قصة هاجر على لسان صحافية فلسطينية وانتصارا منها أن الغاية ترهيب الجسم الصحافي (فيديو)
“هي لعجباتك أكثر” أُرفقت هذه الرسالة القصيرة على تطبيق تبادل الرسائل عبر الهواتف المحمولة «واتساب» مع صورة لفستان زفاف جميل، فالعروس التي أعجبت بهذا الموديل بادلت أهلها وصديقاتها اختياراتها كافة وتحضيراتها لزفافها القريب.
كانت تلك العروس هي الصحافية المغربية هاجر الريسوني (28 عامًا)، التي اعتقلت في اليوم الأخير من غشت الماضي، حين ذهبت رفقة خطيبها الناشط الحقوقي السوداني رفعت الأمين، إلى عيادة طبية، ليجري اعتقالهما مع الطبيب ومساعدين له، وسرعان ما أعلنت النيابة المغربية أن الاعتقال جاء على خلفية تهمة الإجهاض وإقامة علاقة جنسية بدون زواج، بينما تنفي هاجر الريسوني كل التهم الموجهة لها، هكذا افتتحت الصحافية الفلسطينية، ميرفت عوف مقالها، المنشور في الموقع الإلكتروني، “ساسة بوست”.
لماذا اعتقلت هاجر الريسوني قبل زفافها بأيام؟
قالت الصحافية الفلسطينية على لسان هاجر، بلغني حجم تضامنكم.. شكرًا لكم أنا صامدة..” سألني الأمن عن كتاباتي السياسية، وعمي أحمد، وعمي سليمان أكثر مما سألوني عن التهم الملفقة لي.. سألوني عن عفاف برناني التي لا علاقة لي بها”.
فهاجر هي بنت أخ أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وقريبة سليمان الريسوني الصحافي في الصحيفة نفسها التي تعمل فيها، لذلك يرى الناشط الحقوقي والباحث في علم الاجتماع، خالد البكاري، أن كل المؤشرات والدلائل تدل على أن اعتقال هاجر وخطيبها كان مدبرًا، ولم يكن محض صدفة، كما ادعى بلاغ النيابة العامة، إذ يكفي أنها لم تعتقلهما في حالة تلبس، بل أمام باب عمارة تضم عددًا كبيرًا من العيادات الطبية والمكاتب، وأضافت الصحافية الفلسطينية، أنه ووفقًا للبكاري الذي تحدث إلى «ساسة بوست» فإنه: «بالنظر إلى سوابق الدولة المغربية في متابعة معارضيها بتهم ذات صبغة أخلاقية، أو التشهير بهم بغية نزع المصداقية عنهم، أمثال توفيق بوعشرين، هشام المنصوري، معاذ بلغوات، نادية ياسين، وكذلك بالنظر إلى التضييقيات على المنبر الذي تعمل به الريسوني، وبالنظر إلى الملفات الحقوقية التي اشتغلت عليها الريسوني، فشبهة تصفية الحسابات تكاد تصل إلى درجة اليقين في هذه القضية»، كما يرى البكاري أن ملف هاجر الذي تصل عقوبته القصوى إلى سنتين، ليس المهم به هو الحكم، بل طبيعية الاتهامات في مجتمع محافظ، وبالتالي فهو محاولة قتل رمزي لهذه الصحافية الشابة، حسب البكاري.
الصحافية الفلسطينية، ميرفت عوف، استشهدت في مقالها بالحقوقي والإعلامي المغربي حفيظ زرزان، الذي أكد لها أنه: «ربما وقعت هاجر ضحية تصفية حسابات، بإيراد اسم عمها أحمد الريسوني الإسلامي من جهة، والمنتمي لـ«حركة التوحيد والإصلاح»، الذراع الدعوي لـ«حزب العدالة والتنمية»، بكل قصاصات التشهير التي تعرضت لها، وكذا لعمها التقدمي والناشط الحقوقي والصحافي سليمان الريسوني، الذي يكتب افتتاحيات مزعجة في «أخبار اليوم»، وكذلك ما عده دفاعها ملفًا سياسيًّا، بسبب كتاباتها ومتابعتها لعدد من الملفات الحارقة في بلدنا».
تورد الصحافية نفسها ما ورد في موقع «العربية نت» السعودي، خبرًا رئيسيًّا له عن محاكمة هاجر الريسوني، بـ«هذا ما دار في أولى جلسات محاكمة قريبة خليفة القرضاوي»، يعتقد زرزان أن هاجر: “ليست المستهدفة وحدها بالتهم الموجهة لها، ويمكن الاستئناس بطبيعة التغطيات السعودية والإماراتية الإعلامية للخبر، فنجدهم يقحمون قسرًا اسم عمها أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لغاية في نفس يعقوب، رغم أنها راشدة، متنورة وحداثية، وليست تحت وصايته أو منتمية إيديولوجيًّا لحركته أو حزبه، فكما هي قريبة له، فلها أيضًا أعمام يساريون تقدميون”.
ترهيب الجسم الإعلامي المغرب
هاجر الريسوني تعمل ا في صحيفة «أخبار اليوم» إحدى أبرز الصحف المغربية المعارضة، والتي يديرها الصحفي المحكوم عليه بالسجن لمدة 12 عامًا توفيق بوعشرين، لإدانته بتهم تتعلق بجرائم جنسية والاتجار بالبشر، ومن تم لا يستبعد الحقوقيون المغاربة أن يكون هناك ترابط بين قضية بوعشرين وقضية هاجر الريسوني، من حيث انتمائهما للمؤسسة الصحفية نفسها، ومن حيث لجوء من لهم حسابات مع الصحيفة اليومية الأكثر استقلالية إلى وأدها رمزيًّا من خلال ملفات أخلاقية، لذا يرى الحقوقي والإعلامي المغربي حفيظ زرزان أنه لا يمكن إغفال وضع الصحيفة التي تعمل فيها هاجر، والتي تعرضت وما زالت لحملة تشهير ممنهجة، ويعتقل مديرها، إذ ما تزال المحاولات حثيثة لوأد هذا المنبر وموقعه الرقمي نهائيًّا، وقتل العاملين فيه ماديًّا؛ بقطع إمدادات الإشهار وعزلهم، وشيطنتهم تدريجيًّا.
وتستطرد الصحافية الفلسطينية في إيراد شهادة زرزان لـ«ساسة بوست» الذي أشار أن توالي وقائع استهداف الصحافيين في المغرب قطع الشك باليقين، وتأكد بما لا يدع مجالًا للريبة أن هناك ردة حقيقية، إذ أجمعت كل المكونات السياسية والحقوقية على الطبيعة الكيدية للملف، وأن الأمر يتعلق باستهداف الصحافيين، متابعًا القول: “الرواية الرسمية، والتي ككل مرة تصر أن تسوق أن الأمر لا يعدو أن يكون ملفًا عاديًّا، ومواطنة مجرمة، وحتى لو ثبتت البراءة من بعد، تعرضت هاجر لإعدام معنوي خطير، فهي تعرضت لجرائم تشهير يعاقب عليها القانون، ولم تُحترم حياتها الخاصة، ولا سرية التحقيق، ولا قرينة البراءة، ثم اكتملت الكارثة بتسريب تقارير وصور عليها ختم الشرطة”.
ويوضح الحقوقي زرزان قائلًا في إفاداته لصالح الصحافية نفسها: «يأتي الهدف الأكبر الذي تثبته مجمل الوقائع تجاه صحافيين آخرين، أننا أمام حملات متنوعة بكل مرة ضد الجسم الصحافي المغربي لإرهابه وتخويفه، وتقديمه لقمة سائغة لماكينة التشهير المتخصصة، والتي تجد الحماية من الجهات صاحبة الملف، أو ملفات سابقة، فمن الذي يوزع المعلومة اليوم ويسربها إلى حد الصور وتقارير عليها ختم الشرطة؟ والتي لا توجد إلا بحوزة جهات رسمية، وبطريقة قذرة وخبيثة”.
وتعود الصحافية الفلسطينية للناشط الحقوقي والباحث في علم الاجتماع خالد البكاري، الذي يؤكد أنه: «لا يجب أن ننسى الدور الذي أداه عم هاجر، السيد سليمان الريسوني مسؤول التحرير بالجريدة نفسها، في فضح الانتهاكات التي طالت ملف بوعشرين، ومواجهة من يتربصون بالجريدة».
ويشدد البكاري، في تصريحه للصحافية وللموقع نفسه، على أن استهداف الصحافيين هو جزء من الردة الحقوقية في المغرب، فالدولة تضيق بكل صوت يغرد خارج سربها، وبعد تطويع الأحزاب والنقابات، لم يعد يزعجها سوى الحقوقيين مثل «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان»، والإعلاميين المستقلين، «لذلك سنجد أن أغلب الاعتقالات ذات الطبيعة السياسية أو المرتبطة بحرية الرأي تطال بكثرة ثلاث فئات: الناشطين في الحراكات الاجتماعية، الإعلاميين المستقلين، الناشطين الحقوقيين» حسب البكاري.
المصدر: ساسة بوست و اليوم 24