المساواة بين الجنسين: 117 عام من التحديات – حقيقة اليوم العالمي للمرأة
08/03/2025
0
تحرير: جيهان مشكور
في الثامن من مارس من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للمرأة، حيث تنظم الفعاليات والمظاهرات في شتى أنحاء العالم للاحتفاء بإنجازات النساء وتقديم الدعم لقضاياهن العادلة.
هذا اليوم ليس مجرد مناسبة للتكريم، بل هو أيضاً فرصة لرفع الوعي العالمي حول التحديات المستمرة التي تواجهها النساء في مختلف المجالات، ففي هذا اليوم، تُملأ الشوارع بالمسيرات التي تحمل شعار المساواة وحقوق المرأة، ليصبح اللون الأرجواني رمزاً لحقوق النساء.
لكن وراء هذا اليوم التاريخي، قصة من النضال والكفاح الطويل الذي بدأ منذ أكثر من قرن. ففي بداية القرن العشرين، كان العالم يشهد تزايد الحركات النسائية المطالبة بالحقوق الأساسية للنساء، حيث انطلقت في أمريكا الشمالية وأوروبا تظاهرات لنساء عاملات طالبت بتحسين ظروف العمل، وتقليص ساعات العمل، وزيادة الأجور، ومنحهن حقوق التصويت في الانتخابات. وقد كان الحزب الاشتراكي الأمريكي في عام 1909، هو أول من اقترح تخصيص يوم للاحتفال بالنساء، وكان 28 فبراير من نفس العام هو اليوم الذي أُعلن فيه يوم المرأة في الولايات المتحدة، وذلك تكريماً لإضراب عاملات الملابس في نيويورك.
بعد ذلك، في عام 1910، عقد المؤتمر الدولي للنساء الاشتراكيات في كوبنهاغن، حيث تم اقتراح الاحتفال بيوم عالمي للمرأة، ولكن دون تحديد موعد، ومن هنا بدأ الاحتفال بهذا اليوم في 19 مارس 1911، حين نزلت النساء إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهن في العمل، والتدريب المهني، والتخلص من التمييز ضدهن.
في 8 مارس 1914، تظاهرت النساء في عدة مدن أوروبية مطالبات بحق التصويت ومنددات بالحرب العالمية الأولى.
وفي عام 1917، في روسيا، خرجت النساء للاحتجاج ضد الظروف المعيشية السيئة تحت شعار “الخبز والسلام”، وهو ما أسهم في منحهن في النهاية حق التصويت.
اعترفت الأمم المتحدة رسمياً باليوم العالمي في 8 مارس، وفي 1977 أُدرج اليوم ضمن جدول الاحتفالات العالمية مع تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بإعلانه يوماً لحقوق المرأة والسلام الدولي.
ولكن رغم هذه الجهود العالمية، لا يزال الوصول إلى المساواة بين الجنسين بعيد المنال، ففي كلمة له بمناسبة يوم المرأة العالمي لهذا العام، حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من تراجع حقوق المرأة في مجالات التعليم والعمل والصحة الإنجابية، وأكد أن تحقيق المساواة بين الجنسين قد يستغرق حوالي 300 عام إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
وفي إطار هذا التحذير، سلطت الصحف العالمية مثل “واشنطن بوست” الضوء على تمثيل النساء في الحكومات الذي ما زال ضعيفاً، حيث أظهرت بيانات الأمم المتحدة أن المرأة لا تترأس سوى 31 دولة حول العالم فقط، وهذا يعكس نقص التمثيل النسائي في مجالات اتخاذ القرار على مستوى العالم، كما أشارت الأمم المتحدة إلى أن الفجوة بين الجنسين في الوصول إلى التكنولوجيا والإنترنت تمثل تحدياً كبيراً أمام النساء في العالم، حيث تكشف التقارير أن حوالي 37% من النساء لا يستخدمن الإنترنت، وهو ما يقلل من فرصهن في تطوير المهارات الرقمية والحصول على وظائف في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
وفي هذا السياق، تشير الأمم المتحدة إلى أن استبعاد النساء من العالم الرقمي يكلف الاقتصاد العالمي تريليونات من الدولارات، ففي العقد الماضي، بلغ هذا الاستبعاد خسائر اقتصادية تصل إلى تريليون دولار، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 1.5 تريليون دولار بحلول عام 2025، وهذا يجعل من الضروري أن تتخذ الحكومات والمجتمع الدولي خطوات ملموسة لضمان المساواة في الوصول إلى التكنولوجيا.
أما في العالم العربي، فالوضع يختلف من دولة إلى أخرى. على الرغم من التقدم الملحوظ في بعض البلدان مثل تونس ، فيما لا تزال العديد من الدول العربية تواجه تحديات كبيرة في ما يتعلق بالمساواة بين الجنسين.
فعلى الرغم من وجود قوانين تضمن حقوق المرأة في عدة مجالات مثل التعليم والحقوق الاقتصادية، فإن المشاركة السياسية للمرأة لا تزال محدودة في معظم الدول العربية، كما أن القوانين التي تحمي المرأة من العنف المنزلي والعنف الجنسي في مكان العمل تظل غائبة في كثير من البلدان.
و تأتي التقارير الأممية لتؤكد أن هناك تقدماً ملحوظاً في بعض الجوانب، مثل حصول النساء على حقوق متساوية في الحصول على الهوية الوطنية والعمل في بعض البلدان العربية، ومع ذلك، فإن تمثيل المرأة في البرلمانات الوطنية لا يزال أقل من المتوقع، حيث تم تخصيص “كوتا” (حصص) للنساء في بعض البرلمانات العربية، ولكن النسبة الإجمالية للمقاعد المخصصة للنساء تظل أقل بكثير من معايير المساواة العالمية.
وإذا نظرنا إلى وضع النساء في مناطق الصراع، نجد أن التحديات تزداد تعقيداً، فقد شهدت السنوات الأخيرة تدهوراً في أوضاع النساء في مناطق مثل أفغانستان، حيث فرضت حركة طالبان قوانين صارمة ضد النساء، ومنعتهن من التعليم والعمل في عدة قطاعات، و رغم أن هذه السياسات قوبلت بإدانة شديدة من قبل المجتمع الدولي، الذي حذر من أن هذه الإجراءات قد تصل إلى حد “الاضطهاد الجنسي” ضد النساء والفتيات، إلا أنها ماتزال معمول بها و تعاني النساء من وطأتها.
كما أن النساء في مناطق مثل إيران يواصلن نضالهن ضد القوانين الجائرة التي تفرض عليهن قيوداً صارمة، مثل الحجاب الإجباري، وهو ما أدى إلى احتجاجات ضخمة في الشوارع، أعقبها مقتل العديد من المتظاهرين، بما في ذلك النساء، اللاتي ناضلن من أجل الحرية والمساواة.
وبالرغم من هذا الواقع القاسي، تظل النساء حول العالم يسعين لتحقيق حقوقهن وتغيير وضعهن، سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الرقمي، ومع استمرار الاحتفالات بيوم المرأة العالمي، تظل المساواة بين الجنسين هدفاً بعيد المنال، لكن الجهود العالمية والمحلية المتواصلة قد تساهم في تقليص هذه الفجوة في المستقبل.