الرئسيةرأي/ كرونيك

حذر من القراءات المتسرعة لبلاغات الديوان الملكي..المنوزي: كيف نقرأ إيجابيا الفعل الملكي دون المس بالحقوق المكتسبة؟

بقلم: مصطفى المنوزي

دأبنا على التحذير من القراءات المتسرعة لبلاغات الديوان الملكي، وما قد ينتج عنها من استنتاجات، فالمعني والمقصود بها ليس دائما هو المخاطب المسمى تحديدا في النص؛ وإلا لكان الإتصال بالجهة المخاطبة مباشرة وفق ما جرت عليه التقاليد والبروتوكول العرفي، خاصة وأن الأحزاب الدينية والإدارية هي صنيعة الدولة وجزء من بنيتها التنظيمية والسياسية والإيديولوجية حتى.

وفيما يخص تفكيك شفرات الرسائل الواردة في الن ، فإنه بعد القراءة المتأنية والمتكررة؛ لا مناص من إستحضار أن اختصاصات قطاع الخارجية تنتمي إلى مجال الأمن والسيادة، رغم أن الوزير المكلف ليس إلا وصيا بالتفويض، باعتبار أن شؤونها وقضاياها تنتمي إلى إمارة المؤمنين (حماية الملة والدين والدفاع عن الثغور )، وإلى رئاسة الدولة ( السياسة العسكرية والقرار الأمني كمجالين محفوظين للملك ) .

وهذا من أوضح الواضحات، لذلك فإن ما يهمنا كحقوقيين هو التأكيد أن هذه الصلاحيات والإختصاصات سواء كانت مؤسسة على الدستور كمرجعية للتأصيل أو التبرير أو الشرعنة؛ أو سواء كانت بحكم الأمر الواقع المترتب على ارتباك وسوء تفعيل مبدأ فصل السلطات وإستقلال بعضها عن بعض؛ لا يمكن أن يحكمها أو تتأثر بالتعسف في التصريف أو الإستعمال، فليس يميز بين العهود سوى إختلاف السياقات وتكييف المقاربات وتحيين الإرادات ودمقرطة التعاقدات والتسويات.

فلا أحد يجادل بأن المفهوم الجديد للسلطة لا زال يبحث له عن ملامح حقيقية مرتبطة بحصول إنتقال أمني (أي تحول في العقيدة الأمني ) وأن الإرادة وخطاب النوايا الحسنة لم يعد كافيا أمام تعثر تجسيد المفهوم الجديد للعدل، مما يعنيه من تحقيق الإنصاف، باستكمال إرساء ضمانات عدم تكرار مآسي الماضي، أو بالإعتراف بأن التشاركية ( في إنتظار تحقيق الديمقراطية ) تعد مدخلا تمهيديا لمواجهة الإكراهات والمخاطر التي تحول دون إستنبات مقومات ضمان الحق في الأمن ضد الحاجة، والحق في الأمن ضد الخوف، والتي يعد الفصل 54 من الدستور ثمرة أقوى توصية صادرة عن هيأة الإنصاف والمصالحة، فمأسسة الحكامة السياسية والأمنية يساهم فيها المجلس الأعلى للأمن كآلية تشاورية في المجال والإختصاص ووعاء لبلورة تسويات وتوافقات مفيدة لمصالح الوطن العليا .

وإذا كان لابد من بصيص تفاؤل في مضمون نص بلاغ الديوان الملكي هو عبارة “…أن السياسة الخارجية للمملكة “من اختصاص جلالة الملك، بحكم الدستور، ويدبره بناء على الثوابت الوطنية والمصالح العليا للبلاد، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية” .

هذه العبارات التي تعد مؤشرا على أن الحكامة الأمنية حاضرة لدى كافة الفاعلين والمنتجين للقرار السياسي السيادي والأمني، أصالة أو بالتفويض، لأن مطلب الحكامة ليس في آخر المطاف سوى تمرين على الممارسة الرقابية والنقدية والمساءلة، في إطار علاقة تعاقدية تبادلية، يفترض فيها تكافؤ الحقوق والواجبات، واحترام الإختصاصات وتحمل كافة المسؤوليات الدستورية والسياسية، وكل ذلك وعيا منا جميعا بأن هذا الإستنتاج التأويلي لا يمكن فصله عن تمثلات الأحزاب السياسية وزعمائها ووزرائها الذين يصرون على أن الشأن الأمني مجال محفوظ للملك، وفي ذلك تبرير وشرعنة لتهربهم من تحمل المسؤولية وفقا لقاعدة ” كم من حاجة قضيناها بتركها “.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى