الرئسيةسياسة

التنمية المفتقدة بالحساب في عهد أخنوش

في بلد تتعاقب فيه الحكومات كما تتبدل الفصول، يبقى سؤال التنمية مطروحًا بإلحاح: هل تتقدم البلاد فعلًا، أم أن ما نعيشه مجرد وهم تسويقي؟ فحين يحل المغرب في المرتبة 120 عالميًا في مؤشر التنمية البشرية لعام 2024، فهذا لا يعكس فقط موقعًا رقميًا في تقرير دولي، بل يكشف عن أزمة أعمق في الرؤية والإنجاز، وعن فجوة متسعة بين الخطاب السياسي والواقع المعيشي.

في عهد عزيز أخنوش، الرجل القادم من عالم المال والبزنس إلى دهاليز السياسة، تعهدت حكومته بإطلاق مشاريع كبرى وإصلاحات هيكلية، ووعدت المغاربة بثورة في التعليم والصحة والشغل. لكن بعد مرور أكثر من نصف الولاية الحكومية، لم تترجم تلك الوعود إلى تحولات ملموسة، بل ازداد شعور المواطن بالخذلان واللاجدوى.

يعتمد مؤشر التنمية البشرية، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقييمه على ثلاث ركائز أساسية: متوسط العمر، مستوى التعليم، ونصيب الفرد من الدخل القومي، و أن يحتل المغرب رتبة متأخرة بهذا الشكل، خلف دول مثل فيتنام أو أوزبكستان أو حتى بنغلادش، فذلك يضع الحكومة الحالية في قفص الاتهام، ويطرح علامات استفهام كثيرة حول نجاعة السياسات العمومية، وحول ما إذا كانت فعلاً موجهة لخدمة الإنسان المغربي، أم أنها مجرد أوراق تقنية لتزيين واجهة النظام.

فقطاع الصحة الذي يفترض أن يكون محور الإصلاح، لا يزال يعاني من ضعف التجهيزات، قلة الموارد البشرية، وتدهور الخدمات في المستشفيات العمومية، فرغم الحديث المتكرر عن الورش الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية، فإن الانطباع العام في صفوف المواطنين هو أن الوضع لم يتغير كثيرًا، بل ربما تفاقم، خاصة في المناطق النائية التي تتحول فيها أبسط أعراض الزكام إلى مأساة لوجستية، كما يبدو، اقتصر الإصلاح على المنصات الرسمية، أما على الأرض فالأطباء منهكون، والمواطنون تائهون بين مواعيد مؤجلة وأدوية مفقودة.

التعليم الأكثر قتامة

في التعليم، تبدو الصورة أكثر قتامة، فرغم الميزانيات الضخمة التي تُخصص سنويًا، لا تزال المدرسة العمومية تعيش على إيقاع الاكتظاظ، ضعف التكوين، وهزالة المخرجات.

في هذا السياق كشفت تقييمات دولية موثوقة عن ضعف حاد في مهارات التلاميذ المغاربة، خاصة في القراءة والرياضيات.. ، المبادرات الحكومية كـ”الفرصة الثانية” ظلت محدودة الأثر، بينما يظل الهدر المدرسي ينخر الطفولة المغربية بصمت، ويخلق جيلاً جديدًا من المهمشين.

أما على مستوى التشغيل، فإن ما يزعج المواطنين أكثر من قلة فرص العمل هو التسويق الكثيف لبرامج غير منتجة،حيث وعدت الحكومة بإحداث مليون منصب شغل خلال ولايتها، لكن لا مؤشرات واقعية تثبت أنها تسير في هذا الاتجاه، فمعدل البطالة في صفوف الشباب تجاوز 32% في بعض الجهات، والمقاولات الصغيرة والمتوسطة تشتكي من غياب الدعم ومن عراقيل إدارية تكبل طموحاتها، فيما تحولت برامج مثل “فرصة” و”أوراش” إلى ملصقات دعائية، أكثر منها رافعات حقيقية للتشغيل والاستقرار الاجتماعي.

أمام هذه الوقائع، تُواصل الحكومة الدفاع عن أدائها بخطابات تقنية تتحدث عن الظرفية الدولية وصعوبات السياق، لكنها تتناسى أن أزمة التنمية في المغرب ليست نتاجًا لحدث طارئ، بل نتيجة مسار طويل من السياسات الترقيعية والخيارات الارتجالية.

المواطن المغربي لا يطلب معجزات، بل فقط أن تنعكس الملايير التي تُصرف في الخطابات على واقعه اليومي، أن يلمس تحسنًا في جودة المدرسة، أن يجد دواءً في المستشفى، أو فرصة شغل تحفظ كرامته.

ما يزيد الطين بلة أن رئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي يرأس أكبر تكتل اقتصادي بالمغرب، لا يظهر كثيرًا في النقاش العمومي، وكأنه يتعامل مع الدولة بمنطق مقاولة خاصة، الفارق بين التسيير العمومي والتدبير المقاولاتي كبير، والنتائج الحالية تبيّن أن النجاح في عالم المال لا يعني بالضرورة الكفاءة في إدارة دولة.

المؤشرات الدولية لا تكذب، ولا تتحامل، بل تقيس، والمرتبة 120 في سلم التنمية تقول الكثير، هي ليست مجرد رقم، بل شهادة دولية على أن المغرب يعيش مفارقة: بلد غني بالإمكانات، فقير في السياسات. بلد يملك الطاقات، لكنه يفتقد إلى من يوجّهها بذكاء وعدالة.

في النهاية، ليس المهم كم أنفقت الحكومة، بل كم غيّرت من حياة الناس، وبين شعارات “الفرصة” و”الأوراش” و”الدولة الاجتماعية”، لا تزال الأغلبية الصامتة تسأل: أين هي هذه التنمية التي يتحدثون عنها؟ لأن الواقع، كما يقال مكنغطيوش شمس بغربال .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى