في سياق تنفيذ ورش التغطية الصحية الشاملة الذي انخرطت فيه الدولة المغربية ضمن توجهها نحو تعزيز أركان الدولة الاجتماعية، طُرحت التزامات متعددة تشمل مختلف الفئات المهنية، من أجراء ومشغلين في القطاع الخاص، وموظفين في القطاع العام، إضافة إلى المهنيين غير الأجراء، وقد التزمت الدولة، من جهتها، بتحمل كلفة التغطية الصحية عن المواطنين غير القادرين على أداء الاشتراكات، بما يجعل هذا الورش ركيزة أساسية في تعزيز الحماية الاجتماعية.
غير أن واقع الحال، كما يصفه الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، يكشف عن اختلالات تعيق استفادة فئات من العمال من هذا الحق، ورد ذلك، في تصريح له.
إلى ذلك اشار، إلى نموذج صارخ من هذا الواقع الذي وصفه بالعبثي، وذلك من خلال حالة عاملات وعمال مجموعة الكتبية بالمحمدية، حيث تعيش هذه الفئة العمالية منذ أكثر من ثلاث سنوات خارج منظومة التغطية الصحية، رغم الاقتطاع الشهري من أجورهم لما يُفترض أنه حصة الاشتراك في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فيما الواقع أن هذه الاقتطاعات لا تصل إلى وجهتها، بسبب امتناع المشغل عن تحويلها، وهو ما يضع الصندوق في موقع تنفيذ قرار إغلاق الحقوق، وحرمان الأجراء من أي تغطية صحية، دون أن تكون لهم يد في هذا الوضع غير القانوني.
اليماني أشار، إلى أن هذا الحرمان لا يقتصر على التغطية الصحية فقط، بل يتقاطع مع مشكلات أعمق ترتبط بتأخر الأجور، وانعدام الاستقرار المهني، وعدم وضوح مستقبل المؤسسة نفسها التي تمر بصعوبات مالية وهيكلية، مما يضاعف من هشاشة الأوضاع الاجتماعية والنفسية للعمال.
هذه الوضعية لا تُهدد فقط استمرارية دخلهم، بل تمس صميم حياتهم، حيث تؤدي الإصابة بأي مرض إلى عجز تام عن العمل، وقد تصل أحيانًا إلى فقدان المعيل الوحيد للأسرة دون أي تغطية أو حماية.
ما يزيد من حدة الأزمة، حسب اليماني، هو عجز أو تغاضي الجهات الرقابية عن القيام بواجبها، فرغم كل المراسلات والتدخلات التي قامت بها نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، لا تزال الجهات المسؤولة عن مراقبة تطبيق قانون الشغل وقانون الضمان الاجتماعي تلتزم الصمت، تاركة المجال مفتوحًا أمام ممارسات تضرب في العمق مبادئ الإنصاف والمساواة والكرامة التي يرفعها شعار الدولة الاجتماعية.
اليماني يتساءل بمرارة عن مصير حقوق هؤلاء العمال، خصوصًا أن مساهماتهم تُقتطع بشكل آلي من أجورهم، دون أن تقابلها التزامات قانونية من طرف رب العمل، ويطرح بوضوح تساؤلًا محوريًا حول مدى التزام الدولة ومؤسساتها بحماية هذه الحقوق، مذكرًا بأن توفير التغطية الصحية لا ينبغي أن يُربط فقط بأداء المشغل، بل يجب أن يكون حقًا تلقائيًا لكل عامل، على أن تُسلك كل سبل التفاوض أو حتى الإكراه القانوني لتحصيل ديون الصندوق من أرباب العمل المخالفين.
إن هذا التصريح يعكس حالة من التناقض الحاد بين خطاب الدولة الاجتماعية والواقع الميداني الذي يعيشه الآلاف من الأجراء، ويكشف عن خلل بنيوي في آلية التنزيل الفعلي للقوانين.
فأن تُقتطع مساهمات الأجراء من دون تحويلها للصندوق، وأن يُحرموا من حقهم في العلاج دون مساءلة المسؤول الحقيقي عن الخلل، يُشكل مسًا سافرًا بكرامة العامل، ويقوض الثقة في مؤسسات الحماية الاجتماعية.
إن ما عبر عنه اليماني لا يمثل فقط موقفًا نقابيًا من قضية اجتماعية محلية، بل يكشف عن أحد أوجه القصور في تطبيق رؤية وطنية شاملة، تحتاج إلى إرادة سياسية حازمة، وآليات مراقبة صارمة، وتفعيل فعلي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، فبدون حماية فعلية للحقوق الأساسية للأجراء، يبقى شعار الدولة الاجتماعية رهينًا بخطابات غير مكتملة الأثر، في مقابل واقع مرّ عنوانه “عمال بدون تغطية صحية”.