الرئسيةرأي/ كرونيك

عندما يختلط الإحصاء بالوطنية من عدمها ويجري الخلط بين الوظيفة العمومية و “السلطوية”: قراءة في خطاب الحليمي”

تحرير: جيهان مشكور

في الندوة الصحافية التي عقدها أحمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط، بمناسبة انطلاق الإحصاء الوطني للسكان والسكنى، توقع كثيرون الحصول على أجوبة شافية حول هذا الاستحقاق الإحصائي الذي يعتبر روتينياً في أبعاده، إلا أن ما قدمه الحليمي كان خطابًا تجاوز مجرد الدعوة إلى المشاركة، ليأخذ طابعًا يذكرنا بعصور مضت، حيث كان للسلطات الحق في تحديد مدى وطنية المواطنين بناءً على التزامهم بالمشاركة في مثل هذه العمليات.

كان الحماس الذي أبداه الحليمي في حديثه مبالغاً فيه إلى درجة أنه صوّر المشاركة في الإحصاء وكأنها المعيار الأساسي للانتماء إلى الوطن، مما أثار استغراب الكثيرين، إذ بدا وكأنه يرسم خطًا فاصلاً بين “الوطنيين” و”غير الوطنيين”، متجاهلاً أن مفهوم الوطنية لا يُختزل في استجابة المواطن لطلب إداري، بل يمتد إلى التزامه اليومي تجاه بلده.

من أكثر النقاط التي أثارت الجدل في خطاب الحليمي، هو تهديده باستخدام “التشهير” كعقوبة ضد من يرفضون التعاون مع الباحثين خلال عملية الإحصاء، هذا التهديد يعد خروجًا عن الإطار القانوني، حيث أن القانون المنظم للإحصاء يعود إلى مرسوم مؤرخ في 16 يونيو 1971، ينص على عقوبات محددة لمن يرفضون التعاون، وهي غرامة مالية تتراوح بين 10 و120 درهم، وفقًا للفصل 609 من القانون الجنائي.

هذا التهديد أثار مخاوف جدية حول كيفية استخدام السلطات لهذه الأداة ضد المواطنين، خصوصًا عندما يأتي من مسؤول رفيع المستوى مثل الحليمي، الذي يُفترض به أن يكون حاميًا للقانون لا منتهكه.

خطاب الحليمي يعكس انفصالًا عن الواقع الاجتماعي المتغير في المغرب، فالزمن الذي كان فيه المواطنون يخضعون لسلطة مطلقة قد ولّى، وأصبح مغاربة اليوم أكثر وعيًا بحقوقهم وأكثر تطلعًا إلى دولة قانون حقيقية، فالمواطن المغربي في عام 2024 ليس كما كان قبل عقد من الزمن، فهو يبحث عن دولة تحقق العدالة والشفافية في تدبير شؤونه اليومية، ويتطلع أن يكون الموظفون في خدمة الشعب لا الأبوية عليه.

إن استخدام خطاب الوطنية بهذه الطريقة قد يأتي بنتائج عكسية، فبدل أن يحفز المواطنين على المشاركة، قد يدفعهم إلى مزيد من التشكك في النوايا الحقيقية وراء هذه العملية، خاصة في ظل التهديدات المباشرة التي أطلقها الحليمي، والتي حولته من مجرد موظف عمومي على رأس مؤسسة إلى حاكم وحاكم طاغي تتجمع في يده كل السلط بما فيها سلطة ترقيم المواطنات والمواطنيي ودردة وطنيتهم.

الخطاب الذي ألقاه الحليمي أثار العديد من التساؤلات حول كفاءة إدارة هذه العملية الإحصائية ومدى شفافية تمويلها، فمن الطبيعي أن يتساءل المواطنون عن كيفية استخدام الأموال المرصودة لهذه العملية، وعن سبب عدم الاستعانة بالكوادر العاطلة أو الطلبة بدل تعطيل موظفين آخرين.

على صعيد اخر يبدو أن إحصاء 2024 بدأ قبل أن ينطلق فعليًا، حيث يكشف عن فجوة عميقة بين ما تريده السلطات وبين تطلعات المواطنين، خاصة عندما يُستخدم خطاب الوطنية كأداة للضغط والتهديد، هذه الفجوة هي رسالة واضحة للمسؤولين بأن مغاربة اليوم يطالبون بشفافية وحريات أكثر في المشاركة، دون الحاجة للتهديدات أو الأساليب القديمة التي لم تعد تلائم العصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى