الرئسيةسياسةفكر .. تنوير

بوعزيز:الغضب الاجتماعي موجود والدولة لا تنصت إليه وتعتبر بالإمكان امتصاصه بمقاربة أمنية والانكسار الموجود بين الدولة والمجتمع خطر+وثيقة الوطن أولا(انفراد)

بوعزيز: السيرورة التي مازال يعيشها المغرب هي سيرورة تأسيس وطن ومواطنة وبحث عن مواطنتنا و هذا التطور يحدث بشكل بطئ

قال المؤرخ المصطفى بوعزيز مدير مركز محمد بنسعيد أيت إيدر للأبحاث والدراسات، إن المغرب يسير ربما ليس في منظور عيني قريب وإنما في منظور متوسط نحو “الخراب”، دون أن نعلم الصورة التي ستأخذها هذه الحالة، مؤكدا، أن الغضب الاجتماعي موجود، يتكرر وينفجر هنا وهناك، ولا يحمل أفقا، والدولة لا تنصت لهذا الغضب الاجتماعي، وتعتبرها  انفجارات يمكن امتصاصها وإزالتها بالمقاربة الأمنية والزجرية.

جاء ذلك، خلال الندوة التي نظمها الاشتراكي الموحد الجمعة 8 أبريل بالدارالبيضاء، تحت عنوان “عسر بلورة المشترك في الفضائين المغربي والمغاربي في عصر العولمة”، والتي أدارها الصحافي والإعلامي، رشيد البلغيثي،حيث أكد أن هذا الانكسار الموجود بين الدولة والمجتمع ليس له من أفق إلا الضياع، ومن هنا الحاجة لهبة وطنية التي لا يمكن أن تكون بدون مشترك واسع، معتبرا أن جائحة كورونا، والإجراءات التي اتخذتها الدولة، وقبول المجتمع بالعديد من الإجراءات القسرية في مواجهتها وفرت عناصر من هذه الهبة الوطنية.

واعتبر بوعزيز، في الندوة التي جرى فيها توقيع كتب ” الزطنيون المعاربة في القرن العشرين في جزأييه وفي طبعته الثانية،  أن ذلك يقتضي ضرورة في  المغرب حوارا واسعا، مشيرا  أن كل الشروط موجودة من أجل التأسيس لحوار يهدف إلى خلق شروط توسيع الفضاء المشترك لضمان استقرار أكبر وانتقال حضاري في العالم الجديد الذي يبنى أمامنا بعنف، والذي إن لم تكن لنا مكانة فيه سنضيع.

في السياق ذاته، عاد بوعزيز للإحالة على نص صاغه في أجواء ما بعد خطاب الملك محمد السادس الذي تحدث فيه أن الدولة عبر خطاب ملكي، قامت بما عليها القيام به، وأن المواطنين مارسوا نوعا من الارتخاء الذي يتحملون فيه مسؤولية ما ستؤول إليه الأوضاع الناجمة عن الجائحة، ويتعلق الأمر بنص “الوطن أولا”، حيث أكد أنه ومن منظوره يعتبره نصا تاريخيا، يؤرح لحالة من خيبة الأمل.

بوعزيز، أشار في المداخلة ذاتها، أن هذا النص المعنون ب”الوطن أولا” و “الذي تعيد نشره “دابا بريس”، يمكن أن يخضع للمراجعة والتعديل فيما يخص جانبه اللغوي، وحتى تعديلات صيغت في ارتباط بالظرفية، إلا أنه على مستوى التشخيص أراه صحيحا، والذي اعتبرت فيه، يؤكد بوعزيز،  أن الانتخابات ليست بالحدث، وأن خطر الضياع مازال قائما، لأن التغيير المطلوب لم يحدث، وهو الأمر الذي  ستؤكده الوقائع تباعا.

وأضاف بوعزيز مدافعا عن تشخيص النص “الوطن أولا”، بالتأكيد أن السيرورة التي مازال يعيشها المغرب هي سيرورة تأسيس وطن ومواطنة وبحث عن مواطنتنا، معتبرا أن هذا التطور يحدث بشكل بطئ، بالشكل الذي يفيد أن مجتمع المواطنة مؤسس على قيم، وهو مؤسس على فضاءين، فضاء المشترك وهو الذي تتواجد فيه جميع فئات المجتمع بقيم تتقاسمها وبأفكار تؤكد أنه دائمة في زمن طويل وهو ما يؤسس الهوية التي تعبر عن لماذا نحن مغاربة، ثم فضاء الذي يهم السياسيات العمومية، والتي تتبارى فيها الأحزاب والنقابات وغيرها، وإدا انتفت هذه العناصر نكون أمام مجتمع محافظ، على حد تعبير المتحدث ذاته.

في السياق ذاته، سجل بوعزيز، أنه اعتبرنا ومازلنا  أن الأسبقية والأولوية للفضاء المشترك، لأنه تقلص، ولذلك، فضاء التباري قد ينتظر، مشيرا، أنه من وجهة نظره كان مع أن ينتظر، وأنه لو اتخذ الملك قرارا بتأجيل الانتخابات لساندته علنيا لأنها لم تكن ضرورة، لكن توسيع الفضاء المشترك ضرورة ومازالت ضرورة.

وفيما يلي نص “الوثيقة…الوطن أولا”..

نحن الموقعين أسفله ، جمعيات ومؤسسات المجتمع المغربي ، بالرغم من تعدد أهدافنا واختلاف مشاربنا المرجعية نشعر جميعا بأن الوطن المغربي في خطر .

فإن كان هناك شيء واحد نتفق عليه فهو المصلحة الاستراتيجية للشعب المغربي وللوطن المغربي. وتتأسس هذه المصلحة الاستراتيجية في التماسك الاجتماعي للشعب المغربي ، وفي المناعة الاقتصادية للبنيات الانتاجية ،وفي استتباب أسس دولة الحق والقانون ومجتمع الكرامة والإنصاف والتضامن .

إن تحقيق هذه المصلحة الاستراتيجية هو الكفيل بتموقع وطنناكشريك فعال في عالم الغد الذي يولد أمامنا اليوم  بعنف وألم وهي لحظة فارقة لن تترك لمن تخلف عن الإنخراط  الإيجابي في صيرورة تبلورالمستقبل إلا موقع العبد المسخر 

و إيمانا منا بأن المصلحة الاستراتيجية للوطن تقتضي بلورة مشترك بين مختلف القوى والتوجهات التي يزخر بها المجتمع المغربي ، بالرغم من الاختلافات في المقاربات والبرامج السياسية ، فإننا نحن الموقعين أسفله  مقتنعون بأن أولوية الأولويات هي بلورة ميثاق وطني جديد كفيل بإنقاذ البلاد من خطر الدمار الشامل ، الذي قد يتمثل في تفكيك بنيات المجتمع وانحلال مؤسسات الدولة .لهذا فإنقناعتنا  بأن الوطن المغربي في خطر تتأسس  على:

  1. تخبط المغرب في أزمة شاملة منذ سنوات ، مست كل قطاعات الحياة العامة والخاصة ، اللهم بعض فضاءات المضاربة المالية والتجارية والعقارية … مما ساهم في انخفاض إنتاج الثروة الوطنية ، وتقليص مريع لسوق الشغل وتدهور مهول في الخدمات الاجتماعية ( الصحة ، التعليم، السكن …) وتنامي ظاهرة الفساد بكافة أشكاله.
  2. اعتراف الدولة عبر تصريحات أعلى مسؤوليها ، وعبر تقارير أهم مؤسساتها ، بعدم نجاعة سياساتها العمومية ، وسيادة تدبير سيء للشأن العام ، وثبوت تبذير كبير للمال العمومي ، وتوزيع غير عادل للثروة الوطنية ، المتواضعة أصلا ، والإقرار بمحدودية أو فشل كل محاولات الإصلاح ، سواء تلك التي شملت الإدارة العمومية أو منظومة القضاء ، أو بنية الاستثمار و القوانين الجمركية والمناطق الحرة … أو الاصلاحات التي شملت القطاعات الاجتماعية كمنظومة التربية والتكوين والتعليم، أو برامج تنشيط سوق الشغل .
  3. بالرغم من إجماع مؤسسات الدولة ( المجلس الاقتصادي والاجتماعي ، المندوبية السامية للتخطيط ، المؤسسة الملكية للدراسات الاستراتيجية، بنك المغرب ، المجلس الأعلى للحسابات..) على عمق الأزمة وديمومتها ، فقد توزعت في دعواتها للخروج من الأزمة ، إلى توجهين .
  • توجه الأول يدعو إلى تقليص فضاء القطاع العام لسوء حكامته ، وتشجيع وتوسيع فضاء القطاع الخاص لنجاعته.
  • توجه ثان يدعو – انطلاقا من أن الهرس الأساسي المغذي لديمومة الأزمة هو انكسار الثقة بين الدولة والمجتمع – إلى اعتماد سياسات عمومية مؤسسة على إشراك المجتمع وفعالياته.

ويبدو لنا أن التوجه الأول حظي باستحسان الدولة وبدعم المؤسسات المالية العالمية… وبالرغم من ذلك دعا الملك محمد السادس إلى حوار مغربي – مغربي لبلورة نموذج تنموي جديد ، يكون قاعدة لتأسيس تعاقد اجتماعي .

  1. فاجأت جائحة كورونا العالم بسرعة انتشارها وقوة فتكها ..وبالرغم من حسن رد فعل الدولة والتجاوب الإيجابي أغلبية المغاربة طيلة ظرفية الحجر الصحي .واستبشارنا بأشكال التضامن الشعبية وإمكانية إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع ، وعودة الاهتمام بالقطاع العام ومركزية الإنسان في أية تنمية مستدامة ، فإن تدبير مرحلة رفع الحجر الصحي ، لم يأخذ بعين الاعتبار المستجدات الايجابية كأن الجائحة مجرد قوس سيتم إغلاقه ، وكأن مقاربات المعالجات والآليات السابقة ، التي أنتجت الأزمة الشاملة هي الكفيلة بتجاوزها فعادت الجائحة بقوة أكبر ، وعمقت الأزمة وأضافت للهشاشة الاجتماعية هشاشات إضافية ، وجعلت خطر الدمار الذي كان احتمالا ، يقترب أكثر فأكثر من الوطن .

5.توجد اليوم ، فئات واسعة من مجتمعنا ، أمام خطر يهدد حياتها جراء تفاقم الجائحة وشبه إفلاس الجهاز الصحي المغربي ، وخطر انقطاع قوتها اليومي  نتيجة ارتباك النسيج الاقتصادي وشبه توقف قطاعاته الهشة وغير المهيكلة … مما يعيد إنتاج الشعور بالإهمال العمومي لها، وبالتالي تعميق غياب الثقة بين الدولة والمجتمع.

  1. تنامي مديونية الدولة ، وصرف الاعتمادات الجديدة حسب أولوية تضع الإنسان والقطاع العمومي ،خصوصا الصحة حاليا ، في المرتبة الثالثة .
  2. بالرغم من تنبيه الخطاب الملكي الأخير (20 غشت) إلى أن الحديث عن ارتخاء بعض المواطنين اتجاه الاجراءات الوقائية، ليس إلا مؤاخذة أو عتابا ، فإن الحملات التي تلته في الإعلام العمومي ، أجمعت على :

– خطورة الوضع الوبائي والصحي بالبلاد؛

– تحميل المسؤولية كاملة للمواطنين عبر خطابات جلد وتقديح ؛

– تبرئة الدولة من أية مسؤولية، وإعطائها شهادة تنويه ، وإعفائها من أي مجهود مادي مستقبلي ؛

– شرعنة المقاربة الأمنية والزجرية….

ونعتبر نحن الموقعين أسفله أن المنحى الذي قد تنزلق إليه الأوضاع لا يبشر بخير . لذلك ، ومن موقع المسؤولية المدنية والغيرة الوطنية والواجب اتجاه شعبنا ، نسجل مرة أخرى ما يلي :

 

أ)  إن الأزمة الشاملة الملمة بالمغرب ليست طارئة ، بل هي نتيجة الاختيارات غير الموفقة للدولة المغربية منذ الاستقلال إلى اليوم ، وأن جائحة كورونا ، بالرغم من خطورتها ، لم تعمل إلا على كشف قاس لهشاشة بنياتنا وأخطاء اختياراتها وسوء الحكامة الرسمية .

ب) إن ما تبين لنا ، خلال مقاومتنا لهذا الوباء الفتاك ، من تراخي بعض المواطنين في ممارسة الإجراءات الاحتياطية ، وما روجه البعض من آراء حول حقيقة الجائحة ، وما قاله البعض الآخر من أفكار غيبية وعدمية …. كلها ممارسات وسلوكات يجب مقاومتها ، بالتنوير والمواظبة على سلوك المواطنة ، والاحتضان للإنساني والتثقيف بالتي هي أحسن، وليس بجلد المواطنين وتحميلهم المسؤولية كاملة  في استهلاك وترويج تلك الأفكار العدمية والغيبية…  صحيح أن لهم جزءا منها ، إلا أن المسؤولية الجوهرية تعود لعقود من السياسات العمومية التي رفضت التنوير والفكر النقدي في برامج التربية والتعليم و في برامج الاعلام العمومي وخاصة عبر الإذاعة والتلفزة ،وكذا في خطب الجمعة ودروس الموعظة بالمساجد ، في غياب برامج دائمة للتربية على المواطنة والتربية الصحية ،  وعدم توفير سكن لائق يحفظ كرامة الأسرة المغربية ويمكنها من عيش إنسانيتها . وبالتالي فإن مسؤولية الدولة كبيرة

ج) إن تبرئة الدولة ومنحها صك البراءة ، والجلد المنهجي للمواطنين ، يشي من جهة باعتراف غير مباشر بعجز الدولة ، ومن جهة أخرى يمهد لترك جزء من المجتمع ، وهو مجموع الفئات الهشة والمعوزة …. أمام تدهور الأوضاع وفريسة للفيروس ولمختلف الأمراض ، وللفقر والجوع.

إن انزلاقا من هذا القبيل سيقسم المغاربة إلى فريقين :

1- فريق ناج تحميه وضعيته الاجتماعية والمالية وامتيازاته المشروعة وغير المشروعة ، ومصحاته الخاصة داخل وخارج الوطن ، واحتضان بعض أجهزة الدولة له.

2- فريق تائه ، متروك لأمره ، يعاني الأمرين في قوت يومه ، ستزاحم أمام أبواب المستشفيات العمومية المهترئة ، ويموت في الفضاءات العمومية أو داخل المنازل المكتظة ولا يدفن بما بما يحفظ كرامة جثمانه وأسرته .

إن هذا التطور المحتمل ، والذي يمكن تجنبه ، قد يؤدي بالمغرب إلى التدرج دون وعي ، نحو نظام أبرتايد ( ميز عنصري ) مدمر لكياننا .       

لذا ندعو ، نحن الموقعين أسفله إلى:

  • الكف الفوري عن جلد المواطنين عبر خطابات غير مسؤولة من داخل الإعلام العمومي ، وفتح القنوات العمومية لمؤسسات وشخصيات مدنية قادرة على بث خطاب تنويري ، وزرع بذور ثقافة شعبية إيجابية تعبد الطريق لتضامن لاحم بين كل فئات الشعب المغربي ، عوض تأليب البعض على البعض الآخر.
  • العمل على إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع ، بمراجعة عميقة للسياسات العمومية ، وبتأمين القطاع العمومي وعلى رأسه الصحة العمومية، الآن وفورا.
  • تشكيل مجلس إنقاذ وطني ، إلى جانب جلالة الملك وإلى جانب مؤسسات الدولة ، مشكل من شخصيات وطنية وازنة برصيدها الرمزي والوطني ، وخاصة بثقة فئات عريضة من الشعب المغربي . سيكون هذا المجلس عنوان إشراك المجتمع في معركة الخروج من الأزمة … وعينه الحامية من الانزلاقاتالإعلامية أو الأمنية ، أو الأشكال المتعددة للفساد والزبونية.
  • زرع وتطوير ثقافة الإشراك وبلورة المشترك المغربي على قاعدة منظومة قيم تشكل العمود الفقري لمغرب للألفية الثالثة. والمشترك المغربي هو إطار التوافق والتضامن ، لذلك لا يمكن بلورته إلا بالحوار والتفاعل الإيجابي بين كل مكونات الشعب دون تهميش أو شيطنة لأي منها . فقاعدته الحوار ثم الحوار والإشراك الفعلي في البلورة الجماعية مهما كلف ذلك من وقت وجهد. والبداية في فتح سيرورة جدية لبلورة تعاقد اجتماعي حقيقي ومستقبلي.
  •    5) تحديد فضاءات وقضايا التباري والاجتهاد الديمقراطي ، لتمكين التعدد والاختلاف اللذين يزخر بهما المجتمع المغربي من التعبير عن الآراء والتوجهات السياسية لمختلف حساسيات المجتمع ولتحميل مسؤولية  تدبير الشأن العام للأصلح منها ، على قاعدة ” الشعب مصدر السلطة” .
  •   ونرى نحن الموقعين أسفله ، أن الأسبقية الآن ، خلال هذه الظرفية الحرجة ، ليست لفضاء التباري ، بل لتوسيع وهيكلة فضاء التوافق ….فذاك شرط إنقاذ الوطن؟؟؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى