الرئسيةمجتمع

المطر يفضح الأعطاب بأزقة أكادير

° تحرير: بثينة المكودي

مع أولى التساقطات المطرية، يتكرر المشهد ذاته في عدد من الفضاءات والشوارع الحيوية بمدينة أكادير شاحنات التطهير السائل تجوب الأزقة، أغطية البالوعات تُرفع، وتدخلات استعجالية تُباشَر على عجل لامتصاص المياه المتراكمة.

في كل مرة  يطرح سؤالا جوهريا حول جاهزية البنية التحتية الحضرية

مشهد بات مألوف لدى الساكنة، لكنه يطرح في كل مرة سؤال جوهري حول جاهزية البنية التحتية الحضرية، وجدوى الاعتماد المتواصل على حلول ظرفية لمواجهة ظاهرة مناخية لم تعد استثنائية.

تفضح الأمطار بنية  فضاءات عمومية وسياحية، يُفترض أنها مؤهلة ومهيأة، إلى نقط اختناق خلال دقائق قليلة، اختناقات لا تنتج بالضرورة عن تساقطات غزيرة أو قياسية، بقدر ما تكشف عن أعطاب بنيوية في شبكة تصريف مياه الأمطار، سواء على مستوى التصميم، أو الصيانة الدورية، أو مواكبة التوسع العمراني المتسارع الذي عرفته المدينة خلال السنوات الأخيرة.

مع كل تساقطات مطرية، حتى وإن كانت محدودة زمنياً وغير استثنائية من حيث الكمية، تدخل مدينة أكادير في حالة استنفار ميداني عنوانها الأبرز: تسريح البالوعات ونشر شاحنات الشفط في النقط الحساسة، مشهد لا يمكن عزله عن سياقه التقني والمؤسساتي، لأنه لم يعد حادث عرضي، بل ممارسة متكررة تكشف نمط ثابت في تدبير مياه الأمطار.

ما يحدث مؤشرا على خلل بنيوي لا ظرفي

واقعياً، لا يمكن إنكار أن فرق التطهير السائل تقوم بدورها في الحد من الأخطار الآنية، وأن تدخلها يجنّب في بعض الأحيان سيناريوهات أسوأ.

غير أن الإشكال لا يكمن في فعل التدخل ذاته، بل في كونه أصبح بديلاً دائماً عن منظومة تصريف يُفترض أن تكون قادرة على الاشتغال تلقائياً.

فحين تحتاج الشبكة إلى “مواكبة بشرية” مع كل مطر، فهذا مؤشر على خلل بنيوي لا ظرفي.

تحليل المعطيات الميدانية يُظهر أن عدداً من اختناقات المياه يقع في فضاءات حديثة التهيئة أو خضعت لإعادة تأهيل خلال السنوات الأخيرة. وهو ما يطرح سؤال جودة الدراسات التقنية التي سبقت الإنجاز، ومدى أخذها بعين الاعتبار للمعايير الهيدرولوجية، خاصة في مدينة تعرف توسعاً عمرانياً سريعاً، وتزايداً في الأسطح الإسمنتية التي تمنع تسرب المياه طبيعياً نحو التربة.

من جهة أخرى، يُسجَّل غياب واضح لمنطق الصيانة الاستباقية، فعدد من البالوعات لا تُنظَّف إلا عند هطول الأمطار، بينما تُراكم الأتربة والنفايات طيلة أشهر الجفاف. هذا التأخر يحوّل أولى التساقطات إلى “اختبار صادم” للشبكة، ويجعل التدخل متأخراً بطبيعته، مهما كانت سرعة الفرق الميدانية.

مطر عادي يكفي لفضح اختيارات معطوبة

كما أن الاعتماد على شاحنات الشفط داخل الفضاءات العمومية، بما فيها الساحات والأسواق والممرات السياحية، يعكس اختلالاً في التوازن بين الجمالية الحضرية والوظيفة التقنية.

فالمدينة التي تستثمر في الصورة والواجهة، لكنها تُهمل البنية التحتية غير المرئية، تجد نفسها أمام مفارقة قاسية: مطر عادي يكفي لفضح اختياراتها.

التحليل الأعمق يقود ايضا إلى سؤال الحكامة، من يقيّم نجاعة الشبكة؟ من يحدد النقط السوداء قبل وقوع الاختناق؟ وأين تتقاطع مسؤوليات الجماعة، وشركات التدبير المفوض، ومكاتب الدراسات؟ غياب الأجوبة الواضحة يعزز الإحساس بأن تدبير مياه الأمطار ما يزال ملفاً هامشياً، لا يُفتح إلا عند الأزمات.

نموذج في التدبير يعتبر المطر حدثا طارئا، لا معطى بنيوياً يجب التخطيط له

في ظل التحولات المناخية، لم يعد الرهان هو تفادي الفيضانات الكبرى فقط، بل القدرة على التعامل مع أمطار قصيرة، مركزة، ومتقلبة.

وهذا يفرض الانتقال من منطق “التدخل عند الخطر” إلى منطق الاستثمار الوقائي: توسيع القنوات، إدماج حلول قائمة على الطبيعة، إعادة النظر في ميول الطرقات، وربط التهيئة الحضرية بقدرة الشبكات لا بمنطق السرعة في الإنجاز.

خلاصة القول إن تسريح البالوعات في أكادير يوم التساقطات ليس المشكلة في حد ذاته، بل هو العَرَض، أما المرض الحقيقي، فيكمن في نموذج تدبير يعتبر المطر حدث طارئ، لا معطى بنيوياً يجب التخطيط له.

وما دامت المعالجة تظل آنية وردّ فعل، فإن كل موسم شتاء سيعيد طرح السؤال نفسه: هل نملك بنية تحتية قادرة على الصمود، أم مجرد فرق إنقاذ تُجيد إخفاء الأعطاب مؤقتا؟

اقرأ أيضا…

القنطرة تنهار ثانية..إغلاق الطريق الوطنية 1 بين الصويرة وأكادير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى