رأي/ كرونيك

هل إصلاح «حزب الأصالة والمعاصرة» ممكن؟

بلال التليدي

منذ مدة كتب عبد الاله بنكيران يقترح على حزب الأصالة والمعاصرة أن يخفف العبء عن الدولة، ويبادر بحل نفسه حتى يجنب المشهد السياسي هذا المصير الذي نراه اليوم.

ومع أني كنت أحمل رؤية أكثر راديكالية مما طرحه بنكيران بخصوص “حزب الأصالة والمعاصرة»، وأتبنى فكرة ألا تكرر القوى الإصلاحية والديمقراطية تجربة التطبيع مع حزب الدولة، إلا أن المتابعة اليومية للتطورات التي يعرفها هذا الحزب، حفزتني لطرح سؤال إمكانية إصلاح «حزب الأصالة والمعاصرة “.

منطلقات التفكير في هذا السؤال تفترض استحضار طبيعة النشأة، والمكونات التي تم اعتمادها، والتركيب الذي تمت به صياغة هذه المكونات، والكيفية التي يمكن أن تحولت بها هذه الأداة إلى رهان سياسي؟

لم تكن نشأة «حزب الأصالة والمعاصرة» على نسق نشأة الأحزاب الإدارية نفسه. صحيح، أن المشترك بينهما هو تجميع قاعدة غير منسجمة من الأعيان، لكن الفارق برز من خلال الرهان على واجهة من بقايا اليسار الجديد، وبعض المغادرين لسفينة الأحزاب الديمقراطية، وبعض الليبراليين والعلمانيين، مع الانفتاح على انضمام إسلاميين، ولم تنج النشأة من خصوصيات إثنية، أعطت للريف نفوذا أكبر على هذا التنظيم.

التركيب، الذي تمت به صياغة هذه المكونات، اعتمد الأدوات السلطوية، التي فرضت انضباط الأعيان، ومكنت اليسار من تصدر واجهة الحزب، وأدمجت أحزابا في سياق هيمني، وجدت فيه بعض القيادات الحزبية نفسها في وضعية خروج اضطراري قسري من سفينة القيادة، وتضحية بالمواقع والبنية الحزبية.

الكيفية التي تم بها تحويل الأداة لرهان سياسي استنسخت التجربة السياسية للإسلاميين، التي انطلقت من قاعدة حركة دعوية مدنية (حركة لكل الديمقراطيين مقابل التوحيد والإصلاح)، أفرزت فيما بعد أداتها السياسية (الأصالة والمعاصرة مقابل العدالة والتنمية)، لكن من غير احترام ومراعاة الشروط الكيفية التي وقع بها التحول التراكمي لدى الإسلاميين.
لماذا التذكير بهذه المنطلقات؟ وما علاقتها بأفق إصلاح «حزب الأصالة والمعاصرة «؟
عمق الأزمة يرتبط في الجوهر بثلاثة محددات:

محدد تدبير تناقض مصالح الأعيان.

محدد فشل الرهان السياسي للحزب (انتخابات 2016) وطرح سؤال العلاقة بالدولة وبقية الأحزاب.

السلطة في تدبير يوميات السياسة تفضل في كثير من الأحيان الثقة على الفكرة

محدد الصراع على القيادة وتحديد مركز النفوذ الحزبي.

تبدو هذه المحددات متنافرة لكنها في العمق حاضرة بشكل منسجم في النقاش السياسي الداخلي، فثمة خطابان يؤطران هذا النقاش: الأول يرى أن الدولة لم تغير موقفها من الحزب، ولا تزال تنظر إليه على أساس أنه رهان مركزي لهزم الإسلاميين وإخراجهم من مربع الحكم، وأن الجوهري قد تم القيام به عندما تم تغيير القيادة أو على الأقل إبعادها عن الواجهة، واستعادة الوضع السابق لفترة إلياس العماري. والثاني، يرى أن موقف الدولة ليس ثابتا، وأن حدبها على «حزب الأصالة والمعاصرة» ليس خيارا دائما، وأن منطقها العقلاني يجعلها تتفاعل مع الخيارات الواقعية، وأن «حزب الأصالة والمعاصرة» بالشروط التي هو عليها، لا يعطي للدولة ضمانات تجعلها تستعيد الثقة في إمكان أن يقوم بالرهان السياسي الذي لأجله كانت نشأته، وأنه من أجل استعادة ثقة السلطة في دور الحزب لا بد من القيام بجهد كبير، على مستوى الخطاب السياسي، وعلى مستوى العلاقات البينية مع الفاعلين السياسيين، وأيضا على مستوى تغيير القيادة، وشكل تعاطيها مع السياسة، والبحث عن خيارات عقلانية وموضوعية لتدبير تناقضات مصالح الأعيان، والقطع مع الأعيان الجدد الذين خلقوا على هامش الزبونية العلائقية الحزبية، وأن ذلك لا يمكن أن يتم إلا بتحرير مركز النفوذ الحزبي من الهيمنة الإثنية الريفية.

هكذا يتصور الباميون (مناضلو الأصالة والمعاصرة)، أو التياران البارزان في الحزب إمكانية إصلاح حزبهم، لكن الغائب في هذا التصور، هو ماذا تريد السلطة من هذا الحزب؟ وهل رفعت يدها منه؟ أم أن يديها غير بعيدة عن تدبير تناقضاته؟ وهل يمكن تصور إصلاح لهذا الحزب من غير أن تكون فاعلة فيه؟

ما يطرحه عبد اللطيف وهبي (قائد مبادرة «نداء المستقبل» والمتمرد على القيادة الحالية)، قريب إلى عقل السلطة، لكن المكونات التي تحمل هذا التصور، ليست في الموقع نفسه من القرب، مما يفسر جانبا من الصراع المفتوح الذي تبدو فيه السلطة كما لو كانت في موقع الحياد، فالسلطة في تدبير يوميات السياسة، تفضل في كثير من الأحيان الثقة على الفكرة، وأحيانا أخرى، تعتبر أن أكبر مؤشر يمكن أن يختبر به مدى قدرة حزب على القيام برهان سياسي ما هو قدرته على تدبير تناقضاته وأزماته.

الأعيان يرحلون، ويقسمون حسب التكتيك الانتخابي، وهذا شيء حصري لا يجيده أحد من الأحزاب، والسلطة تقرأ الأوزان، وتختار الموقع والمسافة التي تضمن لها التوازن الأكثر، وليس من محددات اصطفافها أن يقنعها أحد من أحزابها الإدارية بخطاب سياسي وعرض سياسي آخر، فهي التي تحدد المضمون والعرض ومفرداته إن كانت بصدد إعادة تجربة نسخة جديدة من «حزب الأصالة والمعاصرة»،

ما يبقى هو من سيحسم المعركة. السلطة دائما تلعب مع الأقوى. منطقها يقول «الذي يهزم خصومه الداخلين يكتسب الثقة في إمكانية أن ينجح في الرهان الذي لم ينجح في تحقيقه الذين هزمهم بنكيران مرتين».

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى