الحكم على الغزاوي بسنة سجنا نافذاً على خلفية مشاركته في احتجاج داعم للشعب الفلسطيني ومناهض للتطبيع
في مغربٍ يُفاخر بدستوره الذي يَعتبر الحرية وحقوق الإنسان ركناً أساسياً في بنيانه، أصدرت المحكمة الابتدائية بعين السبع بالدار البيضاء، حكماً يقضي بسجن إسماعيل الغزاوي، الناشط الشاب المنتمي لحركة مقاطعة الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل (BDS)، لمدة سنة سجناً نافذاً، بالإضافة إلى غرامة مالية قدرها 5000 درهم، بعد متابعته بتهمة "التحريض على ارتكاب جنايات وجنح"، على خلفية مشاركته في احتجاج داعم للشعب الفلسطيني ومناهض للتطبيع.
وكانت السلطات الأمنية اعتقلت الغزاوي يوم الجمعة 25 أكتوبر 2024، وهو مهندس فلاحي يبلغ من العمر 34 عاما، عندما كان متجها إلى مقر القنصلية الأمريكية في الدار البيضاء للاحتجاج على دعم الإدارة الأمريكية للإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني في غزة، ثم أفرجت عنه، ليتم استدعاؤه للمثول أمام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، و يتقرر وضعه تحت الحراسة النظرية، وبعد ذلك أمر وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بعين السبع بمتابعته في حالة اعتقال.
إسماعيل الذي لطالما رفع صوته دفاعاً عن القضية الفلسطينية ومناهضة التطبيع الذي يُشرعن اغتصاب الأرض وسلب الحقوق، يدفع سنة من عمره لقاء دفاعه عن الحق،، الحكم ليس مجرد قرار قضائي؛ بل رسالة سياسية واضحة تُجرّم الفعل التضامني وتُكمّم أفواه كل من يجرؤ على رفض التطبيع مع الاحتلال الصهيوني.
منذ متى أصبح التضامن مع شعب يُذبح يومياً جريمة؟ أليست القضية الفلسطينية قضية إنسانية بامتياز؟ كيف يمكن أن يتحول الدفاع عن المظلومين إلى تهمة تستدعي العقاب؟ في واقع يُسوَّق فيه التطبيع على أنه إنجاز دبلوماسي، يبدو أن أي صوت حر يُعارض هذا المسار مآله المحاكم و الزنازين، وكأن السلطة القضائية ليست سوى أداة في يد منظومة سياسية تُعادي من يقف مع قيم الكرامة والعدالة.
تجدر الإشارة أن ما يحدث مع إسماعيل الغزاوي ليس حالة معزولة، بل جزء من حملة متصاعدة تهدف إلى إخراس الأصوات المناهضة للتطبيع، وحلقة جديدة في مسلسل طويل من القمع الممنهج لكل صوت يعارض السياسات الاستبدادية ويحاول لفت الأنظار إلى قضايا الحق والعدالة، وخاصة تلك المتعلقة بالتضامن مع الشعب الفلسطيني.
و في الوقت الذي يتسابق فيه البعض لفتح أبواب التعاون مع الاحتلال الإسرائيلي، تُغلق أبواب الحرية في وجه كل من يصرخ بجرائم الإبادة الجماعية التي تُرتكب يومياً في فلسطين.
الحكم الصادر ضد إسماعيل يفضح هشاشة الخطاب الرسمي الذي يَدّعي الالتزام بحقوق الإنسان، ويكشف ازدواجية المعايير التي تجعل من التضامن مع الشعب الفلسطيني خطيئة في نظر القضاء المغربي.
هذه المحاكمة ليست إلا مرآة تعكس واقعاً سياسياً مشوهاً، حيث يُستبدل الحق بالباطل، وتُسوّق الخيانة على أنها شجاعة سياسية.
إسماعيل الغزاوي لم يكن سوى صوت ضمير حيّ يرفض الصمت أمام جرائم الاحتلال، فوجد نفسه في مواجهة آلة قمعية لا تعترف إلا بمنطق الاستبداد.
ما يجعلنا نتسأل ما الذي يُخيف هذه المنظومة من شاب لا يملك سوى كلماته ومواقفه؟ أهو الخوف من أن تتحول صرخته إلى حركة شعبية واسعة ترفض التطبيع وتطالب باستعادة الكرامة الوطنية؟
التاريخ لن يرحم من يُجرّم التضامن مع شعب يتعرض للابادة، و سيبقى اسم إسماعيل الغزاوي شاهداً على زمن يُدان فيه الأحرار ويُكافأ فيه الداعون لتطبيع مع كيان منبوذ، وما الحكم الصادر بحقه إلا محاولة يائسة لإطفاء شعلة المقاومة التي لا يمكن أن تنطفئ مهما تعاظمت محاولات القمع والتكميم.