حين كانت قاعة الأساتذة: فضاء للحوار قبل أن يغزوها التفكير الوهابي التكفيري
يشدني الحنين إلى أيام زمان، عندما كانت قاعة الأساتذة تشكل فضاء لتبادل الأخبار النقابية و الثقافية و السياسية، كما مثلت فضاء للنقاشات الأدبية والفكرية والجمعوية، استمرارا لما كان يجري بحرم الكليات بالمغرب .
التآزر الاجتماعي حاضر بقوة بين موظفي المؤسسة التعليمية عموديا و أفقيا، كان يطبعه الحوار الجاد و المسؤول، بتفكير عقلاني علماني ديمقراطي تقدمي بامتياز.في جو يطبعه الاخاء و المحبة، ومن بين مظاهر تأتيت قاعة أسرة التعليم :
– الاختلاط في القاعة بين الأستاذات و الأساتذة، في الجلوس جنبا الى جنب .
– اختلاط صوت النساء و الرجال في الكلام والضحك .
– كانت تحية الصباح ،هي صباح النور و صباح الخير وتحية المساء كانت مساء الخير ، مساء النور. باللغتين العربية والفرنسي .
– كانت أسرة التعليم، يضرب بها المثل في الأناقة على مستوى اللباس و ماركات العطور وتسريحة الشعر .
– في نهاية كل عطلة بينية أو مناسباتي، يجري بين الأساتذة و الأستاذات أحاديث عن السفريات. وحكايات الغرائب التي شاهدوها .
– في نهاية الموسم الدراسي، تجري احتفالات داخل المؤسسات التعليمية، تقدم فيها هدايا للتلاميذ المتفوقين، في حفل غنائي رفقة آلة العود الكل يغني الشيخ إمام ومارسيل خليفة وسعيد مغربي .
أما اليوم ماذا جرى؟
تتعرض قاعة الأساتذة للقصف الوهابي و الفكر المتطرف، أصبحت القاعة زاوية بها مريدون ودعاة التكفير والتبليغ، جميع النساء يغلفن رؤوسهن و يجلسن في صف بعيد عن الرجال، لا تسمع منهن لا سلام ولا كلام، أما الرجال ينصب كلامهم وذكرهم حول كتاب البخاري و ابن تيمية ومالك و عذاب القبر، وفتاوى أئمة الحرمين.
وإن وجدت أستاذة لوحدها بقاعة الأساتذة، يحرم عليك الدخول عليها فأنتظر ثالثا لكي لا يدخل الشيطان بينكما، و يجب الحرس كل الحرس في التحية باللغة العربية وليس لغة الكفار: السلام عليكم، فكلمة صباح الخير ومساء الخير مرفوضة في التحية،لأنها دخيلة من أرض الكفار، ولا يجب مخالطة النساء واللمس باليد .
أما زي هذه المخلوقات، فهو الحجاب للنساء و اللباس الأفغاني للرجال مع سدل اللحي ومحو الشارب …. يبدأ الكلام وينتهي ب جزاك الله خيرا و الحمد لله على كل حال، هذا من فضل الله …ولا حديث إلا عن التواب و الآخرة و الأجر، وحور العين و الإعجاز العلمي في القرآن – مع العلم أن فكرة الاعجاز العلمي طرحت كقضية في الكنيسة الكاثوليكية في عصر النهضة الاوربية – و العقيقة و أمسيات العزاء والذكر و تحريم الموسيقى والرقص والمسرح و السينما كلها آتية من أرض الكفار، مع تحريم تعليق الصور في البيت …أثناء اذان العصر يتركون أقسامهم، ليصطفوا في قاعة للصلاة ، يعتبرون، أن تخلف المسلمين العرب اليوم، يرجع لتخليهم عن الدين.وعندما تقول له لا علاقة بين التخلف والدين، وتدافع عن فكرتك بالقول: ولماذا الغرب متقدم بالرغم أنهم ملاحدة أو مؤمنين غير ممارسين يتهمك بأنك علماني، باعتبار أن العلماني في نظرهم هو الملحد .
معجم حديثهم بعيد كل البعد عن منطق الحق والواجب والعلاقات الاجتماعية داخل الدولة الحديثة، يؤمنون بالشفقة والإحسان والمغفرة والثواب والعقاب والأجر والجزاء والصدقة وتعدد الزيجات وفرض الحجاب و الحرس على الصلاة في أوقاتها ولو كان وقت التدريس.
في يوم دار حديث بيني وبين أستاذ الرياضيات يعتبر ذاته أكثر إسلاما من باقي الأساتذة :
-قلت له : ما الفرق بين الصدقة والواجب ؟
-قال : ان ثقافة الواجب دنيوية أما ثقافة الصدقة فهي للأخرة .
-قلت له: ماذا تفضل بناء مدرسة أم بناء مسجد ؟
-قال : المدرسة قضية دنيوية أما بناء مسجد معناه الحصول على قصر في الجنة .
-قلت له بمعنى إن بناء مسجد هو استثمار في العالم الآخر . قال نعم وشرارة نار تخرج من عينيه مصوبة نحوي .
-قلت له : إن توزع القفة على المحتاج تعوده على الكسل والاتكالية والتبعية على طريقة النظام الفيودالي، كما أن القفة هي مراهنة على الانتخابات .
-قال : بل هي صدقة ، فصمت.
– قلت له : الإنسان في حاجة إلى كرامة وعزة النفس لا إلى صدقة مؤقتة .
هكذا، فالداعية الإسلامي يعيش تناقضات في سلوكه ومعجمه اللغوي ولباسه وطموحه السياسي السلطوي كما يعيش أزمة انتماء