اقتصادالرئسيةحول العالمصحة

مؤلف جماعي…التنمية والديمقراطية أثناء الجائحة الصحية العالمية

عائشة بوزرار
شكلت الأزمة الصحية العالمية المتمثلة في جائحة كوفيد-19 منعطفاً تاريخياً في مسار التنمية والديمقراطية على المستوى العالمي، فقد كشفت هذه الأزمة عن هشاشة النظم الصحية والاقتصادية والاجتماعية في العديد من دول العالم، وأعادت طرح أسئلة جوهرية حول العلاقة بين السلطة والمجتمع، وبين الحريات الفردية ومتطلبات الصحة العامة.

في المؤلف الجماعي الصادر حديثا بالإنجليزية “التحولات التنموية والديمقراطية خلال الأزمة الصحية العالمية “، عن مركز ديهيا لحقوق الانسان والديمقراطية والتنمية، وبتنسيق من عائشة العلوي ورشيد بكاج ونادية بيروك، يقدم تسع مقالات هي إسهامات متعددة في مداخل متنوعة للموضوع، مستكشفاً التحديات الجديدة التي واجهت الحكومات والمجتمعات في إدارة الأزمة، والموازنة بين متطلبات الحماية الصحية والحفاظ على المكتسبات الديمقراطية؛ كما يتناول المقالات بعض الدروس المستفادة من هذه التجربة الإنسانية الفريدة، وآفاق إعادة بناء نظم أكثر مرونة وعدالة في مرحلة ما بعد الجائحة.

وهكذا ناقش بوبكر لاركو إمكانية الوصول إلى الغذاء وتوافره وجودته من الاحتياجات الأساسية للإنسان، ورغم وفرة الطعام في العالم، فإن العديد من اللاجئين والمهاجرين، وكذلك الفئات المهمشة، ما تزال تعتمد على برامج الحكومة لتلبية احتياجاتهم الأساسية لتحقيق التنمية الشاملة (الاجتماعية والاقتصادية والبيئية)، وركز على إلزامية إنشاء نظام اجتماعي اقتصادي شامل وعادل يضمن حقوق الجميع بغض النظر عن وضعهم أو جنسهم أو أصلهم. معبرا عن هاته المشكلة في كونها ليست في نقص الغذاء، بل في عدم وجود عدالة اجتماعية، مما يتطلب العمل نحو أنظمة ديمقراطية تضمن عدم ترك أي مواطن خلف الركب وتحقق التكامل والاندماج للجميع.

وفي ورقة عائشة العلوي ومانيش كريشمان تناولا حالة جمهورية بنين، والتي تم فيها تنفيذ عدة ممارسات فعالة لتعزيز الأمن الغذائي خلال جائحة كوفيد، والتي تشمل تحسين الإنتاج الزراعي من خلال توفير البذور الجيدة والأسمدة، وتعزيز التعاونيات الزراعية لمساعدة المزارعين على الوصول إلى الأسواق. كما تم تنظيم ورش عمل لتعليم تقنيات الزراعة المستدامة، وتشجيع تنويع المحاصيل لتقليل الاعتماد على محصول واحد. بالإضافة إلى ذلك، قدمت الحكومة مساعدات مالية مباشرة للمزارعين المتضررين، وعملت على تحسين سلاسل التوريد لضمان وصول الغذاء، فضلاً عن تعزيز الوعي بالتغذية السليمة عبر برامج توعوية.مستعرضة اهم جهود البرامج الحكومية في جمهورية بنين ،وذلك من خلال مجموعة من المصادر، والتي تشمل ميزانية الدولة لدعم الأمن الغذائي والمشاريع الزراعية ،وكذلك المساعدات الدولية التي تلقي الدعم المالي والفني من المنظمات الدولية مثل برنامج الأغذية العالمي والبنك الدولي وكذلك الشراكات مع المنظمات غير الحكومية من خلال التعاون مع منظمات المجتمع المدني التي تقدم تمويلات ومساعدات لمشاريع الأمن الغذائي، والقروض والمساعدات التنموية.

وحول نفس الحال، كتب ايزيدور أكبوكو ، بأن أزمة نقص العمالة الزراعية في بنين تفاقمت بسبب كوفيد ، حيث تأثرت حركة العمال الموسميين من الدول المجاورة، مما أدى إلى تقليص قوة العمل الزراعية تقارب النصف في الأسر الزراعية. كما تأثرت آليات التمويل اللامركزية، حيث واجه المنتجون صعوبات في الحصول على القروض اللازمة، مما قلل من وصول 67% منهم إلى التمويل. بالإضافة إلى ذلك، رغم الحاجة المتزايدة لاستخدام المبيدات لسد نقص اليد العاملة.

في حين ركز رشيد بكاج وناتاليا كالينيشيفا على العلاقة بين كوفيد والفنون والثقافة في المجتمعات، وتأثير الأزمة الصحية على الممارسات الثقافية والفنية، والتي أدت إلى ردود أفعال حقيقية من الدول والأفراد، حيث باتت تهدد الفن والثقافة رغم إمكانية السيطرة عليها. مما أسهم في حدوث تغييرات في السلوك تجاه الحياة الثقافية والفنية، وأفقدَ الحياة الإنسانية معناها.فعندما تتعطل عملية الإبداع، فإن الثقافة والفنون تصبحان في خطر، كما أن الحضارات التي تم بناؤها على مر الزمن تتعرض للخطر أيضًا. فالفنون والثقافة هي خطوط دفاع ضد انقراض الحضارات، وتمثل نضالًا مستمرًا من أجل حرية التعبير وحق الحلم بعالم أفضل؛ لأن الفنون والثقافات المجتمعات هي هياكل لاحتضان الجمال والمثالية، مما يساعد على تجنب موت الضمائر، ويضمن وجود الأسس الإنسانية التي نحتاجها للبقاء.

وأشار كل من زكرياء اعمو وسعاد بلحرمة ،إلى جهود النساء المغربيات من خلال انضمامهن إلى أنواع متعددة من التعاونيات كوسيلة لتحصيل دخل يساعد في التخفيف من آثار الفقر، خاصة في المناطق الريفية. ومع ذلك، فما زالت النساء تعانين في هذه المناطق من ضعف الاندماج في المجتمع بسبب الأمية وغياب الأنشطة المدرة للدخل. والأسوأ من ذلك، أن العديد من هؤلاء النساء الأعضاء في التعاونيات يتعرضن للاستغلال من خلال الأجور المنخفضة أو عدم الدفع، ويفتقرن إلى القدرة على المشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات خلال الاجتماعات الدورية والسنوية، مما يؤدي إلى وجود فجوة بين النساء المتعلمات والأميات، وبين الأجيال المختلفة، وأيضًا بين الأعضاء الذكور والإناث في التعاونيات.

وكخلاصة لهذه الورقة فقد قدما استنتاجا يوضحان فيه ..كيف تشكل ديناميات الجنس والهوية عوامل رئيسية تعيق النمو الاقتصادي واستقلال النساء، خاصة الأميات والكبيرات في السن ، فهناك العديد من العقبات التي تواجه النساء في تقدمهن المهني داخل التعاونيات.

واستهدفت دراسة نكانكي ايريك نساغا التي تحمل عنوان “ديناميات التكامل الإفريقي تحت تهديد جائحة كوفيد-19″، تسليط الضوء على تأثير الجائحة على ميول التضامن والحماية لدى الدول الإفريقية، وطموحاتها نحو تحقيق أهداف التكامل القاري. لقد اختبرت الجائحة بشكل كبير التزام الدول تجاه أهداف أجندة 2063 لبناء إفريقيا متكاملة ومزدهرة وسلمية ،ولتنفيذ هذا الهدف، فقد تم تقسيم الدراسة إلى ثلاثة أقسام رئيسية: أولاً، استراتيجيات استجابة إفريقيا لجائحة كوفيد في إطار التضامن مع النظام الصحي الدولي؛ ثانياً، تأثير الجائحة على ديناميات التكامل الإفريقي في ظل التضامن والعزلة؛ وأخيراً، الدعوات لوضع إطار استجابة صحية متكاملة يعزز نجاح التكامل الإفريقي.كما استندت دراسته إلى نظرية الاقتصاد المؤسسي الجديد (النيومؤسسية) التي ساعدت على فهم دور المؤسسات كقيود يضعها الأفراد على سلوكهم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. لذا، فإن نجاح تنفيذ ديناميات التكامل الإفريقي قبل الجائحة وأثناءها وبعدها مرتبط ارتباطًا مباشرًا بموثوقية المؤسسات التي تم إنشاؤها لهذا الغرض.

اما سناء حنين و ابراهيم دينار وعمر اليوسفي واسماعيل المير فقد كانت ورقتهم عبارة عن مناقشة اهمية مشروع “الأمة الرقمية” في المغرب الذي يواجه تحديات متعددة ،ولتحقيق هذا الهدف، يجب توافر شروط معينة، أبرزها “ديمقراطية التكنولوجيا الرقمية” والتي تشير إلى عملية جعل التكنولوجيا الرقمية متاحة وميسرة للجميع، بغض النظر عن الخلفية الاجتماعية أو الاقتصادية. ولكن لتحقيق هذه الأهداف، من الضروري التركيز على تعزيز العدالة الرقمية وربط الفئات الضعيفة رقميًا، ويمكن أن تمثل التكنولوجيا عائقًا أمام التحرك الاجتماعي، وبتركيز الموارد والثروة في أيدي قلة، تؤدي الثورة الرقمية إلى ظهور أوليغارشية رقمية، مما يزيد من معاناة الفئات المهمشة، من الضروري اعتماد نهج جديد لإنشاء “تكنولوجيا للشعب” تكون شاملة وتمكينية، وتعمل على تغيير التركيز من تعليم المهارات التقنية إلى تعزيز الوعي النقدي بالتكنولوجيا، وتوفير الموارد اللازمة للتعلم ودعم الحركات الاجتماعية.

وفي ورقة نادية بيروك، ما قبل الأخيرة في هذا الكتاب، فقد عملت على شرح العديد من التحديات التي يواجهها المغرب، لضمان تحقيق التنمية للجميع. أولاً، ينبغي عليه مراقبة مشاريع التنمية والتأكد من تنفيذها بشكل فعال، من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة. في هذا السياق، تحتاج البلاد إلى إصلاحات حقيقية في النظام القانوني بأكمله.

علاوة على ذلك، ضرورة تحديث أسلوب العمل الاجتماعي، من خلال تعزيز قيم التنوع والتميز. ومن الضروري إعادة النظر في خصخصة القطاعات المرتبطة مباشرة بالخدمات العامة الحساسة، وذلك لتخفيف تكاليفها.كما أن تأهيل الكوادر المتخصصة في مجالي التعليم والصحة يعد أمرًا بالغ الأهمية، ويجب تخصيص ميزانية كافية لمعالجة النقص في هذه المجالات الحيوية للدولة.

وفي الورقة الأخيرة لعبير الفاخوري حول الخصائص والتحديات والبرامج في سوق العمل بالمغرب، عمدت الكاتبة إلى تحليل مسار تطور سوق العمل في المغرب في ارتباطه مع التحولات التي شهدها هذا القطاع خلال فترات مختلفة، وخاصة خلال جائحة كوفيد. ثم سلطت الضوء على بعض التحديات المرتبطة بظاهرة البطالة في صفوف الشباب، وعدم ملاءمة متطلبات سوق العمل مع الكفاءات المكتسبة خلال المسار التعليمي والأكاديمي. كما استعرضت عددًا من البرامج التي تهدف إلى تطوير سياسة التشغيل في المغرب، مع التركيز على تقليل صلابة سوق العمل وتعزيز القدرة على التوظيف، والاهتمام بالتشغيل المؤهل وخريجي الجامعات العاطلين عن العمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى