
سقالة آنفا: من زمن الغزو إلى زمن الذاكرة
بقلم: علال بنور
كان الاسم المتداول للسقالة عند الاخباريين والسكان القدماء للمدينة، اسم (برج الخميس)، عبارة عن منصة مدفعية عسكرية لتحصين المرسى وشاطئ أنفا، وبالتالي حماية المدينة المسورة من جهة الشمال الغربي من الغزو الإيبيري وهجومات القراصنة، حيث كانت المدينة بظهيرها الخلفي الغني فلاحيا، يغري الغزاة.

ولم يتوقف المد الاستعماري الإيبيري وغزو القراصنة إلا عند حدود القرن 18م.
فعند ما طُرد الإيبيريين من أنفا بفضل التنظيم العسكري القبلي من الشاوية وخارجها، أعطى السلطان العلوي محمد بن عبد الله (1757 – 1790 م) المعروف بباني المدن، أمراً بإعادة بناء أسوار المدينة، ومن المؤكد، أن السقالة كانت موجودة محاذاة للسور بالقرب من باب المرسى، كمنصة مدفعية لحماية المرسى ومدينتها من الغزو المسيحي.
غير أننا لا نتوافر على معلومات دقيقة حول تاريخ تشييد سقالة الدار البيضاء.
هل هي شُيدت في عهد السلطان العلوي محمد بن عبد الله أم أنه أمر بإعادة ترميمها؟ ومن المؤكد كذلك، وفي إطار المقارنة زمنيا ومكانيا، أنها تشبه من حيث الموقع، وما يتميز به من علو واطلالة على المرسى، مع تواجد كوات تطل منها فوهات المدافع للدفاع عن المدينة. أنها تشبه سقالة مدينتي الجديدة والصويرة خاصة أن المدن الثلاث بسقالاتهم ارتبطوا بزمن حكم السلطان العلوي محمد بن عبد الله.
اختلف الاخباريون حول تاريخ بناء المنصة، لذلك نؤرخ لها بالقرن 18م اثناء حكم السلطان العلوي محمد بن عبد الله.
تعرضت للغزاة الأوربيين والقراصنة
في انتظار ظهور قرائن تاريخية تسمح لنا بضبط تاريخ بناء السقالة، وفي زمنه استهدفت من جديد الشواطئ المغربية ليس فقط من طرف الابيريين، بل تعرضت للغزاة الأوربيين والقراصنة، في الوقت الذي زاد اهتمامهم بالطرق التجارية الملاحية الأطلنتية.
فكانت أنفا ومرساها الصغير من المواقع المستهدفة، نظرا لموضعها وموقعها الاستراتيجي. وللحد من الغزاة بنوعيهما القراصنة والجيش النظامي الأوربي الامبريالي، اهتم السلطان بالسقالة لحماية المدينة وضبط التجارة البحرية.
لعبت السقالة دورا دفاعيا لتحصين المدينة ومرساها وشواطئها، وهي تختلف معماريا عن شكل الأبراج والقصبات، ربما لأنها مستوحاة من البناء العسكري الأندلسي.
ما يميز البرج هندسيا فهو البناء العمودي فوق سور أو منصة يسمح للجنود بمراقبة الغزاة، أم القصبة، فهي بناء معماري به سكن واسطبلات الخيول الحربية وأبراج للمراقبة في مساحة شاسعة، يحيط بها سور، له أحيانا أكثر من باب وبرج للمراقبة. ومن أهم وظائف السقالة:
جُهزت السقالة بالمدافع من البرونز والأحجار الضخمة لحماية السقالة من مدافع الغزاة
مراقبة الساحل ومنع سفن القراصنة والقوات البحرية الأوربية من الاقتراب من المرسى، وردع الهجمات من خلال اظهار الوجود العسكري، لذلك، جُهزت السقالة بالمدافع من البرونز والأحجار الضخمة لحماية السقالة من مدافع الغزاة.
ما بين القرنين 18 و19 وهي فترة القوة العسكرية الأوربية، التي سعت إلى تحقيق الاستعمار الرسمي، لعبت فيها السقالة دورا أساسيا في الدفاع عن المرسى إذ كانت أنفا لا زالت مدينة صغيرة.
وهكذا، ساهمت السقالة في أمن المدينة الى حدود بداية القرن 20م. تجدر الإشارة، إلى أن السقالة، قد تعرضت لأضرار اثناء القصف المدفعي سنة 1907، عند الهجوم الفرنسي مع حليفه الاسباني على مدينة الدار البيضاء، والذي تصدت له قبائل الشاوية وسكان المدينة دفاعا عن مدينتهم.
هل احتمت المقاومة بالسقالة مستعملة مدافعها لصد مدافع السفن الحربية الامبريالية أم أن مهمة السقالة قد انتهت مع الانسحاب الإيبيري منذ القرن 17م؟ لم نجد اشارات عند المؤرخين ولا الاخباريين فيها الحديث، أن المقاومة وظفت مدافع السقالة في العمليات الحربية لسنة 1907.
مع الحماية الفرنسية، دخلت المدينة إلى مرحلة التحديث ومعها فقدت السقالة دورها الأمني تدريجيا، فحل محلها نواة قوة عسكرية دفاعية جديدة مكونة من القبائل.
وفي الوقت الذي بدأت فيه المرسى تتحول إلى ورش لبناء ميناء كبير مع بداية القرن 21، اصبحت السقالة تراثا حضريا اندمجت مع التراث الثقافي والسياحي.
بالرغم من الوظيفة الدفاعية الحربية المنتهية صلاحيتها منذ الاحتلال الفرنسي للدار البيضاء وأحوازها.
حافظ ليوطي على جامع ولد الحمراء ومزارات الأولياء بالمدينة

لم َيقدم المقيم العام الجنرال ليوطي لإعطاء أوامره لهدمها، بل حافظ عليها، كما حافظ على جامع ولد الحمراء ومزارات الأولياء بالمدينة.
وهكذا تعد السقالة اليوم شاهدة تاريخية بحرية، وركنا من أركان التراث المادي لمدينة الدار البيضاء، شاهدة على مرحلة ما قبل تحول الدار البيضاء إلى مدينة متروبولية.





