الرئسيةرأي/ كرونيك

مرافعة خارج المحاكم: استرحام في قضية ملاك

بقلم: الاعلامي والروائي خالد أخازي

في قضية ملاك، لم يكن الجدل حول صورتها سوى جدل ثانوي لتشتيت الأنظار عن جوهر المأساة…
فالصورة… لصورة طفلة تداعب قطة….
هذه هي الرسالة الأولية…

فبينما انشغل البعض بسؤال: “هل يجوز نشر صورتها؟”، كانت الحقيقة الأكثر إيلامًا تُدفن تحت هذا الجدل العقيم.

الحقيقة التي تقول إننا أمام طفلة، جسدها منهك بمرض كرون، مرض مناعي لا يرحم، يفتك بالأمعاء، ينهش الجسد في صمت، ويحيل صاحبه إلى كائن هش، مهدد حتى بنزلات البرد العادية.

القانون ليس مجرد نصوص جامدة، والعدالة لا تتحقق بالعقاب وحده. هناك حالات تفرض علينا التوقف وإعادة النظر، أن نكون أكثر إنسانية، وأكثر وعيًا بأن تطبيق القانون لا يعني التغاضي عن الجانب الإنساني في القضايا. ملاك ليست إلا ضحية خال كما خذل الوطن خذل الخؤولة…

هي ليست تفصيلًا إداريًا في إجراءات قانونية، بل طفلة قاصرا تعيش معركة يومية مع المرض القاتل…

كل معركتها هو تفادي نزيف الأمعاء…

كل معركتها الحفاظ على وضع مستقر…

وهذا يتطلب التخلي عن كل ما يشتهيه الأطفال..

ملاك تحتاج إلى بيئة تحميها من أي انتكاسة قد تكون قاتلة…

مرض كرون ليس مجرد حالة طبية، بل اختبار قاسٍ لجسد ضعيف يحتاج إلى علاج صارم، ونظام غذائي دقيق، ورعاية متواصلة، وهي أمور لا يمكن للقانون أن يتجاهلها إن أراد أن يكون رحيما.

في مثل هذه القضايا، لا يكون الحل في القرارات الصارمة وحدها، بل في الحوار، في الجلوس إلى الطاولة والبحث عن مخرج يراعي كل الأبعاد، القانونية والإنسانية والصحية. لا أحد فوق القانون، ولكن القانون نفسه يجب أن يكون فوق القسوة والجمود.

لا نطالب بتعطيله، بل نطلب منه أن ينظر بعين الرحمة لحالة استثنائية، لطفلة لا يمكن التعامل معها كأي شخص آخر.

الاسترحام هنا ليس ضعفًا، بل قمة القوة، لأنه يعكس قدرة القانون على أن يكون إنسانيًا، على أن يكون وسيلة لحماية الحياة لا سببًا في تعريضها للخطر.

ننتظر عودتها إلى بيتها، إلى عائلتها، إلى العلاج الذي تحتاجه، لأن الإنصاف لا يكون فقط بتنفيذ الأحكام، بل بفهم تداعياتها وتأثيرها على حياة البشر.

العدالة ليست مجرد قرارات تُتخذ، بل أرواح تتأثر، ومصائر تتحدد، وإن كان لا بد للقانون أن يُطبق، فليكن تطبيقه بحكمة ورحمة، حتى لا يكون القانون ذاته سببًا في تعميق المعاناة بدلًا من إنهائها.

لا نملك إلا هذا الاسترحام به نترافع… وبه نفتح قلب القانون..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى