رأي/ كرونيكسياسة

الرميد وزير حقوق الإنسان بين الواجب والصدقة

لم يفهم كثير من المغاربة لماذا لم يقم وزير حقوق الإنسان، بتسجيل كاتبته في صندوق الضمان الاجتماعي، وهي التي أفنت زهرة عمرها في العمل في مكتبه، وإليكم إحدى التفسيرات الممكنة:

يعيش الإسلاميون ذهنيا خارج الدولة الحديثة ومؤسساتها، وعندما يضطرون إلى خوض الصراع السياسي داخلها فذلك فقط من أجل الوصول إلى السلطة، أما منطق الدولة فهو يزعجهم ولا يتماشى مع أهدافهم، ولهذا فالمعجم الذي يعمل به الإسلاميون ويؤمنون به هو : “الثواب” و”الأجر” و”الجزاء” و”الحسنات” و”المغفرة” و”العطف” و”الشفقة”، وهو معجم لا علاقة له بمؤسسات الدولة الحديثة، التي تقوم على ثلاثية: “القانون”، “الحق” و”الواجب”.

فتسجيل الكاتبة في صندوق الضمان الاجتماعي عمل لا “ثواب” فيه ولا “أجر” لأنه فقط مجرد “واجب”، أي أمر دنيوي محض لا جزاء فيه عند الله، بل هو مجرد تدبير انتفاعي لعلاقة الفرد بالدولة، لكنه لا يُدخل الإنسان إلى الجنة، أما إرسال قُفة إلى بيت الكاتبة وعائلتها في شكل صدقة أو مساعدتها عند مرضها فهو يدخل ضمن العمل الصالح الذي يجلب “حسنات”، لأنه “صدقة”، ولأن ثقافة الصدقة هذه هي المنتشرة عوض ثقافة الواجب، فإن معظم المغاربة يفضلون تمويل مسجد على تمويل مدرسة متهالكة وتجهيزها، فالمدرسة شأن دنيوي يتعلق بصناعة المواطن، أما المسجد فهو استثمار في الآخرة، وفضاء للتفريغ والتهدئة.

لهذا يعمد الإسلاميون إلى توزيع القفة عوض أن يقوموا ـ وهم مشاركون في الحكم ـ بوضع سياسات رشيدة لإنهاء الفقر، وجعل الناس يعيشون بكرامة بدون حاجة إلى من يتصدق عليهم، فالسياسة والحكامة الرشيدة موجودة في الدانمارك، البلد الذي احتل الرتبة الأولى في جودة الحياة خلال السنة الماضية، والذي تقول الإحصائيات إنّ 83 في المائة من سكانه ملحدون لا يؤمنون بالغيبيات ولا ينتظرون جزاءً أخرويا من قيامهم بواجبهم ومن احترام القانون، ولكنهم يُحسنون تدبير شؤون دنياهم لكي لا يُظلم عندهم أحد، ولا يُعتدي عليه، هذا ما يفسر أيضا أن الردّ في الدفاع عن الوزير جاء من خلال التذكير بأنه قد “أعطى وأوفى لها” أي لكاتبته، وذلك بالعطف والصدقات والمنن التي أنعم بها الوزير عليها إذ هي حسب ما قيل “بمثابة ابنته”، لكي تتم التغطية على عدم أداء مصاريف الضمان الاجتماعي.

إن الوزير لم يقم بواجبه تجاه كاتبته، لكنه تصدق عليها وعلى عائلتها “ابتغاء مرضاة الله”، وهكذا ضرب عصفورين بحجر واحد، ظل مخلصا للمنطق الفقهي القديم وخارج منطق الدولة، محققا بذلك قربه من الله ومن الجنة، وفي نفس الوقت أرضى كاتبته وعائلتها بصدقاته ومننه وعطفه. لكن مشكلة الوزير أنه يتولى داخل الحكومة تدبير موضوع هو من آخر ما ابتكرته البشرية في ظل الدولة الحديثة التي يمقتها، وهو موضوع “حقوق الإنسان”، الذي لا علاقة له بمنطق الفقه القديم ولا بمنطق الصدقات، ومن الحقوق البسيطة أن يُسجل كل موظف في نظام التغطية الاجتماعية.

يعيش الإسلاميون تمزقا كبيرا في دواخلهم بين الدولة والدروشة، بين الإدارة والإمامة، والقانون والحسبة، بين ربطة العنق والعمامة، تمزق يساهم في عرقلة تطور الدولة والمجتمع، وجعلنا في مأزق مأساوي، لا يسمح لنا بالعودة إلى الوراء واستعادة “الخلافة”، كما لا يتيح لنا المضي إلى الأمام نحو دولة القانون، كل ما نتمناه أن يجعل هذا التمزق إخواننا الإسلاميين يفهمون الدرس ومعنى الانتماء إلى الدولة وإلى الوطن، وأن يدركوا أنّ التقية إن كانت تاكتيكا ينفع مرحليا في الانتخابات، فإنه لا يصنع مستقبلا آمنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى