الرئسيةمجتمع

الأسعار تلتهب: هل التهافت يعكس الحاجة أم الخوف؟

بقلم: بثينة المكودي

أُلغي الذبح، لكن العقليات لم تتغيّر، لم يفهم كثيرون أن الأضحية ليست فرضا، وأن المعنى أعمق من مجرد استهلاك جماعي للحوم، ولم يفهموا أن القرار كان فرصة لنراجع علاقتنا بالعيد، وبالسوق، وبأنفسنا.

في جولة قصيرة بعدد من الأسواق الشعبية، يتضح أن الأسعار خرجت عن السيطرة: الدجاج تجاوز 23 درهما للكيلوغرام، والغنم وصل الى  130 درهما، فيما يؤكد باعة أن “الطلب غير مسبوق”، و”الناس كتشرّي وكأن السوق غادي يسالي اليوم”.

قلق اجتماعي يسبق العيد

مشاهد الاكتظاظ أمام محلات بيع اللحوم، وارتفاع نبرة التوتر بين الزبناء، تعكس بوضوح حجم القلق الاجتماعي الذي يسبق عيد الأضحى هذه السنة.

ما لم يُلغَ  للأسف هذه السنة هو اللهفة الجماعية، والسلوك الاستهلاكي المحموم، والتصرفات التي لا تعبر إلا عن عقلية مضطربة أمام السوق، فبالرغم من غياب “شريعة الذبح”، تقاطر المواطنون على محلات الجزارة وأسواق اللحوم، وكأنهم في سباق مع المجاعة، لا مع عيد أضحى رمزي.

النتيجة؟

مشاهد فوضى لا تليق بمناسبة احتفالية، وأسعار تلتهب بلا منطق ولا رحمة؛ حيث الدجاج بـ23 درهمًا للكيلوغرام، ولحم الغنم يُباع بـ130 درهمًا، فأي  عيد هذا الذي لا أضحية فيه، ولكن يُستهلك فيه اللحم كأننا في وليمة جماعية للهلع؟

اللوم هنا لا يقع فقط على البائعين الذين مارسوا شطحاتهم المعتادة “مضاربة، مضاعفة للأرباح، وتبريرات جاهزة عن الأعلاف و”قلة السلعة”؛ اللوم أيضا وبكل وضوح  على المواطن الذي استسلم مجددا لغريزة “اشري دابا، راه غدا يسدوا” أو ” نهار العيد منديروش قطيبات آااو نتهاوشوا”، هو نفسه المواطن الذي يشتكي من الغلاء صباحا ، ويصطف  أمام محل الجزارة مساء حاملا أكياسًا مملوءة باللحم، وكأننا في موسم جني لا مناسبة رمزية.

خلل في الثقافة الاستهلاكية

هذا التهافت لا يعكس حاجة حقيقية، بقدر ما يُجسد خللًا في الثقافة الاستهلاكية، وانعدام الثقة في السوق، وغياب أي وعي جماعي بالتوازن والتعقل.

أسعار الكبد و”الدوارة” تحلق عاليا

كان يفترض  ان تخفف هذه المناسبة عبء مصاريف شراء الاضحية على الناس، لكنها تحوّلت إلى فرصة أخرى لجلد القدرة الشرائية، وسط صمت رسمي مريب، ومشهد عام يزداد فوضى سنة تلوى الاخرى.

جدير بالذكر أنه بموجب قرار ملكي استثنائي، أُلغي ذبح الأضاحي هذا العام، مراعاةً لواقع اقتصادي هش، واحترامًا لندرة القطيع، وعطفًا على جيوب المواطنين التي أنهكها الغلاء، القرار حمل ما يكفي من العقلانية والحكمة،  لا معنى للطقوس في غياب شروطها، ولا جدوى من الشعائر إذا تحوّلت إلى عبء مالي ونفسي.

لكننا، كالعادة، اخترنا الطريق الأسهل: شراء بلا تفكير، وبيع بلا ضمير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى