ثقافة وفنوندابا tv

رمضانيات: باكو يلتحق بجيل جيلالة وعين بوجميع ترصده (فيديو)

العربي رياض

وباكو يسبح في عالم تاكناويت مأخوذا ببهاء أجواء غابة الذيابات،  متفاعلا مع زوار المدينة القادمين من كل أرجاء العالم، بحثا عن لحظة تحرر وصفاء دهني داخل عالم ا لهيبي الذي اتخذ من الصويرة، واحدة من عواصمه.. ستظهر على الساحة مجموعة ناس الغيوان، التي سيجد باكو نفسه منجذبا إليها إن على مستوى النصوص، أو على المستوى الموسيقي، وأيضا على مستوى الأصوات، وكما أشرنا في الورقة السابقة فإن عبدالرحمان انبهر كثيرا بصوت بوجميع والعربي وفي هذا الصدد يقول عبد الرحمان: تمنيت لو التقيت بهؤلاء، ليس للعمل معهم، لكن فقط لإنصات إليهم عن قرب .

ظهور الغيوان سيعقبه مباشرة ظهور بارز لمجموعة جيل جيلالة التي سترسم مدرسة خاصة بها في العالم الغيواني، لكن قبل تشكلها وخروجها للعلن كان لزاما أن تبحث عن أسماء وازنة، تتمتع بمواهب مختلفة في عالم الغناء كالقدرة على الكتابة والبحث والقدرة على التلحين والتوزيع الموسيقي دون أن ننسى جمالية الأصوات، لأن النموذج الذي أمامها اسمه ناس الغيوان وما أدراك ما ناس الغيوان وأعضاء مجموعة جيل جيلالة يعلمون جيدا من يكون أفراد هذه الفرقة، التي خلقت الحدث فمولاي الطاهر الأصبهاني والزوغي، كانا زميلين لبوجميع وباطما وعمر وعلال في مسرح الصديقي ولهم معهم عدد من الأعمال المشتركة، ولهما اطلاع كبير على قدرات هذه الأسماء والموهبة التي يتمتعون بها، بل أكثر من هذا فإن مولاي الطاهر كان صديقا مقربا من بوجميع مد أن مثلا سوية مسرحية “الحراز”، أي أنه على دراية كاملة بالقدرات الفنية التي يمتلكها الرجل وبالتالي فهو يعي جيدا معنى أن تدخل في منافسة مع فنان من حجم بوجميع أو العربي باطما، ولاننسى “اللاعب” الكبير مولاي عبد العزيز الطاهري..

فالدرهم ومولاي الطاهر يعلمان جيدا ما في جعبة هذا الرجل من أبحاث وأعمال وقدرات فنية هائلة، أو لم يكن يشكل برفقتهم وبرفقة شهرمان، فريقا مسرحيا متراصا، جعل اسم مراكش يسطع عاليا في سماء مسرح الهواة، أيام شبيبة الحمراء الرائدة؟ حيث تبقى مسرحية “التكعكيعة” أكبر شاهد على علو كعب شهرمان ومولاي عبدالعزيز الطاهري ومولاي احمد بنمشيش، ذلك أن هذا العمل مازال حاضرا في أذهان كل عشاق المسرح حيث فاز بجوائز وطنية وخلق نجوما بمراكش، وجعل كل الأعين تلتفت لهذه المدينة لاستقطاب مواهبها ..

ما يعلمه مولاي الطاهر والزوغي والدرهم عن الغيوان تعلمه أيضا سكينة التي كادت أن تكون عضوا في فرقة ناس الغيوان باقتراح من بوجميع والسعدي، لكن التخوف من العائلة جعلها تتردد لتنطلق الغيوان من دونها (وتلك حكاية سنعود لها بتفصيل في وقت لاحق)، قبل أن تقرر تأسيس فرقة على شاكلة الغيوان بمعية الزوغي ومحمود السعدي القادم من ناس الغيوان بعد أن قرر المغادرة، والذي بدوره يعلم جيدا من هم الغيوان فهو من جهة ابن الحي وعلى معرفة كبيرة ببوجميع وعمرالسيد، وأضحى مع تجربته الغنائية معهم يعلم أكثر قوتهم الفنية..

كل هذا سيجعل سكينة والسعدي والزوغي يتصلون بمولاي الطاهر والدرهم وشهرمان، أي مجموعة لها دراية بفنون الكتابة والتوزيع الموسيقي وتتمتع بأصوات مدهشة ومتشبعة بالفنون التراثية وضليعة في العمل المسرحي، من أجل البصم على تجربة فنية ذات وزن يحترمه الجمهور، بعد تشكل هذه المجموعة التي كانت تضم أيضا الممثل القدير محمد مجد، وللإفادة ففي هذه الفترة كان الزوغي على خلاف مع الطيب الجامعي بسبب بوجميع، فسكينة تتذكر أن الغيوان كانوا في المسرح يقدمون عرضا وبحكم الصداقة التي تجمعهم مع الزوغي، كان الأخير لا يتردد في تقديم النصح والمساعدة إذا أمكن، وفي تلك الليلة كان بوجميع يغني وصوته غير مسموع بسبب بعده عن مكبر الصوت، فنببه الزوغي للأمر طالبا منه الاقتراب أكثر، وهو ما نفذه بوجميع، الأمر الذي لم يرق للطيب الجامعي الذي كان يرأس الغيوان في تلك الفترة، فتدخل وطلب من الزوغي ألا يتدخل في فرقته، الشيء الذي لم يستسغه الأخير ليقرر تاسيس مجموعة على تلك الشاكلة، أيضا محمد مجد في تلك الفترة كان على خصام مع الصديقي فلازم الزوغي إلى أن أسسوا جيل جيلالة، أما الدرهم فقد كان يشتغل مع مسرح عفيفي بالجديدة، قبل أن يسافر إليه السعدي وسكينة والزوغي ليقنعوه بالدخول في التجربة معهم ..

المجموعة بدأت ترسم مسارها علما أن كل ما في جعبتها الغنائية سوى ثلاثة أغاني، كلها من توقيع شهرمان وأجزاء منها قدمت في المسرح بين شهرمان ومولاي الطاهر والدرهم عندما التحقوا بمسرح كوميديا بمراكش، بعدما غادروا شبيبة الحمراء، حيث قدموا أعمالا كبيرة حازت على جوائز وطنية ولعل من بين أبرز هذه الأعمال مسرحية “نكسة أرقام” و “الضفادع لكحلة” وهذه الأعمال معظم مشاهدها من إبداع شهرمان فيما غالبا ما كان مولاي الطاهر يفوز بجائزة أحسن ممثل، ضمن هذه الأعمال وظفت مجموعة من الأغاني التي غنتها جيل جيلالة ك “الكلام المصرع”، وهنا لابد أن أشير إلى أن المقطع المهم من أغنية “نرجاك أنا” للغيوان كانت قد وظفت في الأعمال المسرحية التي كان يقدمها الدرهم وشهرمان والأصبهاني في مراكش، ( سأعود لهذه الحكاية فيما بعد)..

قلت لم يكن في جعبة جيل جيلالة سوى ثلاثة أغاني، ولكن أي أغان “الكلام المرصع” التي بالإضافة إلى مضمونها القوي وكلماتها البديعة، تقدم على طبق مرصع بإيقاع أقلال وما أدراك ما إيقاع أقلال، الذي لا ينقره إلا الراسخون في علم الإيقاع، ومن غير المستساغ أن ينقره سباب في بداية العشرين، وأعتقد أن من هنا جاءت قوة جيلالة فأفرادها “ميازنية كبار”، ثم أغنية “آه يا جيلالة” وأغنية ” العارآبويا”، التي كتب مطلعها الزوغي فيما كتب محمد الدرهم مقاطعها الأخيرة، ولحنها مولاي الطاهر الأصبهاني، وكانت هي تتخلل مشاهد من مسرحية ليالي الحصاد، التي أخرجها حميد الزوغي ..إذن نحن أمام أعمال نوعية رفيعة، لا ينقص الآن سوى اختيار الآلات وشراء المعدات…

والبحث عن عازف على آلة السنتير لكن يجب الوصول إلى عازف من المستوى الرفيع، تقول سكينة: سافرت أنا ومولاي الطاهر والدرهم والزوغي لمدينة مراكش، واشترينا كل الآلات الإيقاعية التي سنحتاجها في أعمالنا، لأن مراكش واحدة من المدن القليلة التي ستجد فيها آلات خاصة بالمحترفين في مجال الإيقاع على الخصوص، بعد أن اشترينا كل ما نحتاج فكرنا في البحث عن عازف آلة السنتير، توجهنا مباشرة إلى لمعلم باقبو والد مصطفى باقبو، ولأنه محترف في المجال تشاورنا معه بعد أن أبلغناه عزمنا تأسيس فرقة غنائية، فنصحنا بالسفر إلى الصويرة لأن فيها شابا يعد من أمهر العازفين على آلة السنتير …من غرائب الصدف أن يكون لمعلم باقبو هو الذي دل جيل جيلالة على عبدالرحمان فيما سيصبح ابنه مصطفى باقبو هو العازف الرئيسي لجيلالة دون تدخل والده .

عرج أفراد جيلالة على الصويرة سألوا عن باكو قيل لهم انه في “البرج” في الديابات التحقوا به ليجدوا أنفسهم أمام هيبي حقيقي بشعر طويل وقميص اصفر وبنطلون بلون الآجور الأحمر، اقترحوا عليه الفكرة، لم يناقشهم في شيء حمل آلته وركب معهم السيارة ليسعوا جميعا نحو الدارالبيضاء وبالضبط إلى حي الرياض العالي قرب مسجد السنة حيث وفر الزوغي أول نادي للمجموعة، وشهد التأسيس الرسمي لجيل جيلالة، وعكس ما يعتقد البعض أن المجموعة أسست في مراكش، بل أسست في قلب الأحياء الشعبية للعاصمة الاقتصادية الأمر الذي لا يعرفه المنتخبون هناك بدليل أنهم لم يقدموا ولو على تكريم واحد لفائدة أعضاء هذه الفرقة التي في الحقيقة ليست في حاجة إلى تكريم من لدن جهلة بتاريخ  “قلاعهم” الانتخابية فهي مكرمة من لدن الشعب النقي، الذي يفهم معنى الفن والفنون بعيدا عن أكلة الريع ..

سيقطن عبدالرحمان في نادي المجموعة بمعية مولاي الطاهر، قبل أن يسافر من جديد للصويرة لاستقدام زوجته، بعد أن قرر الاستقرار عمل عبدالرحمان على إبراز مواهبه داخل المجموعة، يقول عبد الرحمان: لقد عملت على إدخال أحد الإيقاعات الكناوية وهو إيقاع تمرنت عليه مع فرقة “ليفينغ تياتر” ويظهر هذا الإيقاع في استهلال أغنية “آه عليك آراسي” ، كما ساهمت في إيقاع الكلام المرصع ..عند ظهور أول أسطوانة من 45 لفة لمجموعة جيل جيلالة، تضم الأغاني التي ذكرت، بلغني أان بوجميع لما سمع المقطع الذي اشتغلت عليه في اغنية “آه عليك آ راسي” أعجب به كثيرا فقال لأفراد الغيوان علينا أن نأتي بهذا الكناوي بأي ثمن، فجيل جيلالة ليست عالمه ولا المدرسة التي يجب ان يكون فيها بل عليه الالتحاق بالغيوان ..
قليلون لا يعلمون لماذا باكو في كل سهرات الغيوان يصيح قبل الدخول في الرقص والجدبة “ها الغيوان”، ذلك لأن بوجميع لما استقدمه إلى المجموعة، نقله للعيش معه في منطقة عين الذئاب حيث كان يتواجد أول ناد للفرقة، هناك لم يكن بوجميع يفرض على باكو أن يغني أي شيء، بل كان يطلق له العنان لكي يعزف أو يغني مايريد، وكانوا إذاك يهيؤون واحدة من أروع الأغاني في تاريخ المجموعة وهي أغنية “غير خذوني”، التي يعتبرها عبد الرحمان “قالب السكر باش دخل لدار الغيوان”، كان بوجميع يكتفي بالإنصات وإطلاق ضحكته الرائعة كلما أعجبه شيء مما يعزفه باكو حتى أن الأخير كان يساوره الشك قبل أن يفهم طباع بوجميع، وكان بوجميع دائم الاستقبال في ذلك النادي للكتاب والنقاد والمبدعين والإعلاميين، وكلما قدم لهم عبد الرحملن يقول لهم “ها الغيوان” بعد أن يطلب منه إسماعهم عزفه على السنتير …

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى