
في مشهد يعيد للأذهان قسوة الطبيعة حين تغيب سبل الوقاية، استيقظ فلاحو إقليم تازة على وقع صدمة قاسية، بعد أن اجتاحت عاصفة بردية مفاجئة (تبروري) عدداً من الدواوير والمناطق الفلاحية، تاركة وراءها دماراً شبه شامل لمحصول الزيتون، أحد أهم روافد الاقتصاد المحلي في المنطقة..
خسائر بالملايين… والأوجاع أكبر
لم تكن العاصفة الجوية التي ضربت جماعات مثل أولاد علي يوسف، وأحد غياثة، وتازارين، ومكناسة الشرقية، مجرد ظاهرة مناخية عابرة. بل كانت بمثابة ضربة قاضية لمصدر الرزق الأساسي لآلاف الأسر القروية، خاصة في ظل غياب تأمين زراعي شامل أو تدخل استباقي لحماية المحاصيل، فيما قدرت الخسائر الأولية بملايين الدراهم، إذ سُجّل تدمير شبه كلي لمحصول الزيتون، إضافة إلى اقتلاع الأغصان وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية الهيكلية للأشجار، ما يعني تراجعاً محتملاً في الإنتاج لعدة سنوات مقبلة، وليس فقط خلال هذا الموسم.
الفلاحون الذين يعتمدون بشكل أساسي على مداخيل الزيتون وزيته، وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه مع واقع أكثر قساوة: ديون متراكمة، وأقساط قروض تنتظر السداد، ومصاريف معيشية يومية لا ترحم. في قرىٍ كثيرة، كانت الكلمة الأكثر تداولاً بين الفلاحين هي “النكبة”، في إحالة واضحة إلى حجم الفاجعة التي لم تبقِ ولم تذر.
موسم استثنائي في كل شيء… حتى في الإهمال
تزامنت هذه الكارثة مع ظروف مناخية صعبة عاشتها البلاد خلال الموسم الزراعي الحالي، بين جفاف طويل الأمد ونقص حاد في مياه الري وارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة خلال فترات حساسة من نمو الأشجار، ومع ذلك، لم يتم اتخاذ تدابير وقائية حقيقية من طرف السلطات الوصية، سواء على مستوى دعم التأمين الفلاحي، أو عبر تعزيز أنظمة الإنذار المبكر وتحسين التواصل مع الفلاحين.
والمثير أن تقارير الأرصاد الجوية كانت قد نبّهت إلى احتمالية حدوث اضطرابات جوية في المنطقة، لكن غياب التنسيق بين القطاعات الفلاحية والبيئية، وتضاؤل دور المصالح التقنية الجهوية، حال دون اتخاذ إجراءات وقائية حقيقية، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى استعداد الدولة لحماية القطاع الفلاحي من صدمات التغير المناخي التي باتت أكثر تواتراً وشدة.
الزيتون… شريان الحياة في تازة
لطالما شكّل قطاع الزيتون العمود الفقري للاقتصاد الفلاحي في إقليم تازة، فالإقليم الذي يمتد على مساحة تفوق 7000 كلم²، يحتضن ما يفوق 30 ألف هكتار من غرس الزيتون، يشغل الآلاف من اليد العاملة الموسمية، ويساهم بنسبة مهمة في الإنتاج الوطني.
ولا يقتصر الأمر على الفلاحة فقط، بل يمتد إلى الصناعة التحويلية المحلية، حيث تنتشر معاصر الزيتون التقليدية والعصرية التي تمثل بدورها مصدر دخل لعشرات الأسر.
تضرر هذا القطاع الحيوي يعني ضربة مزدوجة للاقتصاد المحلي، إذ ستنعكس آثار العاصفة ليس فقط على الفلاحين الصغار والمتوسطين، بل على الحركية الاقتصادية برمتها في الإقليم، من النقل والتسويق إلى التجارة والخدمات.
أين حكومة أخنوش من كل هذا؟
أصبح غياب الرؤية الاستباقية لتدبير الكوارث الطبيعية التي تستهدف القطاع الفلاحي أمراً مقلقاً، فعندما تتحول الظواهر المناخية من كونها أحداثاً نادرة إلى تهديدات دورية، يصبح تجاهلها نوعاً من العبث بمصير ملايين المواطنين الذين يعيشون من الأرض ويعيشون لها.
المطلوب: تدخل فوري واستراتيجية وطنية
لا يمكن النظر إلى ما حدث في تازة كواقعة منعزلة. فهي حلقة جديدة في سلسلة من الكوارث المناخية التي باتت تهدد الأمن الغذائي للمملكة، والمطلوب اليوم أكثر من مجرد جبر للضرر، بل التفكير في سياسة وطنية شاملة لمواجهة التغير المناخي في المجال الفلاحي، تبدأ من دعم البحث الزراعي، وتمر عبر توسيع التأمين الفلاحي ليشمل الكوارث الطبيعية، وتنتهي بوضع آليات للإنذار المبكر والتدخل السريع.
أما على المدى القصير، فمساعدة فلاحي تازة، المتضررين من هذه العاصفة، ليست مسألة تضامن فقط، بل مسؤولية وطنية لإنقاذهم من الانهيار، وضمان استمرار الإنتاج، وحماية الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في منطقة ظلت لسنوات منسية على هامش السياسات العمومية.