الرئسيةسياسةشواهد على التاريخ

نضال رجل من اليسار …عبدالله زعزاع، “سرديات” الحلقة1: اللقاء الأول

سنختار بعض الفصول في هذا الحيز، بضع فصول من كتاب المناضل عبدالله زعزاع، نضال رجل من اليسار “سرديات”، وهو المؤلف الذي اعتبره كاتب تقديمه، الحسين الروكي أحد رفاق الراحل، شهادات حول تربيته ونضاله ومقاومته ومشروعه المجتمعي(المجتمع الاشتراكي)، “هي تعبيرات عن قناعته من خلال خيط ناظم تطبعه الكرامة الإنسانية وضرورة احترامها”….

يوم الأحد 7 ماي 1989 “العيد الصغير” غادرت الشاحنة القنيطرة باتجاه الدارالبيضاء جلست بين السائق و H.A، لدي انطباع أن مخي يرزح تحت سقف إسمنت، رغم أني أحس انقشاعا تدريجيا لمفعول كؤوس الخمر شربتها طوال الليلة الماصية.

غادرت السجن للتو لمعية بعض الرفاق، بعد قضاء بالنسبة لي أربعة عشر عاما وثلاثة أشهر وثمانية أيا معتقلا.

الأقسى ظلما أن أترك هناك رفاقا. ليس التضامن والصداقة السببيين الوحيدين لأحاسيس الرفض والتمرد التي تحفز أفكاري وتوتر كل نبضات كياني، بل كذلك عنف الاقتلاع من بيئة صارت مني، يمكن أيضا أن كوني كنت محكوما بالسجن المؤبد، فكرت أني سأخرج حيا بالتاكدي، لكن بطريقة غير مفهومة “العفو الملكي”…

بدأ النهار يطل. قللت الشاحنة من سرعتها ثم توقفت بجانب الطريق. اقترب دركي. قدم السائق أوراق ورد في همس عن سؤال الدركي، موضحا غايية اتجاهه. وترجل ليشرح له أكثر، ثم عاد إلى مقعده بالشاحنة، أطل الدركي عبر النافذة من جديد، نظر نحوي لمدة طويلة فتوجه إلي:

وأنت…مابك تنظر إلي بهذه الطريقة؟

لم أرد عليه، أعاد سؤاله بصيغ عديدة تبدو لي كلها هجومية، لأنها تزعج تسلسل أفكاري:

دعني وشأني ليست لي رغبة في الإجابة.

نعم والله مستحيل !! اليوم يوم عيد، أليس كذلك؟ أليس كذلك؟ ألازلت صائما؟ ابتسم قليلا!

أصمت، تثار أعصابه فينادي مسؤوله.

  • تعال لنر هذا الشخص الغريب! لم أطلب منه شيئا كثيرا، بل ابتسامة قصيرة فقط وأن يقول بأنه لا يزال صائما ؟؟ لكنه تأكد برفض الجواب.

تجاوزتنا سيارة، خفضت من سرعتها ثم توقفت. ترجلت منها “أسية” التي كانت بمعية أصدقاء آخرين، وكان يرافقها بلعباس المشتري. توجهت نحونا، وظل “الشاف” يل بأن أجيب لأن ذلك، في اعتقاده، لن يكلفني شيئا. أخيرا قلت إني لست هنا تحت رغبة من يزعجني بأسئلته. بدأ “الشاف” يزمجر غضبا ويستعمل نبرة أكثر تهديدا. دارت “اسية” حول الشاحنة وتوجهت إلي قائلة:

  • زعزاع إنكم غادرتم السجن للتو ولا نريد العودة إليه ثانية. أجبهم في هدوء ولنذهب.
  • يا “أسية” سواء عدنا أو لم نعد إلى السجن، إذا كان هناك يوم لا أقبل خلاله أن ازعج، فهو هذا اليوم بالضبط. وبعد فالأمر يبدو غريبا أن أراهم يعيدونني إلى السجن في يوم مثل هذا وبسبب أسئلة من هذا النوع !

لم يعد “الشاف” يحتمل هذه الوضعية ولم يعد قادرا على ضبط نفسه.

  • نخاطبه بلطافة، نحن أعوان السلطة، ويعطي لنفسه (هو) الحق في عدم احترامنا

يفتح بوابة الشاحنة ويبدي الانطباع بالصعود إليها فيتدخل السائق، وفي نفس الوقت تمسك به “أسية” وتتوسل إليه أن يهدأ.

استطاعت أن تبعده وهو ما يزال يستشيط غضيا…بعد لحظات غادرتهما وعادت إلى سيارتها

ثم حيتنا واستأنفنا مسيرنا.

صورة جماعية لبعض المعتقلين السياسيين لليسار الجديد بالسجن المركزي القنيطرة رفاق زعزاع

 

كنا بالطريق السيار على مستوى مدينة المحمدية والشمس في كبد السماء. فكرت أنه لا ينبغي أن أقصد منزلنا، فقد تهتز أمي اضطرابا لوقع المفاجأة، فينبغي أن أحط الرحيل عند “دادة” و”خويتي” أختاي اللتان تسكنان ب” الصخور السوداء”. على أي ينبغي أن أوضح الاتجاه للسائق.

الحلقة القادمة: نوفمبر 1974 يناير 1975….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى