
تطرح الفيضانات التي شهدتها مدينة آسفي، وما خلفته من خسائر بشرية ومادية، إشكالا قانونيا وحقوقيا يتجاوز توصيفها كحادث طبيعي عابر، ليضع الدولة أمام اختبار حقيقي لمدى تفعيلها لالتزاماتها الدستورية والقانونية في حماية المواطنين وجبر الأضرار الناتجة عن الكوارث.
البوعمري:عدم إعلان آسفي منطقة منكوبة يشكل إخلالا بمقتضيات القانون رقم 110.14
في هذا السياق، اعتبر نوفل البوعمري، المحامي ورئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، أن عدم إعلان آسفي منطقة منكوبة يشكل إخلالا بمقتضيات القانون رقم 110.14 المتعلق بالتعويض عن الكوارث الطبيعية، مؤكدا أن حجم الأضرار المسجلة يفرض مسؤولية قانونية مباشرة على الحكومة ورئاسة الحكومة، تقتضي تفعيل الآليات القانونية الكفيلة بتمكين المتضررين من حقهم في التعويض وجبر الضرر، سواء على المستوى الفردي أو على صعيد إعادة تأهيل البنية التحتية.
وخلال ندوة صحافية نظمتها “لجنة نداء آسفي” بمقر المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بالرباط، أمسص السبت، شدد البوعمري على أن إعلان المدينة منطقة منكوبة لا يمكن اختزاله في بعد رمزي أو سياسي، ولا يشكل “وصمة” في حق المدينة أو الدولة، بل يمثل المدخل القانوني الضروري لتحمل الدولة لمسؤولياتها الاقتصادية والاجتماعية، انسجاما مع مبدأ دولة الحق والقانون والالتزامات الدستورية المرتبطة بحماية الحقوق الأساسية للمواطنين.
اختلالات بنيوية في مقاربة تدبير المخاطر والكوارث الطبيعية
ويكشف هذا النقاش، بحسب المتدخلين، عن اختلالات بنيوية في مقاربة تدبير المخاطر والكوارث الطبيعية، خاصة في ظل التحولات المناخية التي يعرفها المغرب، حيث وقعت فيضانات آسفي عقب تساقطات مطرية وُصفت بالمحدودة، ما يثير تساؤلات جوهرية حول هشاشة البنية التحتية ونجاعة الاختيارات التنموية المحلية، ويعيد إلى الواجهة إشكالية العدالة المجالية وواقع “مغرب يسير بسرعتين”.
وفي هذا الإطار، اعتبر البوعمري أن استمرار التفاوتات المجالية يشكل مساسا غير مباشر بحقوق الساكنة في التنمية والحماية، مشددا على أن الكوارث الطبيعية غالبا ما تتحول، في المناطق المهمشة، إلى كوارث مركبة بفعل ضعف الاستثمار العمومي وغياب الوقاية والاستباق.
ومن زاوية ربط المسؤولية بالمحاسبة، ثمن رئيس المنظمة قرار النيابة العامة بفتح تحقيق حول ما جرى، معتبرا إياه خطوة إيجابية في اتجاه تحديد المسؤوليات، غير أنه شدد على ضرورة الإعلان عن نتائج هذا التحقيق وترتيب الآثار القانونية المترتبة عنه في حال ثبوت أي تقصير، بما يعزز الثقة في المؤسسات ويكرس مبدأ عدم الإفلات من المسؤولية.
تسارع وتيرة الكوارث المرتبطة بالتغيرات المناخية والقصور القانوني
كما فتح المتدخلون نقاشا نقديا حول الإطار التشريعي المنظم لإعلان المناطق المنكوبة، معتبرين أن بعض مقتضيات القانون 110.14، خاصة الشروط الزمنية الواردة في المادتين الخامسة والسادسة، تبدو تعجيزية وغير قابلة للتنفيذ في سياق يتسم بتسارع وتيرة الكوارث المرتبطة بالتغيرات المناخية، ما يستدعي مراجعة هذا القانون لجعله أكثر واقعية ونجاعة في حماية المتضررين وضمان حقوقهم.
من جانبه، اعتبر محمد الحبيب بنشيخ، رئيس الجمعية الوطنية للمحامين بالمغرب، أن امتناع الحكومة عن إعلان آسفي منطقة منكوبة يحرم الساكنة من الاستفادة من حقوق قانونية واضحة، وعلى رأسها التعويض عبر صندوق الكوارث الطبيعية، ما يطرح إشكالا يتعلق بمدى احترام مبدأ المساواة في الولوج إلى الحماية القانونية.
“لجنة نداء آسفي” لجأت إلى «التقاضي الاستراتيجي»
وفي هذا الإطار، كشف بنشيخ أن “لجنة نداء آسفي” لجأت إلى ما وصفه بـ«التقاضي الاستراتيجي»، من خلال تعبئة أزيد من 200 محام ومحامية على الصعيد الوطني، والتقدم بدعوى أمام المحكمة الإدارية بالرباط ترمي إلى إلزام رئيس الحكومة بإعلان المدينة منطقة منكوبة، في سابقة تعكس تحول التقاضي من مجرد آلية إنصاف فردي إلى أداة للدفاع عن الحقوق الجماعية والتأثير في السياسات العمومية.
بدوره، ربط ياسين بوعشة، رئيس جمعية المحامين الشباب بآسفي، بين ما تعرفه المدينة من هشاشة بنيوية وتراكم سنوات من التهميش، مشيرا إلى أن آسفي، رغم ما تزخر به من مؤهلات اقتصادية وثروات طبيعية وصناعية، لم تستفد من سياسات تنموية منصفة، ما جعلها أكثر عرضة لتداعيات الكوارث الطبيعية.
وخلص هذا الترافع الحقوقي إلى أن قضية آسفي لا تتعلق فقط بالتعويض عن أضرار آنية، بل تفتح نقاشا أوسع حول الحق في التنمية، والعدالة المجالية، وفعالية السياسات العمومية في تدبير المخاطر، ومدى التزام الدولة بمبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، في سياق مناخي يفرض إعادة النظر في المنظومة القانونية والمؤسساتية ذات الصلة بالكوارث الطبيعية.





