رأي/ كرونيكسياسة

البيجدي وقيادته أمام سؤال جوهري…هل القانون لا يسري على وزراء العدالة والتنمية؟

يزعم قياديو حزب العدالة والتنمية أنهم يؤمنون بالديمقراطية ويتشبثون بممارستها داخل الحزب وفي مؤسسات الدولة، ويبنون ادعاءاتهم على تجريد الديمقراطية من القيم والمبادئ المؤسسة لها وحصرها في العمليات التقنية المرتبطة بالتصويت وفرز الأصوات وترتيب المتنافسين على العضوية في المجالس المنتخبة أو هيآت الحزب ومؤسساته، كما هو واضح في تدخل سليمان العمراني النائب الأول للأمين العام لحزب العدالة والتنمية، خلال تأطيره دورة تكوينية نظمتها الكتابة الجهوية لحزب العدالة والتنمية بجهة كلميم وادنون ليلة السبت 27 يونيو 2020، من كون (قواعد الممارسة الديمقراطية. . ترتكز بالأساس على نظام انتخاب المسؤولين، وإعمال قاعدة التداول على المسؤوليات، فضلا عن الالتزام التنظيمي بقرارات المؤسسات والاحتكام إلى القانون والمؤسسات).

وهذا الرأي يضع البيجيدي وقيادته في مأزق دستوري ومؤسساتي، فبغض النظر عن الديمقراطية التقنية التي يمارسها الحزب داخليا، فإن تسيير الدولة وإدارة الشأن العام يقتضيان نفس الالتزام “بقرارات المؤسسات والاحتكام إلى قانون المؤسسات” التي شدد عليها  العمراني.

إلا أن الممارسة التي أبان عنه وزراء البيجيدي ومواقف أعضائه تكشف عن تناقضهم، بحيث أظهروا عدم احترام التزاماتهم الدستورية والقانونية حين يتعلق الأمر بالجانب المهني أو المؤسساتي.

فقد كشفت الأيام الأخيرة عن خرقين خطيرين للقانون وللدستور اقترفهما وزيران من حزب العادلة والتنمية على مدى سنوات عديدة ويتمثل في حرمان مستخدَميهما من حق الانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي والاستفادة من خدماته ضدا على القانون.

ما يؤكد بأن أعضاء الحزب غير مقتنعين بأهمية قوانين الدولة ولا بضرورة تطبيقها من أجل الحفاظ على السير العادي لمؤسسات الدولة خدمة للمصلحة العامة. ذلك أن الامتناع عن التصريح بالمستخدَمين لدى مؤسسة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يحْرم هذا الأخير من الانخراطات التي تغذي ماليته ويغطي بها التزاماته نحو الأعضاء النشيطين (التغطية الصحية)، وكذا الأعضاء المتقاعدين وذوي الحقوق بضمان معاشاتهم.

الأمر الذي يهدده بشكل جدي بالإفلاس، ومن ثم تعطيل مؤسسة من مؤسسات الدولة. لكن الفظيع في فضيحة الوزيرين هو انتصار أعضاء الحزب لهما والدفاع عن خرقهما للقانون وهضم حقوق الأجراء وفق مبدأ “أنصر أخاك ظالما أو مظلوما”.

فالالتزام الذي نوّه به العمراني في صفوف أعضاء الحزب تجاه قوانينه الداخلية ومؤسساته لا يجسدوه داخل مؤسسات الدولة.

كما أن حرص الأعضاء على بقاء الحزب واستمرارية مؤسساته في أداء أدوارها ومهامها لا يوازيه حرص مماثل منهم على مؤسسات الدولة واستمراريتها، من هنا يمكن الاستنتاج أن وفاءهم للحزب يسمو على وفائهم لمؤسسات الدولة، بدليل أن الانتصار للوزير في خرقه للدستور وللقانون هو انتصار للحزب وولاء له على حساب الدولة والوطن.

فبدل الاستنكار والمطالبة بالمحاسبة والإقالة ما دام الجُرم يمس بمصداقية المؤسسات وسمعة المغرب لدى الهيآت الدولية، سارعوا إلى اتهام الخصوم بالتآمر على الوزراء والانتقام منهم، بل ومحاربة الحزب كما ادعى العمراني ( أن الاستهداف الذي يتعرض له العديد من قياديي ومسؤولي الحزب سواء في الحكومة أو في الجماعات الترابية، مؤشر دال على النجاح المقدر للحزب في تدبير شؤون المواطنات والمواطنين).

لا شك أن هذه الفضائح القانونية التي تورط فيها وزراء البيجيديئ تبين أن الاهتمام بالمسألة الاجتماعية لدى الإسلاميين من خلال جمع التبرعات وشراء الأضاحي وتقديم المساعدات العينية والمادية للأسر المعوزة ليس هدفا في ذاته وإنما يكون لأهداف سياسوية وانتخابية تؤهلهم للحصول على المراكز والمكاسب.

فأن يُحرِم القيادي والوزير في حزب العدالة والتنمية كاتبته من الاستفادة من خدمات صندوق التضامن الاجتماعي دليل عن أن المسألة الاجتماعية وسيلة ومصيدة للضعفاء وليست غاية ؛ إذ لو كان الأمر فعلا مبدئيا لجعل الحزب الذي يسيّر الحكومة تسجيل المستخدَمين وتطبيق قانون الشغل من أولوياته ولسارع أعضاؤه إلى الوفاء بالتزاماتهم القانونية والدستورية.

لكن الحزب الذي يعلن على لسان أمينه العام السابق ضرورة أن ترفع الدولة يدها على التعليم والصحة لكن يجعل من أولوياته الحكومية توفير وضمان الخدمات الاجتماعية.

بل الأدهى والأمر، هو ما تداولته بعض المواقع الالكترونية من كون رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، رفض أن تخضع ملفات مستخدميه بعيادته الطبية ومدى تصريحه بهم لدى صندوق CNSS، لأي افتحاص من طرف مفتشي الصندوق وفق ما ينص عليه القانون.

فكيف لرئيس الحكومة المسؤول دستوريا عن تطبيق القانون أن يتخذ مثل هذا القرار ويضع نفسه وعيادته فوق القانون؟ وأية مصداقية للتحذير الذي أطلقه محمد امكراز وزير التشغيل، من كون صندوق الضمان الاجتماعي مهددا بالإفلاس بسبب نضوب الاحتياطات وضعف الانخراط وتسجيل المستخدمين وهو واحد من الذين لم يصرحوا بالعاملين تحت إمرته بمكتب المحاماة؟ إن المتمعن في ممارسات مسؤولي البيجيدي، سواء داخل الحكومة أو خارجها، يستنتج أنهم ينهجون أسلوبا لا يدين بالولاء والاحترام للدولة ومؤسساتها، ومن ثم فهم يتخذون لهم منهجا يحرّض على التمرد وعصيان المؤسسات والقوانين الجاري بها العمل.

فالديمقراطية ليست مجرد آليات تقنية بقدر ما هي قيم ومبادئ موجِّهة لسلوك المواطنين والمسؤولين داخل مؤسسات الدولة وفي الحياة الخاصة. والامتثال للواجب واحترام مؤسسات الدولة وفصل السلط وإنفاذ القانون إحدى أهم أسس الديمقراطية وقيمها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى