
اعتبر عبد الله ساعف، الوزير الأسبق وأستاذ علم السياسة بجامعة محمد الخامس ، أن المغرب، منذ الاستقلال، يشهد انتقالًا تدريجيًا من نمط المشروعية التقليدية أو الكاريزمية نحو مشروعية عقلانية قانونية ذات طابع حداثي.
جاء ذلك، خلال ندوة حول مكانة القانون في النظام السياسي المغربي، بكلية العلوم القانونية بالجديدة، حيث أكد ساعف، أن القانون المغربي مر عبر ثلاث مراحل محورية، وأن المرحلة الأولى تميزت ببنية قانونية محدودة، متأثرة بإرث الدولة التقليدية وما خلفته الدولة الكولونيالية من مؤسسات وتشريعات. وأن هذه المرحلة، كان من السهل الإلمام بمجمل القوانين، بالنظر إلى قلة النصوص القانونية وتواضع التخصصات.
فيما تميزت مرحلة الثمانينات، بالنسبة ل ساعف، بسياسة التقويم الهيكلي الذي شكل محطة مركزية في إعادة صياغة القوانين، خاصة في المجال الاقتصادي. ونتج عن ترتيباته فرض اعتماد مبادئ الترشيد والعقلنة، والبحث عن توازنات كبرى، ما أدى إلى إنتاج عدد كبير من القوانين الجديدة، واستبدال أسس العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي كانت قائمة.
فرض التطور،والقانون المغربي ما بعد 1995 مع توقيع اتفاقية الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، ونتج عنها حسب ساعف، ميلاد موجة قوية من الإصلاحات القانونية في مختلف المجالات، من القضاء إلى التجارة والقطاع البنكي.
بالنسبة للباحث الأكاديمي ساعف، جاءت موجة جديدة من السياسات العمومية، مرتبطة بـ”التناوب”، منها ما تعلق بالحريات العامة، والوظيفة العمومية، والميثاق الجماعي، وانطلاقة ورش الإعلام السمعي البصري وغيرها من النماذج، ليأتي بعد ذلك دستور 2011، الذي نص على إصدار مجموعة من القوانين التنظيمية.
ساعف اعتبر أنه “عندما نعود إلى المنتوج التشريعي خلال الولاية الحكومية التي امتدت من 2012 إلى 2016، برئاسة عبد الإله بنكيران، نجد أن عدد مشاريع القوانين بلغ 390. بينما المعدل في الولايات الأخيرة لا يتجاوز 240 أو 250. وهذا يعكس وجود موجة قوية من الإنتاج القانوني آنذاك، والتي يمكننا ربطها بإطار مرجعي معين”.
وبارتباط بالإحصاء الأخير لعدد السكان الذي حدّد عدد سكان المغرب في 37 مليون نسمة على الأقل، قال ساعف، إن ذلك يطرح سؤالا جوهريا: “ما الذي يمكن أن يُغيره هذا الرقم في السياسات العمومية؟، معتبرا أن “هناك تأثير واضح لهذه المعطيات الديموغرافية الجديدة على التشريعات، وعلى السياسات العمومية التي ستُبلور خلال العشر سنوات المقبلة، وهو ما تعكسه المؤشرات الأولى التي نشرتها المندوبية السامية للتخطيط، حيث يظهر أن تحت سماء المغرب، هناك تحولات جديدة تختلف عن سابقاتها”.
وقال ساعف: لا ننسى أننا في مواجهة الأحداث غير المتوقعة، أو ما يسمى قانونيًا بـ”التشريع الطارئ”، الذي يُفرض بسبب ظروف استثنائية. من قبيلجدول زمني مرتبط مثلا بالزلزال الأخير، وما ترتب عنه من نصوص تشريعية جديدة في الجريدة الرسمية. كل من يتتبع الجريدة الرسمية سيلاحظ أن جهة الحوز، على سبيل المثال، أصبحت محورًا لعدة مستجدات تشريعية”.
في السياق ذاته قال ساعف، يوجد“إدراك بأن القانون لا يكفي أن يُنص عليه نظريًا، بل يجب العمل على ضمان تطبيقه. غير أن السوسيولوجيا القانونية تُظهر لنا دائمًا أن هناك مسافة فاصلة، في كل المجتمعات، بين النص القانوني وبين تأثيره الواقعي. فالطريقة التي يتحدث بها القانون عن ظاهرة اجتماعية ما، قد تختلف كثيرًا عما يتحقق على أرض الواقع. عند تنزيل القانون، قد لا تُحترم نية المشرّع أو الأهداف التي كان يسعى إليها”.
وأضاف، أنه و في المجالات الحقوقية، هناك دائمًا من يتمنى أن يتم تطبيق ما ينص عليه القانون بحذافيره. وأنا شخصيًا لدي تحفظ على هذا الاعتقاد، رغم وجاهته. لأن النوايا شيء، والقدرة على تحقيقها شيء آخر. تطبيق النص القانوني أمر معقد ويصطدم بعوائق متعددة”.
كما اعتبر ايضا أن الجواب عن السؤال الجوهري: هل يمكن إصلاح المجتمع فقط عن طريق القانون؟ هو: لا، القانون وحده لا يكفي. قائلا “نعم، يمكن للقانون أن يكون وسيلة للإصلاح، وله دور إصلاحي واضح، وقدرة على التأثير وتغيير الأوضاع. لكن دائمًا، هناك مسافة بين النص والتطبيق. وعلى الباحثين في القانون ودلالاته أن يتساءلوا: لماذا تحدث هذه المسافة؟ ولماذا يصعب أحيانًا تجسيد القانون في الواقع؟”.
إلى ذلك انتهى ساعف في خلاصة تفكيره في الموضوع، أن “أسباب تعثر تطبيق القانون متعددة، ومتشابكة، ومتغيرة حسب السياق. وبالتالي، فالمناضلون الحقوقيون الذين يرون في القانون مدخلًا للتغيير الاجتماعي، عليهم أن يُدركوا أن القانون يُمكن أن يُساهم في الإصلاح، ولكن لا يمكن أن يقوم به وحده، بل يجب أن يُرافقه فعل سياسي، وتعبئة اجتماعية، وإرادة تنفيذية واضحة”.