سياسة

بوعزيز يقدم قراءته في الحركات الاجتماعية المغربية ومختلف القطائع التي عاشتها عبر التاريخ

أكد المؤرخ مصطفى بوعزيز أن حراك الريف تعبير عن حركة اجتماعية وبامتياز، مؤكدا أنه يقارن هذه الحركة المعروفة بحراك الريف مع أصولها التاريخية لأنها في الحقيقة تطور نوعي في إطار حركات الاحتجاج المغربية.

وأضاف مصطفى بوعزيز خلال مداخلته في إطار الندوة الافتتاحية للأسبوع التضامني مع حراك الريف ومعتقليه المنظم من طرف تيار اليسار المواطن والمناصفة بالاشتراكي الموحد، أن المغرب التاريخي انتقل من نمط معين من الاحتجاج، والذي كان في أساسه ثنائي والمعروف بثنائية المناطق التي تسيطر عليها السلطة المركزية والمناطق المنتفضة القبلية التي سميت بتعبير السيبة، أو التي محكومة بنظام غير راشد حسب تعبير المخزن، إلى ابتداء من العقدين الأخيرين من القرن 19، إلى بروز الاحتجاج المدني في قلب المناطق التي من المفروض ان المخزن مسيطر عليها بالكامل، هذه الاحتجاجات الحضرية، يضيف بوعزيز، والتي ابتدأت مع تولية السلطان الحسن الأول، وهي النموذج الجنيني الذي سيحكم كل الاحتجاجات الحضرية التي ستأتي في المغرب، والتي يعتبر حراك الريف امتدادا لها، مع وجود اختلاف نوعي.

في نفس السياق، قال المتحدث ذاته، إن المغرب عرف ومنذ 2011 نقاشا بين المثقفين حول طبيعة الاحتجاجات المغربية، وهل هي مجرد احتجاجات ذات بعد سياسي محدود وظرفي، أم هي حركات اجتماعية حاملة لمشروع يمكن القول عنه استراتيجي، مذكرا أنه وكان وما يزال يرى أنها حركات اجتماعية، وليس ظرفية سياسية عابرة.

وفي سؤال عن معنى تحديدها في كونها حركات اجتماعية، أفاد بوعزيز، أن الحركات الاجتماعية هي تحرك جماعي وسط المجتمع يتأسس على قاعدة الحيف والشعور بالدونية، وينطلق بهدف رفع الغبن وجبر الضرر، وهو تعريف عام يمكن أن ندققه بالقول إن الحركة الاجتماعية تنشأ كجواب على اختلالات اجتماعية تشكلت على المدى الطويل، ورسخت الحيف واللامساواة، لذلك تعبر الحركات الاجتماعية عن انتظارات طالبي حق، ومعناه يشير بوعزيز، أنه هناك غبن وحيف تشكل في زمن طويل، ورد الفعل المجتمعي من فئات اجتماعية تشعر بهذا الحيف، وتشعر به بصفة جماعية وتمثله كشيء غير مقبول، فتتحرك لتطالب بحق ورفع الضرر والهرس الذي نتج عن هذا الضرر.

في السياق ذاته، أوضح المؤرخ مصطفى بوعزيز في الندوة الافتتاحية ذاتها، التي جرى تعميمها على وسائل التواصل الاجتماعي، أن هذا التعريف الذي يقدمه للحركات الاجتماعية، التي يسميها الجديدة في المغرب، والجديد هنا بالنسبة للمؤرخ يرمز إلى هذا الانتقال الكبير الذي حدث في الحركة وانتقالها للوسط الحضري، وبالتدريج سيصبح الوسط الأخر هو الذي سيتركز فيه المخزن وسيطرته، والذي كان في السابق فضاء السيبة، ولذلك هدا الانتقال بالنسبة للمؤرخ كبير وهرس وقطيعة ستشكل لزمن جديد.

بوعزيز وفي معرض تقديمه لأمثلة على ما يقول أشار أن البداية كانت من مدينة فاس في عام 1870، عندما توفي السلطان محمد الرابع، وكانت عملية بيعة وتولية السلطان الحسن الأول، وهي مرحلة استثنائية لأنها انتقال الخلافة من سلطان إلى سلطان، وكانت في مغرب انداك ماقبل الحماية تستغرق وقتا وشهور، لأن الملك عليه أن ينتقل من منطقة إلى أخرى ويحضى ببيعة أهل المنطقة وأهل الحل والعقد كما كانوا يسمون وتنتهي بتزكية علماء القرويين، والسلطان يومها كان في مراكش، وكان يحتاج لوقت ليصل إلى فاس، وفي هذا الوقت الاستثنائي، كانت كل الفئات لتطالب بمطالب معينة مقرونة بالبيعة، يومها الدباغون في فاس انتبهوا أنه كان عليهم حيف طال لمدة زمنية تصل تقريبا لعقدين، حيث كانوا يؤدون عدة ضرائب، وجزء اخر من المغاربة كان لهم امتياز عدم تأدية الضرائب وكانوا ينافسونهم في السوق ومحميون من طرف قوى أجنبية ويحملون بطاقة” المحميون”، انتفاضة الدباغين أو ما كنا نسميه ثورة الدباغين، كان مطالبة برابطة القانون، وبأن يكون الناس سواسية أمام القانون، إما أن نؤدي المكوس جميعا إما أن لانؤديه، ومن هنا الطابع الجديد لهذه الانتفاضة، والمتمثلة في المطالبة بتأسيس رابطة القانون، وبالرغم من أن هذا الاحتجاج كان متقطعا ودام لأربعة أشهر وانتهى بعدم تلبية مطالب الدباغين، إلا أنه يظل المؤسس لهذا الجديد، وطبعا سيشهد المغرب العديد من الانتفاضات والاحتجاجات التي ستسير في نفس الاتجاه، من مراكش إلى وجدة إلى الشاوية، والتي كلها ستكون مطالبة بمساواة المواطنين أمام الضرائب، وأمام القانون ورفع امتياز المحمين.

في سياق الأمثلة التي سردها بوعزيز في الاتجاه ذاته، تحدث عن مظاهرات 1930، المعروفة بمظاهرات ضد الظهير البربري، ولو أن اسمها التاريخي هو ظهير العدلية في المناطق العرفية، وكان يفرق بين أهل العرف وأهل الشرع، والذي كان المغاربة ضد وانتفضوا ضده تحت شعار أساسي “الإسلام لا يفرق، والسلطان الذي هو أمير المؤمنين لا يجب أن يفرق، وبأننا في عصر العلوم يجب استيعاب العلوم، لنتمكن من الخروج من الاستعمار ولكي لا تكون تفرقة بين المغاربة”، وبالتالي كانت تخرج حركة يالطيف من المساجد، التي كانت تردد يالطيف يالطيف الطف بما جرت به المقادير ولا تفرق بيننا وبين إخواننا البرابر، ومن خلال ذلك، خلص بوعزيز أن هذه الحركة هي حركة وحدة، مطالبة السلطان أن يكون مع وحدة شعبه ومساواتهم، مؤكدا أن هذه الحركة تمكنت من النجاح، ولأنها أسقطت هذا الظهير الذي جرى إلغاؤه تحت هذا الضغط.

المتحدث ذاته، تحدث عن انتفاضات 1944، ضمن ما عرف بالوثائق المطالبة بالاستقلال، لأنه لم تكن فقط وثيقة 11 يناير وحدها بل كانت هناك عدة وثائق، واليومين الجوهريين في هذا الانتفاض للمطالبة بالاستقلال كانا هما يومي 29 و30 يناير حين خرج المغاربة إلى الشارع مطالبين بالاستقلال، وبأن عهد الحجر انتهى، وهو الانتفاض الذي سيواجه بالقمع، وبمجزرة في سلا والرباط وفي فاس ومدن أخرى، والذي نحتفل به في 11 يناير، وهذا فيه نوع من الإجحاف لأن اليومين الأساسيين الوطنيين الفعليين هما 29 يناير و30 يناير، لأن فيهم شهداء وقعوا وثائق المطالبة بالاستقلال بالدم، وكل ذلك كان إيدانا بميلاد الحركة الوطنية، التي كانت تداخل بين الحركات الاجتماعية والنقابية الناشئة، وبين الحركات الشبابية والنسائية والحركة الكشفية والرياضية حيث كلهم انضووا في الحركة الوطنية، التي ستتطور لتقول لا لدونية المغاربة أمام الأجانب الموجودين بالمغرب.

في نفس السياق، وبعد الاستقلال ستظهر عدة حركات اجتماعية، منها الأكبر والتي هي في وجداننا كشباب وكيساريين وهي حركة، 22 و23 و24 مارس 1965، في الدارالبيضاء والرباط وفي الجامعة ومدن أخرى، والتي كان مطلبها مجتمع المواطنة عبر الحق في التعليم، والحق في الشغل.

المتدخل ذاته، في الندوة ذاتها، وبعد سرده لعدة أشكال من الحركات الاجتماعية ومميزاتها، سنوات 1984، و1990، وغيرها، والتي تظل لها نفس المميزات، ليتوقف عند ما اعتبره قطيعة ثالثة ستحدث في الاحتجاج وفي الحركات الاجتماعية، ممثلة فيما سمي بالربيع العربي، ومع ظهور حركة 20 فبراير، والذي سيقع فيه التغيير، من جهة لأن المساحة المغطاة في الاحتجاج كبيرة، وصلت في بعض المحطات إلى 380 وقفة، مع احتجاج يومي، سيبقى ضعف التنظيم، ولكن البرنامج المحمول فيه دوافع وطنية أكثر منها فئوية، لأن قبل 2011 كان الاحتجاج فئوي مبعثر ومجزأ وموجود خارج النقابات..

غير أن حركة 20 فبراير ظلت تشكو من ضعف قوة المقترح، وضعف التنظيم والذي سيعطي دستور 2011، الذي حقق بعض الأمور، لكنه لم يحقق الجوهري الممثل في الانتقال إلى المواطنة وإلى دولة الحق والقانون، بسمو الشرعية الشعبية، على الشرعية التاريخية والدينية الملكية، وإعادة ترتيب بأسبقيتهم، وبالانتقال إلى دمقرطة وفصل السلط، وبما انهت إليه النتيجة السياسية بتعاقب الحكومات منذ 2011.
يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى