
يواجه قطاع التعليم العالي في المغرب أزمة جديدة تلقي بظلالها على مصداقية البحث العلمي، وذلك بعد أن وجه أساتذة بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بأكادير مراسلة رسمية إلى عز الدين ميداوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، يطالبونه فيها بالتدخل العاجل لكشف الحقيقة حول ما يصفونه بالتستر على فضيحة أكاديمية تتعلق بـ”السرقة العلمية والغش والتدليس في ملفات الترقية بالمؤسسة”.
وتعكس هذه المراسلة حالة استياء عارم داخل الأوساط الجامعية، حيث يعبر الأساتذة عن استنكارهم لما يعتبرونه تقاعسًا من الوزارة في اتخاذ موقف واضح من هذه القضية التي تهدد نزاهة البحث العلمي، ويرى هؤلاء أن استمرار الصمت الرسمي يضرب في عمق مصداقية الجامعة المغربية، ويؤسس لممارسات تطبيعية مع الفساد الأكاديمي، مما ينعكس سلبًا على القيم التي من المفترض أن تُغرس في الطلبة الباحثين.
ورغم سلسلة المراسلات والشكايات التي وجهها الأساتذة المعنيون إلى الوزارة، والتي تعود أولها إلى 20 أكتوبر 2023، ثم تبعتها مراسلات أخرى في 29 نونبر و11 دجنبر من السنة ذاتها، إضافة إلى مراسلة جديدة في 17 أبريل 2024، فإن الملف لا يزال يراوح مكانه دون أي تفاعل رسمي حاسم.
وبينما كانت الأنظار متجهة نحو اللجنة العلمية التي انعقدت بداية العام الجاري بناءً على طلب الوزارة، فإن الغموض لا يزال يلف مخرجاتها، إذ لم يتم اتخاذ أي قرار واضح بالنفي أو التأكيد، مما دفع الأستاذ المتهم بالسرقة العلمية إلى تقديم شكاية بدعوى القذف ونشر ادعاءات كاذبة، في خطوة تعكس محاولة لقلب موازين القضية لصالحه.
وتعود تفاصيل هذه الفضيحة الأكاديمية إلى اكتشاف أساتذة بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية أن أحد زملائهم تورط في سرقة علمية صارخة، حيث قام بنقل 56 صفحة كاملة من أطروحة دكتوراه سبق أن نوقشت في كلية العلوم بالرباط في فبراير 2008، وأدرجها في بحث التأهيل الجامعي الخاص به، دون أي إشارة إلى المصدر الأصلي، وأثار هذا الاكتشاف ضجة كبرى في الأوساط الجامعية، حيث جدد النقاش حول مدى احترام المعايير العلمية والأخلاقية داخل المؤسسات الأكاديمية المغربية.
ويأتي هذا التطور في وقت تعيش فيه المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بأكادير على وقع توترات متزايدة، خاصة بعد الحكم الابتدائي الذي أصدرته محكمة أكادير في قضية اختلالات إدارية ومالية بالمؤسسة، والذي قضى بإدانة المدير السابق وموظف آخر بالغرامة والسجن الموقوف التنفيذ، وبينما لم تهدأ بعد تبعات هذا الملف، ظهرت قضية السرقة العلمية لتفاقم الجدل وتعيد إلى الواجهة تساؤلات جوهرية حول واقع التعليم العالي في المغرب، ومدى جدية المؤسسات المعنية في التعامل مع مثل هذه الانتهاكات.
وفي ظل هذا السياق المتوتر، تتصاعد الضغوط على الوزارة الوصية لاتخاذ موقف واضح وحاسم بشأن هذه القضايا التي تهدد سمعة الجامعة المغربية، فيما يتساءل المراقبون عما إذا كانت هذه الفضيحة ستدفع نحو إصلاحات جذرية، أم أنها ستظل مجرد حلقة جديدة في مسلسل التجاوزات التي تمر دون محاسبة.