الرئسيةثقافة وفنونفكر .. تنوير

حرق المكتبات أثناء الحروب… إبادة ذاكرة شعب

بقلم علال بنور

تحرص جميع المجتمعات البشرية بفعالياتها الثقافية على حفظ ماضيها، لذلك تعتبر المكتبات والمتاحف حصونا للحفاظ على تاريخها وهويتها. والواقع أن التاريخ شكل من أشكال الذاكرة يعتمد على السجلات الأرشيفية باعتبارها مادة خام للباحث التاريخي، في غيابها تفقد المجتمعات جزءا من ثقافة ماضيها المدون.

أما المكتبة فهي مادة مصنوعة من صنع الكاتب والمؤرخ وهي كذلك تشكل موضوعا للباحث التاريخي على مستوى التفسير والتحليل والنقد. فالتأريخ للمكتبة يندرج ضمن الموضوعات التي اهتم بها التاريخ الجديد.

يرى “لوسيان بولاسترون ” إن السر في تدمير المكتبات هو السعي في إمكانية السيطرة على الشعب المتعلم، فالمكتبات ضحية سهلة تستهدف كغيرها من منشآت البنية التحتية. أما المستشرقة الألمانية ” زيغرد هونكة” تقول: وهكذا حرقت يد التعصب مليونا وخمسة آلاف كتاب، هي حصيلة جهود العرب في الأندلس وثمرة نهضتهم في ثمانية قرون.

هكذا، اتفق العديد من الدارسين بحلول نهاية القرن 19م، بدأ الاهتمام بدراسة الوظائف الثقافية للمكتبات، تطورت لتصبح مؤسسة تلبي اشباع حاجيات تعليمية ومعرفية، ومن وظائف المكتبات: حفظ المعلومات -ذاكرة تاريخية وهوية وطنية – تساهم في التعلم وتطور الفكر والثقافة.

كما كان لها أدوار في دعم أنساق المعتقدات الدينية، اعتبرت جزءا من أمن المؤسسة الأيديولوجية المهيمنة، ولذلك، لا يمكن تجريد المكتبات من البراءة الأخلاقية والسياسية والأيديولوجية. في زمن الأزمات السياسية والحروب، تتعرض المكتبات للحرق والتدمير فهي تستهدف كباقي المنشآت العسكرية والطاقية والإدارية والمائية، وبالتالي تصير ضحية العنف السياسي والعقائدي.

تختلف أدوار المكتبات ووظائفها بين الأنظمة المستبدة والأنظمة الديموقراطية، ففي هذه الأخيرة، تقوم بوظيفة تعليمية في كسب المعارف والمهارات في إطار نشر الثقافة، فهي تكمل دور المدرسة والجامعة للرفع من جودة التعليم وتوسيع أفق الخبرات البشرية، لذلك نجد المكتبات في مقدمة الضحايا في الحروب والصراعات الأيديولوجية.

تقوم المكتبات على صيانة الذاكرة والمعتقدات الاجتماعية مع تدعيم المؤسسات التعليمية، ومن تم تثري حياة الفرد والجماعة عن طريق نشر المعلومات، لذلك تحرص جميع الثقافات التي تجمعها حضارة إنسانية واحدة على حفظ الماضي.

وهكذا، تشكل المكتبات حصنا منيعا لحماية الثقافات، ومن المؤكد جدا أن المكتبات العمومية حافظة للذاكرة الإنسانية، تؤدي وظيفة الشاهدة على ذاكرة إنسانية وملتقى يجمع الثقافات.

من خلال هذه الدراسة سنعمل على تحديد مجال وزمان المكتبات التي تعرضت للنهب والحرق أثناء الحروب الدولية والصراعات الدينية والإثنية إقليميا وجهويا ودوليا في بعض المناطق الجغرافية.


محرقة الكتب في الأندلس:

خلال القرن 11م في زمن ملوك الطوائف بالأندلس، عرفت حروبا فيما بينها، كان من نتائجها إحراق المكتبات التي مرت بمرحلتين: المرحلة الأولى، تمثلت في الصراع بين الإخوة الأعداء الفقهاء والفلاسفة العرب المسلمين، حيث شن الفقهاء المتزمتون حربا في تحريض الأمراء على الفلاسفة، لذلك أقر أغلبية الأمراء على حرق الكتب التنويرية، ففي عهد علي بن يوسف بن تاشفين زمن وصاية المرابطين على الأندلس، تم حرق كتاب “إحياء علوم الدين” لأبي حامد الغزالي، وكتب الفقهاء المتنورين. كما تعرضت كتب ابن حزم الأندلسي للحرق ونكل بابن رشد مع حرق كتبه – التي عرفت قضيته في الثقافة العربية بنكبة ابن رشد – في عهد وصاية الموحدين على الأندلس مع زمن سلطنة يعقوب المنصور الموحدي.

وفي المرحلة الثانية، من محرقة الكتب بالأندلس، ابتدأت مع حروب الاسترداد ومحاكم التفتيش التي شنتها الإمارات المسيحية الإسبانية على الإمارات العربية المسلمة بالأندلس، خلال هذه المرحلة، أكد العديد من الباحثين، أن الأندلس، عرفت انتشار المكتبات العمومية، وصل عددها إلى 70 مكتبة أغلبها تعرض للحرق والإتلاف في زمن محاكم التفتيش. ومنذ سنة 1478 م أمر حكام الإمارات الإسبانية، السكان المسلمين بتسليم ما لديهم من كتب ومخطوطات للمفتشين بالإدارة الاسبانية، فدام زمن جمع الكتب 7 سنوات، بعدها صدر قرار الإحراق، الشيء الذي جعل الأندلس تحتل الرتبة الأولى في جغرافية العالم في حرق الكتب.

أجمع في الآونة الأخيرة، أساتذة جامعة مدريد على تحسرهم، لم تعرضت له الكتب والمخطوطات من حرق وتدمير التي وصل عددها إلى مليون ونصف منتوج معرفي، وما أفلت من الحرق، سرق ليرحل إلى مكتبات بعض دول أوروبا، والقليل بقي في المكتبات العمومية والمكتبات الخاصة بإسبانيا. ومن أخطر عمليات الحرق، تلك التي حدثت في زمن حكم ملكة قشتالة ” ايزابيلا ” وملك أرغون “فرناندو”، اللذان تزوجا لغرض التحالف المسيحي لطرد المسلمين من غرناطة سنة 1492م. أمرت الملكة “ايزابيلا” المسؤول الكنسي “الكاردينال” المسمى “شيمنز” بحرق أكثر من 80.000 منتوج معرفي بين مخطوط وكتاب، باستثناء كتب العلوم الحق، من طب وهندسة ورياضيات وعلوم الزراعة والفلك والصيدلة والكمياء والفيزياء، التي كان عرب الأندلس بارعون فيها. بذلك تعامل ضباط التفتيش وحكام إسبانيا مع الكتب والمخطوطات العربية بانتقائية أثناء عملية الحرق، التي طالت الكتب الأدبية والفلسفية والتاريخية والفقهية.


وضعية المكتبات خلال عصر النهضة الأوربية:

صاحب نشأة وتطور المكتبات ظهور المدن والتمدن، ارتبطت بالمعابد والقصور والعائلات النبيلة، فبدأ حضورها بشكل قوي مع نهاية العصر الوسيط وبداية العصر الحديث مع النهضة الأوربية، التي انطلقت من إيطاليا خلال القرن 16م .في هذه الفترة، هيمنت الكنيسة على ملكية المكتبات العمومية ، ومع صعود الحركة الإنسية لعصر النهضة الأوربية، أصبح لأمراء مدن إيطاليا دورا تنافسيا في جمع وحفظ المخطوطات والكتب ، وتأسيس مكتبات مرافقة للمدارس والجامعات، مفتوحة للعموم، بل امتد التنافس بين أمراء مدن إيطاليا إلى استقطاب أحسن الأساتذة لجامعاتهم، وجمع أهم الكتب والمخطوطات. وهكذا، كان التنافس بين الأمراء علميا وثقافيا أكثر مما هو تنافس سياسي أو عسكري.

انتقلت ظاهرة التنافس من إيطاليا إلى فرنسا وانجلترا، بدأت الجامعات الحديثة التنافس، في جمع الكتب خاصة القومية منها، ومع تطور المطبعة بدأت المعرفة تتأسس على الثقافة الحديثة بعيدا عن الثقافة الكنسية.

اثناء الحروب المسيحية خلال القرن 16 بين تياراتها الكاثوليكية والبروتستانتية، لم تنجو المكتبات من الدمار، فأصبحت وليمة لنيران المقاتلين خاصة مكتبات الأديرة. ومع القرن 17م، بدأ صعود الطبقة الوسطى التي اهتمت بإنشاء المكتبات العمومية باعتبارها أكثر اهتماما بالقراءة والكتابة. كما عرف القرن 18م استيلاء الثوار في بعض دول أوربا على مكتبات الكنائس والأديرة والنبلاء، التي تعرضت للمصادرة والحرق وما أفلت منها تحول إلى ملكية المكتبات الوطنية وبعضها أعيد توزيعه على مكتبات بلديات المدن.

حرق المكتبات اثناء الحرب العالمية الأولى والثانية:

كان من استراتيجية الحرب العالمية الأولى والثانية التدمير العمدي للمدن وبنياتها التحتية والمنشآت وقتل السكان وحرق المكتبات كدور ثقافية، ومن هنا سندرج بعض الأحداث بأرقامها خلال الحرب العالمية الأولى، أقدم الألمان خلال ستة أيام من الغزو، على حرق مكتبة جامعة “لوفان” البلجيكية، شمل الحرق 230 ألف مجلد و750 مخطوطا وأكثر من 1000 كتاب مطبوع، يرجع تاريخ هذه الذخائر الثقافية إلى القرن 16م.

هل ما أقدمت عليه ألمانيا من تدمير الثقافة البلجيكية، مجرد عقاب للمقاومة أم استعراض لقوتها بخطة ممنهجة؟ كما تعرضت مكتبة “لوفان” من جديدة، لعملية الحرق والهدم في بعض زواياها من طرف الألمان خلال الحرب العالمية الثانية، نفس خطة الحرق والهدم التي تعرضت لها دور الثقافة والمكتبات العمومية بجميع دول أوربا أثناء الحربين العالميتين، فكانت العملية متبادلة بين الدول الأوربية المتحاربة. عندما استحوذ الألمان على أجزاء من تشيكوسلوفاكيا، أسرعوا إلى تطبيق نظرية السيطرة الثقافية ( اذا اردت أن تهزم وتركع شعبا، خرب تعليمه وثقافته)، فأحرقوا مكتبات الأديرة وأرشفة الإدارات، والهجوم بالحرق على المكتبات العمومية للمدارس والجامعات.

فتم اختيار حرق رفوف كتب التاريخ والجغرافية والفلسفة والابداع وكتب التراجم، خاصة الكتب التي لا تتفق مع الأيديولوجية النازية، لذلك أصدر النازيون مرسوما لسكان بولونيا يقضي بتسليم جميع الكتب بوضعها أمام المنازل، لتمر على جمعها دوريات التفتيش – نفس الأسلوب مارسه الإسبان على عرب الأندلس أثناء فترة محاكم التفتيش- ولم تنجو من هذه العملية مكتبة البرلمان البولوني، أغلبية الكتب التي تم جمعها نقلت إلى ألمانيا كمادة خام لمصانع الورق.

رافق حرق الكتب اعتقال المدرسين وأساتذة الجامعات. ولم ينجو من غضب النازية، ممارسة القتل في حق أسرة التعليم على حد سواء مع حرق المكتبات والكتب الشخصية، كآلية من آليات الحرب. سعى من ورائها النظام السياسي إلى إضفاء الشرعية على أحقية وجوده، كما سعى إلى تدمير السجلات لمحو الانتماء العرقي، خاصة في بولونيا وتشيكوسلوفاكيا باعتبارهما المجال الحيوي للنازية. ومن جهة أخرى لم تنجو ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية من تدمير وحرق كتبها، ومصادرة الاتحاد السوفييتي لثلث مكتباتها منها حوالي 11 مليون كتاب، باعتبارها غنائم حرب.

هكذا، من طبيعة الحروب، لا تستهدف المقاومة فقط أو باللغة العسكرية حاملي السلاح، بل تسعى إلى تدمير كل ما هو مادي ورمزي وفكري بشكل منظم، فصار العنف يستهدف المؤسسات الثقافية كجزء من خطة فرض السيطرة. نفس الشيء عرفته دور الثقافة والمكتبات العمومية بالاتحاد السوفييتي الذي نميز فيه بين أزمتين: الثورة البولشفية سنة 1917 والحرب العالمية الثانية.

فخلال ثورة 1917 قام البلاشفة بجمع المقررات المدرسية والكتب والمطبوعات من المكتبات العمومية والمؤسسات التعليمية، المطبوعة في زمن النظام القيصري بحرقها ، من كتب الأطفال إلى كتب التاريخ والفلسفة بانتقائية خاصة، استهدف الحرق والتدمير أعمال افلاطون وكانط وروايات كل من تولستوي ودوستويفسكي وآخرون، نقلت أغلبية الأعمال الثقافية إلى مصانع الورق لإعادة تدويرها، كما كلف موظفون مراقبون على المكتبات للنظر في كل ما يخالف الأيديولوجية الستالينية .

أثناء الحرب العالمية الثانية، شمل التدمير، المكتبات ودور الثقافة من جراء القصف الذي تبادل بين دول الحلفاء ودول المحور، إذ فقد الألمان ثلث مكتباتهم بالقصف الجوي البريطاني للمدن الألمانية. كما فقد اليابانيون حوالي نصف عدد مكتباتهم من جراء القنابل الحارقة، التي ألقتها الولايات المتحدة الأمريكية على المدن اليابانية. استمر العنف الثقافي والإبادة الجماعية والدمار، الذي شمل كل ما هو مادي ورمزي وبشري طيلة الحرب.

لذلك أتارت عمليات العنف الممنهج أسئلة من قبيل: لماذا لا تجنح الأنظمة السياسية وقواتها العسكرية إلى السلم، رغبة لطلب الشعوب؟ لماذا لم تتدخل الأنظمة السياسية للحد من الحقد الدفين الذي يسكن جماعة بشرية ضد أخرى، لإبعاد شبح الحروب. غير أن تربية الحقد هي التي اشعلت الحرب العالمية الأولى بسبب توثر علاقة الصرب بالبوسنة؟ فاستمر الحقد الدفين إلى الحرب الإبادية التي شنها الصرب في حق مدينة سراييفو سنة 1992م. عموما، الحروب الإثنية تنطبق عليها فكرة الظلم يولد الغضب والعنصرية تولد الحقد والدمار الثقافي يولد إقبار الهوية، هذه الثنائيات التي تتضمن السبب والنتيجة، في اعتقادنا هي وليدة الحروب، كما أنها وليدة الأنظمة السياسية المستبدة.

ومن تم نعود إلى قضية المكتبات التي تحرق وتسرق، تذهب ضحية الأنظمة العنصرية المستبدة والحروب الفاشية. ومن هنا كذلك نطرح أسئلة: لماذا تستهدف المكتبات بالحرق والسرقة أثناء الحروب؟ لماذا تقصف المكتبات بطرق ممنهجة؟ ما علاقة إبادة المكتبات بالعنف السياسي المفضي إلى التدخل العسكري؟ ما هي آثار إبادة المكتبات على المجتمع والثقافة؟

إن حروب القرن 20 و21 ثم حروب الألفية الثالثة، كان من ضحاياها تدمير المكتبات. والواقع، صار ينظر إلى المكتبات والجامعات ومختبرات البحث العلمي، أنها سلاح، يلزم تدميرها باعتبارها حاضنة للثقافة والذاكرة والعلم والتكنولوجيا، ومنطلقا للإقلاع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات.


محرقة مكتبات البوسنة والهرسك اثناء الغزو الصربي سنة 1992:

حاول الصرب سنة 1992 م، محو الأدلة التاريخية المادية والرمزية التي تثبت الوجود الإسلامي الممتد لقرون بيوغسلافيا، فدمروا المساجد وأحرقوا المكتبات ومؤسسات الأرشيف، بل أحرقوا سجلات المواليد وملكية العقارات في البوسنة والهرسك، خاصة مدينة سراييفو.

تعرضت المكتبات للحرق، بواسطة القذائف التي استهدفت المكتبات الجامعية والعمومية في البوسنة والهرسك، على يد المليشيات الصربية، شمل الحرق، الكتب والمخطوطات والصور والخرائط والأفلام الوثائقية التي كانت جزءا من عملية إبادة منظمة بدقة، هدفها محو الآثار المادية والرمزية للوجود الإسلامي بمنطقة البلقان. جمعت الحرب بين التصفية العرقية والدينية والجغرافية والهوية الثقافية. تعتبر مدينة سراييفو من المدن التي تعرضت للكثير من الأضرار، من اغتصاب النساء إلى الإبادة والدفن في قبور جماعية إلى هدم المساجد وحرق المكتبات، التي استغرق حرقها مدة 3 أيام.


هدم المتاحف وحرق المكتبات بالعراق اثناء الغزو الإمبريالي:

عندما غزا التحالف الأوربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحليفها إسرائيل دولة العراق، أو ما عرف في إعلام التحالف بحرب الخليج، تعرضت متاحف العراق للسرقة والتهريب، نفس الشيء حصل للمكتبات العمومية التي تعرضت للحرق، بدافع شل القوة العسكرية العراقية انتقاما لإسرائيل، ولم يكن الغزو بدافع ديني أو إثني / عرقي أو هكذا يبدو، عكس دوافع الإسبان في حرق كتب ومكتبات عرب الأندلس. لذلك ما تعرضت له العراق من طمس حضارة تعود إلى 3000 سنة قبل الميلاد، كما أضاعت على الإنسانية تراثا حضاريا.

أثناء الغزو الإمبريالي على العراق، والذي عرف الحرب الأولى سنة 1990 والحرب الثانية 1991 ثم الحرب الثالثة 2003، خلال هذه الحروب الثلاث، تحالفت الفرق العسكرية ومافيات تجار التهريب في سرقة أثمن التحف العراقية، لتهريبها إلى الأسواق العالمية، وما ثقل وزنه، تعرض للهدم. كما طال الحرق المكتبات وسوق الكتب بشارع المتنبي، الذي يعتبر تقليدا ثقافيا، لا زال يتذكره البغداديون بتحسر، لم ينسوا ما أقدم عليه التحالف الإمبريالية سنة 2007، من حرق كتب شارع المتنبي التي دامت شعلة نيرانه لمدة 5 أيام. لم يقف الدمار عند كل ما هو رمزي، بل طالت الآلة الإعدامية التي شملت الأساتذة الأكاديميين والعلماء مع تخريب المختبرات ومكتبات الجامعات. أدت الحرب على العراق إلى هدم الإرث الثقافي ومحاولة طمس هوية وكبرياء الشعب.


العدوان الإسرائيلي على فلسطين:

شكل العدوان الإسرائيلي على فلسطين، أطول حرب عرفتها بشرية القرن العشرين منذ 1948 إلى اليوم، أثناء العدوان الأخير من سنة 2023 والذي لا زال مستمرا، جددت اسرائيل خططها العدوانية على فلسطين في قطاع غزة، حيث قامت بالتهجير والإبادة الجماعية، مركزة على قتل الأطفال والنساء للقطع مع استمرارية الوجود الفلسطيني، مطبقة نظام “الابارتايد” الذي تحول إلى فلسفة عنصرية، رافق القتل الجماعي للعزل من السلاح، هدم المرافق الحيوية من مؤسسات صحية وتعليمية وغذائية وضرب مقرات وسائل الاعلام، وتصفية الصحافيين في الميدان، وصل عدد القتلى فيهم منذ بداية العدوان على غزة إلى أكثر من 200 صحافي ما بين سنتي 2023 و2024، إضافة إلى هدم بنايات الإذاعات مع التشويش على شبكات التواصل الاجتماعي . فالقتل والهدم، لا يقلان خطورة عن تخريب المكتبات ودور الثقافة.

أحرق الغزو الصهيوني أكثر من 100 ألف كتاب، ومن أسماء المكتبات التي طالها الدمار مكتبة ” النهضة” ومكتبة “اقرأ “. عموما، لا يمكن أن نفهم من غطرسة إسرائيل إلا شيئا واحدا، هو أنها تسعى إلى إنكار حق وجود الشعب الفلسطيني في أرضه.

لا يختلف عاقلان في القول: إن حرق كتاب أشبه بقتل إنسان، وكل من يبيد شعبا ويحرق مكتباته كأنما يقتل الإنسانة ويدفن حضارتها، لإن المكتبة ترمز إلى قيم النزعة الإنسية. كما لا يختلفان، في أن التأريخ للمكتبات هو تأريخ للثقافة الإنسانية. منذ 76 سنة من الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين، وهي تمارس كل أشكال التجويع والطرد والتعطيش والقتل لإبادة حق الشعب الفلسطيني في الوجود.

نلاحظ اليوم، أن الكتاب الرقمي بدأ في احتلال مكانة الكتاب الورقي. هل معنى ذلك نهاية المكتبة العمومية الورقية بإفراغ رفوفها وإغلاق أبوابها وهدم بناياتها ليحل محلها بنايات من نوع خاص وبمضمون ومحتوى جديدين، هما الكتاب الرقمي والذكاء الاصطناعي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى