده من يئن تحت رحمة الأسعار.

المثير في هذه المعادلة أن الحكومة مطالبة اليوم بالتدخل لكبح ارتفاع الأسعار، وضبط الأرباح الفاحشة لشركات المحروقات، والضغط من أجل شفافية الحسابات، وإرساء قواعد المنافسة العادلة، لكن المفارقة أن رئيس الحكومة، الذي يُفترض أن يقود هذا الإصلاح، هو نفسه أكبر مستثمر في القطاع.

وواصل اليماني تساؤلاته بالقول :”كيف يمكن أن تشتكي حبة القمح إذا كان القاضي دجاجة؟” يعني أن الأمر يشبه مطالبة القاضي بإدانة نفسه؟

أما مجلس المنافسة، و الذي يُفترض أنه صمام الأمان ضد الاحتكار والجشع، فقد سبق أن أقرّ بوجود تلاعبات وممارسات غير شفافة وأرباح فاحشة غير مشروعة في هذا القطاع، لكنه بقي عاجزًا عن فرض أي إجراءات رادعة.

لا أحد يجرؤ على كسر احتكارٍ غير معلن، لا أحد يتحدث عن إعادة تشغيل مصفاة “سامير” التي كانت توفر بعض التوازن، ولا أحد يناقش حقيقة أن المستهلك المغربي يظل رهينة سوق مغلقة على فئة قليلة تستمتع بجني الأرباح دون قلق من مساءلة أو عقوبات.

إن اليماني بتساؤله لم يكن يبحث عن إجابة بقدر ما كان يريد كشف المستور.. سوق المحروقات بالمغرب لا يخضع لمنطق المنافسة بقدر ما يخضع لمنطق توزيع الكعكة و الواقع أن الجميع يعرف أن التغيير لن يأتي من الداخل، ولكن لا أحد يجرؤ على قول ذلك علانية.

فبينما المواطن المغربي يكابد يومياً في محطات الوقود، تظل الأرباح الطائلة تُجمع في جيوب الشركات الكبرى، فيما تستمر الحكومة في أداء دور “المتفرج” أو “الشريك” في هذا السوق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى