
عالمية الرواية العربية: هل هي حلم قابل للتحقيق أم وهم متداول؟
تطرح الجوائز الأدبية العربية، مثل جائزة البوكر العربية وجائزة كتارا، تساؤلاً مهماً حول دورها في دفع الرواية العربية نحو العالمية, فهل تساهم
-
هذه الجوائز حقًا في جعل الأدب العربي حاضرًا في المشهد الثقافي العالمي من خلال ترجمات الروايات الفائزة؟ أم أنها مجرد وهم تسعى بعض الجهات لترسيخه في أذهان الكتاب والقائمين على الجوائز؟
ترتبط فكرة العالمية في الأدب بانتقال النصوص الأدبية من المحلية إلى العالمية، وهو ما يستدعي بالضرورة تفاعل القراء من مختلف الثقافات مع هذه الأعمال.
في هذا السياق، يعتبر الدكتور محمد داود، الناقد والمترجم من جامعة وهران، أن الترجمة تلعب دورًا محوريًا في نقل الأدب المحلي إلى فضاء أوسع، وفيما يشير إلى أن الجوائز الأدبية الخليجية قد تساهم في جعل النصوص الفائزة تصل إلى عدد أكبر من الدول، خاصة إذا كانت هذه الجوائز تدعم الترجمة إلى لغات أجنبية، مثل الإنجليزية، فإنّه يذكر أن الأدب العالمي يتجاوز الحدود اللغوية والمكانية ليشمل القيم الإنسانية المشتركة، وهو ما يجعل بعض النصوص قادرة على أن تصبح عالمية حتى لو ظلت محصورة ضمن سياقها المحلي.
ويستعرض الدكتور داود تأثير الأدب العربي القديم، مثل “ألف ليلة وليلة” و”كليلة ودمنة”، التي تركت بصمات واضحة في الأدب الغربي من خلال الترجمة،حيث يثبت هذا التأثير أن الترجمة ليست مجرد نقل لغوي، بل هي جسر ثقافي يعزز التفاعل بين الأمم.
وتُعدّ جائزة نجيب محفوظ، التي حصل عليها بفضل ترجمة أعماله إلى الإنجليزية، مثالاً على كيفية أن الترجمة يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في توسيع دائرة التأثير الأدبي.
ومع ظهور الجوائز الأدبية العربية في نهاية القرن العشرين، أصبح الخليج العربي، وخاصة دول مثل الإمارات وقطر، مركزًا بارزًا يحتضن المبدعين العرب، كما أن التعاون بين جوائز مثل “البوكر العربية” و”البوكر البريطانية” يشير إلى محاولات جادة لفتح آفاق الرواية العربية على العالم.
حيث تهدف هذه الجوائز إلى ترجمة النصوص الفائزة إلى لغات أوروبية، قد تساعد على خلق شبكة نشر واسعة تعزز من وجود الأدب العربي على الساحة العالمية، ومع ذلك، يلفت الدكتور داود إلى أن هذه الجوائز لا تستطيع وحدها ضمان النجاح العالمي للأدب العربي ما لم يكن هناك اهتمام أكبر من قبل الأكاديميات الغربية والجامعات بإجراء دراسات معمقة حول الأدب العربي المعاصر.
من جانب آخر، تعبر الباحثة منى صريفق عن وجهة نظر نقدية أخرى حول دور الجوائز والترجمات في جعل الرواية العربية عالمية، فعلى الرغم من دعمها لفكرة الترجمة باعتبارها وسيلة أساسية لتعريف الأعمال الأدبية الفائزة بجمهور أكبر، إلا أنها ترى أن الجائزة لا تضمن بالضرورة أن تصبح الرواية “عالمية”.
فالعالمية، حسب رأيها، تتعلق بجودة العمل الأدبي وقدرته على التأثير والتفاعل مع ثقافات أخرى، كما أن عملية الترجمة هي جزء من معادلة أكبر، تشمل أيضًا التسويق الأدبي والتفاعل النقدي مع النصوص.
في هذا السياق، تُنبه صريفق إلى ضرورة الاهتمام بترسيخ النقد الأدبي في عملية التقييم والترجمة، مشيرة إلى أن الترجمة لوحدها قد تبقى محدودة إذا لم ترافقها استراتيجية تسويقية مدروسة لتقديم النصوص الفائزة إلى أسواق أكبر،و تضيف أن الأعمال الأدبية الفائزة بالجوائز تحتاج إلى أن تكون مستعدة لتخوض مغامرة إبداعية تتجاوز حدود الترجمة، فتجد لها مكانًا في الثقافات الأخرى بشكل حقيقي.
أما الدكتور محمد الأمين بحري، فيرى أن الطموح نحو العالمية ليس وهمًا، بل هو هدف مشروع يجب أن يُسعى إليه بجد، لكن لتحقيقه، يجب أن يكون العمل الأدبي معبرًا عن قضايا إنسانية شاملة وليس مجرد استجابة لطلب الجوائز أو الاتجاهات الرائجة في السوق الأدبي،و يركز بحري على أن العالمية في الأدب تتطلب نزاهة فنية وتفاعلًا أصيلًا مع موضوعات الإنسان والمجتمع، وهو ما يتطلب جهداً مضاعفًا من الكاتب، بعيدًا عن محاباة الأيديولوجيات السائدة أو تلبية أجندات ثقافية معينة.
وفي نفس السياق، يُشير الباحث والمترجم عبد الحميد بورايو إلى أن الجوائز الأدبية تلعب دورًا أساسيًا في تشجيع الكتابة الروائية ونشر الأعمال المترجمة، لكنه يوضح أن هذه الجوائز لا تضمن أن تصبح الرواية “عالمية”، بل هي أداة لنشر الأدب العربي على نطاق أوسع، و يرى بورايو أن الوصول إلى العالمية يتطلب مزيدًا من الاهتمام بتطوير معايير الكتابة الروائية بما يتماشى مع متطلبات السوق الثقافي العالمي، وهو أمر لا يقتصر على الترجمة فقط بل يشمل أيضًا تسويق النصوص في المحافل الأدبية الدولية.
وفي النهاية، يشير الناقد محمد الأمين لعلاونة إلى أن الجوائز الأدبية العربية لا تضمن الوصول إلى العالمية بشكل مؤكد، صحيح أن الترجمة يمكن أن تفتح بابًا لتوسيع دائرة الانتشار، لكن الانتقال من المحلية إلى العالمية يتطلب أن يكون العمل الأدبي قادرًا على التفاعل بعمق مع القيم الإنسانية الكبرى التي يتشارك فيها البشر، مما يعني أن العالمية لا تأتي بمجرد الترجمة، بل تحتاج إلى تفاعل ثقافي أوسع واهتمام نقدي مستمر.
بهذا الشكل، تبقى مسألة أن تفتح الجوائز باب العالمية أمام الرواية العربية قضية معقدة ومتعددة الأبعاد، وإن كان الجوائز توفر فرصة لتوسيع دائرة القراءة والنقد، فإن العالمية الحقيقية لا تتحقق إلا عندما تتوافق الرواية العربية مع معايير فنية وإنسانية شاملة، وتثبت قدرتها على التأثير في ثقافات أخرى.