هدى سحلي تكتب: في البر كما البحر.. فوق الجبل وتحت الثلج نموت
في أبريل 2017، توفيت الطفلة ذات السنتين إيديا فخر الدين، بعد إصابتها على مستوى الرأس إثر سقوطها أرضا، فاضطرت عائلتها إلى نقلها من المستشفى الإقليمي بمدينة تنغير إلى مستشفى مولاي علي الشريف بالراشيدية، ومنه إلى المستشفى الجامعي بفاس، لتلقي العلاج.
رحلة طويلة وشاقة، لأكثر من 500 كلم، قطعتها إيديا من أجل العلاج والخضوع لفحص السكانير، لكن نزيفا داخليا لم يمهلها الوقت لتفارق الحياة.
وقبلها في آكتوبر 2016 لقي الشاب محسن فكري مصرعه مطحونا داخل شاحنة للأزبال، بعدما صادرت السلطات المحلية بميناء مدينة الحسيمة السمك الذي كان يبيعه، بحجة عدم قانونية صيده، فكان الفتيل الذي أشعل أكبر احتجاج مجالي في المغرب الحديث، اعتقل على إثره المئات من الشباب، الذين طالبوا بمشاريع تنموية تفك العزلة عن منطقة الريف، فأصدرت في حقهم أحكام قضائية بلغت العشرين سنة.
وغير بعيد، في شتنبر من العام الجاري، أطلقت عناصر البحرية الملكية الرصاص على قارب مرشح للهجرة السرية، أدى إلى مقتل الطالبة حياة، التي أصبحت تعرف بـ’’شهيدة الهجرة السرية‘‘ بعدما اضطرتها الظروف لمغادرة الدراسة.
وأخيرا في مطلع نونبر الجاري، عثر على جثة راعي غنم تحت أكوام الثلوج نواحي جبل بويبلان الواقع في إقليم تازة، بعد أسبوع من فقدانه، بعد فشل سكان المنطقة وفرق جهازي الوقاية المدنية والدرك الملكي من إيجاده نظرا لغياب الأجهزة المناسبة.
الخيط الناظم لهذه الحوادث وحوادث أخرى كمقتل نساء في حادث تدافع نواحي الصويرة، ومقتل النساء بباب سبتة وأمثلة أخرى لحوادث، عنوانها العريض ’’غياب العدالة المجالية‘‘، يروح أبناء المغرب المنسي ضحايا لها.
فبالرغم من توالي المقاربات وتواتر المشاريع التنموية، التي ظلت الدولة ترددها من أجل إضفاء نوع من التوازن المجالي، وتمكين مختلف الجهات من نصيبها في المجهود التنموي وتحسين ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والمناخية، تظل الدولة عاجزة عن تحقيق الشروط الدنيا للعيش الكريم لمواطنيها ومواطناتها، بل وأصبحت تسترخص أرواحهم، ولا تكلف نفسها إلا ’’كفنا‘‘ يستر جثامينهم تحت التراب.
ويرجع هذا العجز، إلى عنصرين أساسيين، أولهما فشل مؤسسات الدولة في تدبير الكائن من الإمكانات المادية والبشرية وتوجيهها للصالح العام، متذرعة في ذلك إلى نقص الموارد المادية، وبالتالي فك التزاماتها تجاه المجتمع وتخليها عن دعم القطاعات العمومية، وتدبير الشأن التنموي المحلي، بغاية محو الفوارق الاجتماعية والطبقية والترابية ووقف سيرورة الإقصاء والتفقير والتوزيع العادل للثروة، عوض مراكمتها من لدن فئة بعينها دون غيرها، مقابل دعم متواتر للقطاع الخاص.
أما العنصر الثاني، والذي يشكل المفارقة، هو انكباب الدولة على إنجاز مشاريع كبرى، لا ندري حقيقة من المستفيد منها، ولا نلمس لها تأثيرا على الحياة اليومية للمواطن البسيط، من قبيل إنشاء مراكز تجارية كبرى، وقناطر وأبراج تكلف ميزانيات ضخمة، كان الأجدر توجيهها لفك العزلة عن المواطنين وتقليص الفجوات المجالية، وإعادة صياغة علاقة جديدة بين المناطق والجهات، بدء بوضع تشريعات وقوانين تعنى بتنظيم المجال والتقسيم الترابي، وصياغة سياسات عمومية جوهرها خدمة الإنسان، بدل التخلي عنه وتركه لمواجهة مصيره منفردا، في انتحار تام لـ’’الدولة الاجتماعية‘‘.
والخلاصة اليوم، وأمام توالي حوادث مميتة، السبب المباشر فيها تخلي الدولة عن مواطنيها، أننا شعب صرنا في البحر كما البر، وفوق الجبل وتحت الثلج، نموت.