اقتصادالرئسيةمنوعات

نتفليكس تحقق قفزة نوعية في أرباحها

تواصل شركة نتفليكس، عملاق خدمات البث الرقمي، تحقيق نتائج مالية إيجابية في ظل التحديات الاقتصادية العالمية المتزايدة، بما في ذلك الحرب التجارية المشتعلة التي يشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. في تقريرها المالي للربع الأول من عام 2025، أعلنت الشركة عن أرباح قياسية، حيث سجلت زيادة قدرها 24% في الأرباح مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، مع تحقيق صافي دخل بلغ 2.9 مليار دولار، أي ما يعادل 6.61 دولار للسهم، وهو ما تجاوز توقعات المحللين بشكل واضح.

وبذلك، تعزز نتفليكس مكانتها كلاعب رئيسي في سوق البث الرقمي العالمي، بالرغم من التحولات الكبيرة التي تشهدها الصناعة والضغوطات الاقتصادية، ومثبتة أن استراتيجيتها التحولية قائمة على أسس صلبة تستشرف استدامة الأداء بعيداً عن مقياس أعداد المشتركين التقليدي،

لم تأتي العائدات التي بلغت 10.54 مليار دولار من فراغ، بل كانت ثمرة مزيج مدروس من رفع أسعار الاشتراك، وتوسيع العائدات الإعلانية، وتأجيل استراتيجي لبعض النفقات.
و في ظل تباطؤ نمو الاشتراكات، غيّرت نتفليكس استراتيجيتها، متخلية لأول مرة عن الكشف عن عدد المشتركين، وفضلت التركيز على مؤشرات الأداء المالي الأخرى، في تحول عميق يعكس نضوج النموذج الاقتصادي للشركة.
تعزز هذه الخطوة النظرة الجديدة التي تتبناها صناعة البث، حيث لم تعد الأهمية الكبرى تكمن في عدد المشتركين الجدد، بل في القيمة المالية التي يجلبها هؤلاء المستخدمون.

ورغم التحديات التي فرضتها الحرب التجارية التي يشنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لا سيما التهديدات المتكررة بفرض تعريفات جمركية جديدة، حافظت نتفليكس على مسارها الصاعد، مع تسجيل ارتفاع لأسهمها بأكثر من 4% بعد إعلان النتائج.

من جهته اعتبر المحلل روس بينيس من إي ماركتر أن قدرة نتفليكس على الصمود أمام هذه الظروف تعود لاعتمادها المحدود على الإعلانات مقارنة بمنافسيها، ومعدلات الإلغاء المنخفضة بين مشتركيها، وهو رأي يزكّيه تصريح الرئيسين التنفيذيين المشاركين، غريغ بيترز وتيد ساراندوس، اللذان أكدا أن الشركة تراقب بعناية معنويات المستهلكين والمؤشرات الاقتصادية الكبرى، لكن تركيزها الأول يظل منصبًا على ما يمكنها التحكم فيه: تحسين عروضها وزيادة قيمتها للمستخدمين.

فيما لم يكن التوجه نحو الإعلانات مجرد خيار عابر، بل هو جزءٌ جوهريٌ من استراتيجية نتفليكس المستقبلية، ففي أواخر عام 2023، أطلقت الشركة عرضًا مدعومًا بالإعلانات، وتزامن ذلك مع حملة مشددة ضد مشاركة كلمات المرور بين المشتركين، ما ساهم في تعزيز الإيرادات. وفي أبريل الجاري، دشنت نتفليكس منصتها الإعلانية الخاصة في الولايات المتحدة، مع خطط لتوسيع نطاقها في أسواق عالمية أخرى.

بحسب بيان الشركة، فأن هذه المنصة، ستشكل ركيزة أساسية في استراتيجيتها الإعلانية بعيدة المدى، إذ ستوفر إمكانيات استهداف أكثر دقة، وقياسات أداء أفضل، وأشكال إعلانات مبتكرة تواكب تطلعات المعلنين والمشاهدين على حد سواء.

و على صعيد آخر، تجدر الإشارة، ان نجاح نتفليكس لا يقتصر فقط على الجانب المالي أو التقني، بل يمتد إلى قوة محتواها وتنوعه الجغرافي، حيث أنتجت الشركة خلال العام الماضي محتوى أصليًا في أكثر من 50 دولة، وأعلنت عن استثمار بقيمة مليار دولار لإنتاج محتوى في المكسيك خلال السنوات الأربع المقبلة، دعمًا لاستراتيجيتها التوسعية في أميركا اللاتينية ولجهود الحكومة المكسيكية في جذب الاستثمارات، فنجاحات مثل مسلسل “Adolescence” الذي حقق حوالي 124 مليون مشاهدة، والفيلم المكسيكي “Counterattack”، تعكس مدى التفاعل العالمي مع محتوى المنصة، وتؤكد نجاعة سياسة نتفليكس في المزج بين الإنتاج المحلي والطموح العالمي.

و رغم اضطراب السوق وقلق المستثمرين من تأثير السياسات الاقتصادية الأميركية على ثقة المستهلكين، بدت نتفليكس واثقة من مسارها، وتوقعت نموًا في الإيرادات بنسبة 15% خلال الربع الثاني من العام، كما أن توقعات الشركة للعام بأكمله ما زالت مستقرة، إذ تشير إلى إيرادات تتراوح بين 43.5 و44.5 مليار دولار، مما يعكس ثقة داخلية عالية في فعالية استراتيجيتها الحالية.

و بين صخب السياسات التجارية المتقلبة وواقع السوق المضطرب، تمثل قصة نتفليكس في هذا الربع نموذجًا مغايرًا يربط بين الرؤية طويلة المدى، والقدرة على التكيف، والتركيز على القيمة الحقيقية للمستخدم.
إنها ليست فقط منصة ترفيه، بل معمل ديناميكي يختبر يوميًا كيف يمكن تحويل الضغط إلى فرص، والغموض الاقتصادي إلى مسار للنمو المستدام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى