الرئسيةرأي/ كرونيكسياسةمجتمع

الإرهاب: بين الأزمات الاجتماعية وضعف الحس الوطني”

في حادثة أثارت صدمة واسعة، تم القبض على أستاذ بمدينة توريرت بتهمة جمع مواد تُستخدم في صناعة المتفجرات، بغرض التحضير لعمل إرهابي.

الواقعة التي هزت الرأي العام لم تقتصر على البعد الأمني فحسب، بل دفعت إلى طرح تساؤلات عميقة حول السياق الاجتماعي والنفسي الذي قد يدفع فردًا من المفترض أن يكون مربّيًا ومؤثرًا إيجابيًا في المجتمع، إلى الانخراط في مسار مدمر كهذا.

تظهر هذه الحادثة أن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل السلوكيات المنحرفة؛ البطالة، تدني الأجور، وغياب الاستقرار المالي يمكن أن تؤدي إلى إحباطات عميقة تجعل الأفراد أكثر عرضة للانجراف نحو الفكر المتطرف.

في ظل هذه الظروف،قد  تبدو الأفكار المتطرفة كحل مزيف يقدم هدفًا وهميًا يعوض الإحساس بالعجز أو التهميش.

إن مهنة التعليم من أسمى المهن التي تحمل في طياتها رسالة تربوية نبيلة، حيث يُفترض أن يكون المعلم قدوة حسنة ونموذجًا للانضباط الأخلاقي والقيم الإنسانية، لكن وقوع شخص في هذه المهنة في دائرة التطرف يثير تساؤلات حول كيفية اختراق الفكر المتطرف للقطاع التعليمي.

التعليم، الذي كان ولا يزال يُعتبر حصنًا ضد الأفكار المتطرفة، أصبح اليوم بحاجة إلى مراجعة شاملة في المناهج والممارسات التربوية.

فالمعلم يجب أن يكون أول من يشجع على قيم المواطنة، التسامح، والانفتاح على الآخر، لا أن يصبح ضحية لتأثيرات خارجية تجره إلى مسارات تهدد أمن المجتمع، هذا التسلل للتطرف داخل صفوف التعليم يعكس حاجة ملحة لتقوية برامج التأهيل النفسي والاجتماعي للمعلمين، وحمايتهم من التأثيرات السلبية التي قد تفسد مهمتهم الأساسية في بناء الأجيال القادمة.

من ناحية أخرى، تعكس هذه الواقعة ضعف الحس الوطني لدى بعض الأفراد، والذي قد يكون نتيجة شعورهم بالانفصال عن المجتمع أو الدولة، فعندما يُفقد الأمل في تحقيق الذات داخل الإطار الطبيعي للمجتمع، يصبح الفرد أكثر استعدادًا لتبني أفكار تهدد سلامته وسلامة الآخرين.

والأخطر في هذه الحالة أن المتهم أستاذ، وهي مهنة تتطلب قدرًا عاليًا من الالتزام الأخلاقي والمسؤولية تجاه الأجيال الصاعدة. هذا الدور يجعل من الحادثة أكثر إيلامًا، إذ تكشف عن غياب الوعي بقيم المواطنة لدى شخص يُفترض أن يكون قدوة في نقل هذه القيم للآخرين.

ما حدث يدعو إلى ضرورة إعادة النظر في كيفية تعزيز التربية على المواطنة داخل المؤسسات التعليمية. يجب أن تكون هذه المؤسسات فضاءً لتعزيز القيم الإيجابية التي تحصن الأفراد ضد التأثر بالفكر المتطرف، بدلًا من أن تكون مجرد أماكن لتلقين المعرفة الأكاديمية فقط.

إلى جانب ذلك، هناك حاجة ملحة لدعم الأفراد نفسيًا واجتماعيًا، خاصة في ظل الأزمات التي يعيشها المجتمع، وتقديم خدمات الاستشارة النفسية، وتعزيز البرامج الاجتماعية التي تستهدف الفئات الهشة، ربما يسهم في الحد من هذه الظواهر المقلقة.

كما يتطلب الأمر تعزيز الرقابة على الخطابات المتطرفة التي تحرض على العنف أو تغذي الكراهية، سواء في الفضاء العام أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هذه الخطابات تشكل بيئة خصبة لتجنيد الأفراد الذين يعانون من ظروف صعبة، وتغذي لديهم الشعور بأن العنف يمكن أن يكون وسيلة لتحقيق أهدافهم.

الحادثة ليست مجرد واقعة جنائية، بل هي جرس إنذار يستوجب استنفارًا على كل المستويات، من أجل معالجة الأسباب العميقة التي تؤدي إلى التطرف. بناء مجتمع قوي ومتماسك يستلزم تضافر الجهود لتعزيز الانتماء الوطني، تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير بيئة حاضنة لكل فرد تتيح له تحقيق ذاته بشكل إيجابي وآمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى