ذاكرةسياسة

“دابا بريس” تواصل نشر حلقات الصحافي حفيظ وتفاعله مع حركة 20 فبراير..وحلقة اليوم “الانقلاب”

هذه الزاوية، التي وصلت اليوم حلقتها  18، توثق لكتابات صحافي عاش تجربة الصحافة الحزبية، وإن بطريقة نقدية وبكثير من المسافة عن الحزب، من خلال جريدة “النشرة” التي كانت الشبيبة الاتحادية قد أصدرتها، ورسمت لنفسها خطا مشاكسا للخط الرسمي للاتحاد الاشتراكي، ثم انتمى إلى تجربة أخرى، من خلال جريدة “الصحيفة”، التي انخرط عبرها في معركة بناء صحافة مستقلة وحرة، بعيدة عن جبه الأحزاب وألسنته المتعددة، الكابحة أحيانا لصياغة الخبر وصناعة الرأي العام المستقل، وبعيدة بنفس القدر عن سطوة إعلام السلطة.
في هذه الحلقات، تواصل “دابا بريس” نشر الافتتاحيات التي كان محمد حفيظ كتبها قبل عشر سنوات، بجريدة “الحياة الجديدة”، التي أصدرها بعد توقف “الصحيفة”، في إطار مواكبته لانتفاضات ما سمي إعلاميا ب”الربيع العربي” ونسخته المغربية التي أطلقتها “حركة 20 فبراير”، وتفاعله بالرأي والتعليق مع ما تلا ذلك من أحداث وتطورات…
وهي الحلقات التي نتعرف من خلالها على آراء ومواقف إعلامي حرص في تجربته الصحافية على اتخاذ المسافة عن الدولة، بنفس المستوى الذي اتخذها إزاء انتمائه السياسي والحزبي.

محمد حفيظ

الحلقة 18: الانقلاب

ما الذي طرأ، حتى وقع ما شهدته العديد من المدن المغربية يوم الأحد 22 ماي؟ كيف «انقلبت» السلطة في تعاملها مع مسيرات وتظاهرات حركة 20 فبراير؟ لقد كانت المسيرات تمر في جو هادئ وبأسلوب حضاري أثار إعجاب الملاحظين في الداخل والخارج. بل حين حدث ذلك التدخل الأمني العنيف يوم 13 مارس بالدار البيضاء ضد وقفة شباب 20 فبراير أمام مقر الحزب الاشتراكي الموحد، أُبْلِغْنا بأنه كان مجرد «حادثة سير». اعتذر والي الأمن للصحافيين، وطويت صفحة تلك «الحادثة».

واطمأن عدد ممن بقي في نفوسهم شيء من الشك، بعد المسيرات الموالية، إلى حسن الطوية لدى السلطات. لكن، فجأة، سيحدث «الانقلاب». ظهرت مؤشرات هذا الانقلاب أسبوعا قبل 22 ماي، بمدينتي الرباط وتمارة، حين تم منع الوقفة (النزهة الاحتجاجية) أمام مقر مديرية مراقبة التراب الوطني (الديستي)، ومنع التظاهر في شوارع العاصمة.

لا يمكن تفسير هذا «الانقلاب» بالاكتفاء بالقول إن السلطة ضاقت ذرعا باستمرار هذه المسيرات، أو أن صبرها نفذ، أو أنها عادت إلى عادتها القديمة، بقمع التظاهر واستعمال العنف. مثلما لا يكفي أن تردد السلطة أسطوانة «الترخيص» التي لجأت إليها حتى قبل أن يحل 20 فبراير، تاريخ أول مسيرة من مسيرات الحركة الشبابية، دون أن يكون لها أي أثر في عدم تنظيم المسيرات. محمد الصبار نفسه هو الذي كان قد ساهم، قبيل تعيينه أمينا عاما للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، في صياغة رد المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير على والي الرباط، ليدافع بفصول من القانون عن عدم قانونية إشهار السلطة لسلاح «الترخيص»، بعد أن كان والي العاصمة منع كتابةً تنظيم المسيرة بدعوى عدم الحصول على ترخيص السلطات.

الدولة لا تقول الحقيقة حين تلجأ إلى مبرر «الترخيص». وإلا لكان يجب أن يخضع مسؤولوها المعنيون إلى المساءلة، لأنهم سمحوا مرات عديدة بتنظيم مسيرات في مختلف مدن المغرب بدون حصول المتظاهرين على «ترخيص».
إذا كانت الدولة، بما أقدمت عليه يوم 22 ماي، قد انتهكت الحق في التظاهر وفي السلامة الجسدية لمواطنيها بفعل الاعتداءات العنيفة التي مارسها عليهم عناصر أجهزتها الأمنية، فإنها تمارس «التعتيم» على المواطنين، حين لا تكشف عن الأسباب الحقيقية التي كانت وراء إصدار قرار مركزي يمنع مسيرات حركة 20 فبراير وإعمال درجات قصوى من العنف. ومعلوم أن التعتيم، خاصة في مثل هذه الظروف، لا يقل خطورة على الاعتداءات المذكورة.

نوجد، اليوم، في لحظة مفصلية ودقيقة. وهي لحظة لا تسمح لأي أحد، كيفما كان موقعه، أن يستهين بها. إن أي خطأ أو سوء تقدير في الحساب قد يكلف بلادنا ثمنا باهظا. ولذلك، ليس من حق أي كان أن يحسب لوحده. والدروس القريبة منا مازالت طرية، وفيها ما يكفي من العبر.


لا يُقْبَل أن يبرر البعض ما وقع يوم 22 ماي بتعاظم مشاركة «جماعة العدل والإحسان» في أنشطة حركة 20 فبراير، أو بالتحاق تيار «السلفية الجهادية» بميادين الحركة. فحق التظاهر لا يقبل التمييز بين مغربي وآخر. أما إذا تجمعت للدولة وأجهزتها المخابراتية معلومات أو معطيات تفيد بأن هناك «مشروعا» خفيا، غير ما نشهده في شوارع مدننا ونشاهده على لافتات مسيرات 20 فبراير، يجري التحضير له في الظلام، ويستهدف مصالح المغاربة ومكتسباتهم وحقوقهم، فإن المسؤولية تلزمها بالكشف عما لديها، حتى يكون الجميع على بينة من أمره. فلا يمكن أن يُطلب من كل مغربي على حدة أن يؤلف لوحده هذه الرواية دون أي يتوفر على سند مادي وملموس، ويعتمدها لفهم «انقلاب» الدولة على حركة 20 فبراير.

وَاهِمٌ من كان يظن أن «جماعة العدل والإحسان» ستركن إلى «جلسات النصيحة» في بيوت أعضائها، وتكتفي بالتفرج من بعيد على مسيرات وتظاهرات تجوب شوارع وأزقة وساحات مدن المملكة، حتى تنال رضى الأطراف السياسية الأخرى.
«العدل والإحسان» تنظيم سياسي. وإذا كان يكتفي سابقا، بـ«جلسات النصيحة»، والتي كانت نفسها تتعرض للمنع والتضييق، فإن ذلك لا يعني أنه لم يكن يتشوق إلى الخروج إلى الشارع، ليقول كلمته ويستعرض قوته ويشارك في صياغة بنود ما سيأتي. وحتى إذا كانت «جماعة العدل والإحسان» تنفي هذا الأمر، فإنها لا تقول، هي أيضا، الحقيقة للمغاربة.
هناك مشكلة مع تنظيم سياسي اسمه «العدل والإحسان». وهي مشكلة قديمة وليست جديدة. وإذا كانت التطورات الحاصلة في المنطقة تقتضي حل هذه المشكلة، فينبغي حلها بعيدا عن حركة 20 فبراير.


لا يجدر بنا أن نقلص الآفاق الرحبة التي فتحتها حركة 20 فبراير. إنها آفاق تتجاوز ما هو حزبي وتنظيمي، بل وما هو سياسي وحتى انتخابي، إلى ما هو ثقافي وتاريخي. لقد أعادت إلينا حركة 20 فبراير الثقة في شبابنا، وأعادت إلى شبابنا الثقة في وطنه وفي إرادته، وجعلته ينخرط في صناعة مستقبله بيديه. فلا تضيعوا هذه الثقة.

26 ماي 2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى