الرئسيةثقافة وفنون

الناقد السينمائي محمد بكريم يكتب: السينما والمجتمع…المرآة والصدى

بقلم الكاتب والناقد السينمائي: محمد بكريم

على عتبة قاعة العرض التي تستضيف إحدى دورات المهرجان الوطني للفيلم، أتساءل: ما هذا المغرب الذي تحوله الأفلام إلى قصص، وتعيد إنتاجها بالصوت والصور؟ ما هو هذا المجتمع الذي صورته نصوصنا السينمائية؟ الأفلام هي عبارة عن تشكيل للأساطير التي تنتهي إلى تحويل خطابها وتصبح الشاشة كمرآة للمجتمع الذي شهد ميلادها. وبعيدا عن الخطاب الظاهري، تحمل الأفلام في الخلفية إشارات بليغة…

تتحدث استاذة العلوم السياسية، رحمة بورقية عن المغرب باعتباره “مجتمعا غير محلل بشكل كاف”sous-analysée. وهذا صحيح الى حد ما، وخاصة من وجهة نظر شبكات القراءة الأكاديمية التقليدية، المستمدة من العلوم الاجتماعية. سيتعين علينا، أمام هذا المعطى، أن نبحث في مكان آخر ونبحث عن مداخل أخرى.

من قبس العلامات المنبثق من شاشات خيالنا، على سبيل المثال. إن السينما، في الواقع، تشكل مجموعة سيميائية غنية ومتنوعة، تقدم للعين المراقبة واليقظة خطابا كاملا حول المجتمع المغربي. خطاب وراء الخطاب.

إن ما يقال في الفيلم وخاصة ما لم يقال يساهم في إرساء نوع من المسح للواقع من وجهة نظر خياله. المرئي الذي يكشف عن غير المرئي. أو عن المرئي الذي نمر عليه مرور الكرام. السينما سبيلنا لنبصر ما نرى. على خطى مشيل فوكو الذي عرف وضيفة الفلسفة في في اظهار ما هو ظاهر (عكس العلوم التي تظهر ما لا يظهر).

لفهم المجتمع الأمريكي، في عملية تطوره التاريخي، لا يوجد شيء أفضل من أفلام الغرب… والأفلام السوداء. إن تكوين البرنامج السردي، والصور النمطية المنقولة، والشخصيات النسائية المعروضة، والأماكن والمساحات التي تم إنشاؤها… تعبر عن القلق والأسئلة التي تجول في المجتمع الأمريكي في مراحل مختلفة وفي أزمنة مختلفة…

كل عام، تنتج هذه السينما أرقامًا وتراكم إحصائيات. ولكن هذا لا يكفي، إذ تكتسب السينما أيضًا مشروعية فنية وثقافية من خلال الخطاب الذي يرافقها. الخطاب النقدي؛ الخطب الخبيرة: المؤرخ، الباحث في العلوم الاجتماعية، وما إلى ذلك. مشروع قراءة ضخم لا يزال بورًا.

وفي الحالة المغربية، فإن السينما الاجتماعية باعتبارها نوعا يجمع بين الجمالية والدراما هي التي تبدو لي الأكثر ملاءمة لهذا المنظور. منتبهين لما تقوله لنا السينما، مرآ، وصدًى. وبإمكاننا أن نقول، في الواقع، باستخدام صورة ستنداليّة (نسبة الى الروائي ستندال)، إن السينما هي “مرآة نحملها على طول الطريق”.

الفيلم خيال يرسل لنا صورًا عن مجتمع ما، ويعكس ما ينتجه داخل هذا المجتمع، والأهم من ذلك أنه يخبرنا عن نفسه. وسؤال صورة المجتمع على الشاشة يطرح سؤال السينما حول السينما نفسها.

صورة ولدت مع تطور السينما في هذه الرحلة الطويلة نحو مكانة فنية. في الواقع، يمكن قراءة العلاقة بالسينما في سياقنا باعتبارها اختصارًا لسؤال السينما منذ نشأتها. بعد أن ظلت السينما لفترة طويلة مهملة ومهمشة ومقتصرة على الهامش الاقتصادي والاجتماعي أو حتى الثقافي، عادت في السنوات الأخيرة بقوة إلى واجهة شاشة خيالنا، واحتلت الفضاء العام، وأثارت المناقشات والخلافات (الصورة المرافقة من فيلم “غازية” لنبيل عيوش: انها السينما في الفضاء العام). فرضيتي الرئيسية في هذا الصدد هي أن السينما تُعاش اليوم في المغرب باعتبارها المسألة الفنية المحورية. التعبير الرمزي الأول عن المخيال الجمعي.

يجب أن نفهم أن السينما هي مرآة/انعكاس للمجتمع، بمعنى أنها تسلط الضوء على مجتمعنا إلى حد ما. في هذا النهج، أستعين باقتباس من إدغار مورين حين يقول: “لا يمكن لمشروعنا أن يكون إلا هذا: فهو في نفس الوقت يهدف إلى تسليط الضوء على السينما من خلال المجتمع وتنوير المجتمع من خلال السينما”.

وأشير هنا أيضًا إلى عمل الناقد السينمائي الألماني وعالم الاجتماع س. كراكاور، الذي أقتبس منه أيضًا مقولته: “إن أفلام الأمة تعكس عقليتها بطريقة أكثر مباشرة من أي وسيلة أخرى للتعبير”. تعكس السينما خيالاً اجتماعياً ممزقاً بين اتجاهات مختلفة. بالنسبة لكراكاور، لا ينبغي تفسير خيال السينما باعتباره انعكاسًا بسيطًا لموقف اجتماعي أو مادي، بل شيئًا أعمق يتجاوز البيانات الموضوعية.

“في الواقع، تُظهر الشاشة نفسها مهتمة بشكل أكثر خصوصية بما هو منفصل، بما هو غير واضح، وما … “يتم إهمالها عادة.” ويوضح أن الأفلام، من خلال عرض العالم المرئي – الواقع الحالي أو العالم المتخيل – تقدم أدلة حول العمليات العقلية المخفية. ويقول إن السينما تسمح لنا بكشف السرديات الدفينة. وهذا ما ألهمني للحديث عن السينما باعتبارها بمثابة «العلبة السوداء” للمجتمعات الحديثة!

فأي نوع من المغرب يظهر الآن في خلفية الشاشة؟ وفي ثنايا السيناريو المجسد في تركيب الصور والاصوات المقترح.

أستطيع أن أرسم ملخصا موجزا يقول الكثير عن السيناريو المغربي وما يقوله عن بلده، استنادا إلى مثال محدد، ألا وهو بعض الأفلام التي شاهدتها بالصدفة أو عبر برمجة في تظاهرة ما: إنه المغرب الذي يعيش أزمة ذات تتجلى في الانشطار، التشرذم والانزواء الهوياتي – عودة اشكال من القبلية بشكل عام. وتفتيت النسيج الاجتماعي (وليلي – على الهامش).

مجتمع يسود فيه نوع من التشاؤم الأنثروبولوجي: نهايات درامية، شخصيات أفقها الهزيمة (عصابات – مذكرات..). مجتمع يعاني من تداعيات سيادة الرأسمالية المالية (الثلث الخالي) …وسيادة جنس الكوميديا كاستراحة خيالية (ضادوس) او ككتارسيس – تطهير (نايضة)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى