رأي/ كرونيك

كبرياء الشعب في مواجهة إغراء المال..المغاربة مدعوون لتحمل مسؤولياتهم و قطع الطريق على هذا الخيار المخيف

شائت اعتبارات تاريخية و سياسية و سوسيولوجية معروفة ببلادنا أن تتسخ الانتخابات عندنا بالمال و أن يحشد و يشحذ مفسدوا حياتنا السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية السماسرة و المضللين و محترفي شراء الذمم على مشارف كل استحقاق يتعشم فيه الديمقراطيون الإمساك بطرف أمل من أجل مشروع الإصلاح .

عشنا ذلك في جميع المحطات الانتخابية إلى غاية 1997 ، تلك المحطات التي سبق و أن قال عنها الفقيد عبد الرحمان اليوسفي ، في وصف دقيق و عميق و مختزل ، بأنها كانت كل شيء إلا انتخابات.ومع ذلك سمحت لنا طبيعة الصراع السياسي و أطرافه و تضاريسه بفهم دواعي ماكان يدفع إلى تزوير الإرادة الشعبية ، سواء حصل هذا التزوير بالتدخل الإداري السافر أو عبر الإغراق بالمال أو من خلال ماكان يطلق عليه بالحياد السلبي أي غض السلطات الطرف عن فضائح المفسدين.لقد كان المسوغ الغير معلن من طرف أجهزة الدولة ، آنذاك ، هو أن المجال السياسي التقليدي ، الذي كانت تتمركز فيه كل السلطات ، لا يمكنه تفويض تدبير الشأن الحكومي إلا للمحسوبين على الحكم و أن كل شيء مباح و متاح لكي لا تتبوئ القوى الوطنية و الديمقراطية مكانتها اللائقة من منطلق أنها تنازع المؤسسة الملكية في العديد من القضايا كالدستور و الإصلاحات السياسية و التوجهات الاقتصادية و الوضع الحقوقي .

في خضم دخول البلاد مرحلة الانتقال الديمقراطي ، بعد مخاض عسير و معقد من الأحداث و المعطيات و المفاوضات و الزخم الاجتماعي و السياسي و الحقوقي ، بدأ منذ مايو 1990 و استمر حتى انتقال الملك في يوليوز 1999 ، انتظر الجميع أول انتخابات في العهد الجديد و التي نظمت عام 2002 و توقع أنصار الإصلاح و المشروع الديمقراطي ومعهم عموم المواطنين و المحللين ، بداية نهاية تدخل المال و الحظوة و إعدام أية شائبة قد تسيء لمصداقية العمل السياسي و للمؤسسات الدستورية و لسمعة المغرب ، نظرا للسياق و التوجهات المعلنة و السقف العالي للمبادرات التي قادها عاهل البلاد . وبالفعل أجمع الفاعلون و المتتبعون على أنها كانت الانتخابات الأقل سوءا رغم وجود رأي آخر ، هو للحقيقة فيه شيء من السداد ، مفاده أن الانتخابات إما أن تكون نزيهة أو مزورة و لا معنى للحديث ، في شأنها ، عن مفهوم دخيل على الأعراف الديمقراطية خاصة و أن أول النتائج السياسية المترتبة عن تلك الانتخابات كان هو الخروج عن المنهجية الديمقراطية ناهيكم عن كونها لم تسلم من لسعات المال الغادرة .

خلال انتخابات شتمبر 2007 ، عاين الجميع بلوغ المنطق السائد في تدبير الحقل السياسي و عدم توفق التحولات التي كانت جارية في إحداث وقع ملحوظ على الوضع الاجتماعي ، عاين الجميع بلوغهما مداهما و شاهدنا كيف نالا من صبر الناس و أفضيا إلى تعاظم الاستياء و إلى أرقام مخيفة لعزوف الناخبين عن صناديق الاقتراع مع ما يحمله العزوف من دلالات و من رسائل و من مخاطر .و بدل إخضاع موقف الأغلبية الصامتة للفحص و التمحيص و للقراءة النقدية و المتأنية ، تم التسريع بفكرة تلقيح المشهد السياسي بوافد جديد انتهى به المطاف ليصبح عنوانا لأزمة سياسية حادة أثبتت أن اعتماد المال و النفوذ لا ينتج سوى امتعاض جزء عريض من الناخبين و أن ردة الفعل تكون إما عزوفا أو تصويتا على الإسلام السياسي أو تبنيا لخطاب العدم . و لعل هذا ما يفسر ، إلى حد كبير ، نتائج 2011 و 2015 و 2016 و نسب المشاركة فيها و حدة التوترات الاجتماعية التي تخللت العقد الأخير خاصة في مناطق بعينها.

إنه لمن أبجديات الانتقال نحو الديمقراطية ، في الحالات المشابهة للمغرب ، توفر الإرادة السياسية لاستئصال ورم المال من الانتخابات و السياسة و لوضع حدود واضحة بين المصالح الاقتصادية و آليات صناعة القرار السياسي. لذلك نظن أن هناك خلل ما في مكان ما حين نسمع ما يروج عن إمكانية مداهمة أصحاب المال للانتخابات و عن سيناريو تمكنهم من اكتساح المؤسسات و عن إعادة إنتاج نهج شراء الضمائر بالإغراءات و بالإيحاء بأنهم هم- هم النفوذ و السلطة و الجاه .طبيعة المرحلة و متطلباتها على كافة الأصعدة لا تستقيم ، إطلاقا ، و ما يتردد حاليا حول عقد قران المال و السلطة و من البديهي ، جدا ، أن يعرب أنصار الإصلاح عن قلقهم البالغ اتجاه هذا الاحتمال.

المغاربة مدعوون لتحمل مسؤولياتهم كاملة و قطع الطريق على هذا الخيار المخيف عبر المشاركة المكثفة و التصويت ضد كل من يلوحون بالمال و يحتقرون كبريائنا الجماعي .

أبناء و حفدة عبد الكريم الخطابي و موحى حمو الزياني و شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي و علال الفاسي و عبد الرحيم بوعبيد و علي يعتة و المحجوب بن الصديق و سعيدة المنبهي و كل رموز الكفاح الوطني و النضال الديمقراطي على موعد فاصل في تاريخ بلادنا .موعد حسم النزال مع من يصنعون الفقر بالسياسات العمومية و يعودون لشراء ضمائر الفقراء و استغلال الحاجة و العوز للظفر بالمؤسسات و القرار .

أهمية الانتخابات تكمن في كونها آلية ديمقراطية تمكن من إحداث التوازن اللازم بين السلط و من فرز الحقيقة السياسية و الاجتماعية كما هي و في تمكين الإرادة الشعبية من التعبير عن نفسها في أجواء تباري البرامج و الرؤى و الحلول لقضايا البلاد و الناس . لذلك فإن ما يبعث على الدهشة هو قفز بعض الجهات ، في مقاربتها للشأن السياسي و تقديرها للموقف المطلوب الآن ، قفزها على هذا المبدإ الكوني و جعله ثانويا أمام ضرورة تجنب اجترار ما أفضت إليه إكراهات احتواء مفاجئات ربيع عربي مر من هنا ناهيكم عن إسقاطها للرهان على التوجهات الوطنية و التقدمية المؤهلة ، أكثر من غيرها ، لبلورة دولة الرعاية الاجتماعية و عدم انتباهها لمخاطر استمرار المال في صناعة الخريطة السياسية لبلاد تنتقل نحو الديمقراطية و لها وضع جيوستراتيجي خاص و قضايا معروضة على المحافل الدولية .

الانتخابات العامة ل 08 شتمبر 2021 يجب أن تنسجم و نفس الأوراش الكبرى المطروحة للإنجاز على صعيد الدمقرطة و التحديث و التنمية و العدالة الاجتماعية و أن تعد الفضاءات التمثيلة الكفيلة بوضع لبنات صلبة في أفق مغرب 2035 و أن تقدم أوراق اعتمادها ناصعة البياض لمصالحة الناس مع السياسة و لتشجيع الشباب على ولوج الشأن العام. الدولة ملقى على كاهلها اتخاذ نفس المسافة من كل الأحزاب و ردع تدخل المال في انتخاباتنا و عموم فئات شعبنا على عاتقها إثبات نجاعة المضادات الحيوية المقاومة للفساد و للمفسدين و تذكير كل من يهمه الأمر بأن الضمير الجمعي للمغاربة أكبر و أسمى و أنقى من أن يخضع للمساومة و المقايضة و الابتزاز و التشييء.

دستور يوليوز 2011 و القوانين ذات الصلة جعلوا السلطة التنظيمية و الصلاحيات الواسعة للجماعات الترابية تنبع من صناديق الاقتراع .لذلك على الشعب الوقوف بوعي و كبرياء و حضارة حتى لا تتكرر أخطاء اقترفت في الماضي البعيد و القريب و حتى لا يهدر المزيد من الزمن السياسي و من المواعيد مع التاريخ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى