
أخنوش يبيت في الجبل، والمغرب يبيت في الهامش
صرح رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، بفخر لا يخلو من الاستعراض، أنه قضى ليلتين في جبال أيت بوكماز، وكأن الأمر إنجاز وطني أو تضحية جسيمة تستحق أن تسجل في دفاتر التاريخ، لكن الحقيقة أن سكان تلك الجبال أنفسهم لا يملكون رفاهية المبيت، بل ينامون على الهشاشة، ويستفيقون على الوعود، ويعيشون على الهامش منذ عقود.
أن يبيت رئيس الحكومة في منطقة مهمشة ليومين، وسط عدسات الكاميرا وصفارات البروتوكول، لا يغير شيئا من واقع الناس، فليس في نومه هناك حل لمشكل الماء، ولا شق للطريق، ولا فتح لفرص الشغل، ولا بناء لمستوصف، بل هو مجرد استعراض ميداني في بلاد تعبت من الاستعراضات، وملت من الساسة الذين يعتبرون زيارة قرية نائية عملا بطوليا.
الفعل السياسي بات يتلخص في جولات موسمية ولقطات مصورة
في مغرب 2025، يبدو أن الفعل السياسي صار يتلخص في جولات موسمية ولقطات مصورة على أنغام الإنصات القريب، أما المطالب الحقيقية، الماء، والصحة، والكرامة، فتترك معلقة في هواء الجبال، بلا أفق ولا أجوبة.
ثم بأي منطق يسوق رئيس حكومة، يقود دولة يفترض أنها “اجتازت تحديات الجفاف والأزمة”،أنه بات ليلتين بين الناس وكأنها مغامرة؟ أليس من المفترض أن يكون “الميدان” هو مكانه الطبيعي؟ أليس من المخجل أن يقدم المبيت في منطقة نائية كحدث استثنائي، فيما سكانها يبيتون هناك كل ليلة، ولكن دون أمن، دون دواء، ودون وعد واحد تحقق من كل تلك الخطب التي انهالت عليهم منذ الانتخابات؟
تصريح أخنوش ليس مجرد زلة خطابية، بل تكثيف فاضح لواقع السياسة حين تتحول إلى فرجة.
حين يصبح “المبيت” عنوانا للإنجاز، فإن الفشل لا يحتاج إلى دليل، والمثير للسخرية أكثر، أن هذا الاستعراض جاء في وقت كانت فيه احتجاجات أيت بوكماز تتصاعد، والناس يتهمون رئيس جماعتهم بالتهديد والتخويف، بينما الدولة تستعرض “اهتمامها”بالنوم قرب الجوع والغضب.
يا رئيس الحكومة، المغاربة لا يحتاجونك أن تبيت بينهم، بل أن تنهض بأوضاعهم ، لا يريدونك أن تزورهم كضيف شرف، بل أن تعالج جراحهم كممثل “لإرادتهم” بين أقواس ليس فقط قوسين، إن كنت تعتبر النوم في الجبل شجاعة، فاعلم أن آلاف المغاربة ينامون في البرد والجوع منذ عقود، دون ضوء، ودون “فلاشات”الفرق الوحيد، أنك تغادر بعد يومين، وهم لا يعرفون متى تنتهي ليلتهم الطويلة.