رأي/ كرونيكمغاربية

بونيت يكتب: جوار آخر…أو سوء الفهم الكبير في معرفة بعضنا جزائريين و ومغاربة..

ما لمسته من واقع تجربتي وزياراتي للجزائر والتقائي بعدد من المثقفين والفنانين الاصدقاء هناك، هو أننا جميعا، نحن وهم، لا نعرف عن بلدي بعضنا شيئا كثيرا، لا سيما فيما يخص الديناميات السياسية التي تعتمل في كل بلد، وتؤثر في الأطراف كلها في ذلك البلد. ما نعرفه فقط هو القشور او ما يتناهى الى أسماعنا او من خلال قراءات مجتزأة عن الأوضاع هنا وهناك. والنتيجة هي استعادة نفس الصور النمطية الغالبة على الأذهان.

بونيت4
بقلم الكاتب والباحث الأدبي عزالدين بونيت

وغالبا ما كانت نقاشاتنا نحن واصدقائنا تغرق في الدهشة والاستغراب حين يسمعون او نسمع تفاصيل لم يكن من الممكن إدراكها عن بعد. لذلك، لا ألوم المثقفين النزهاء هنا، وخاصة هناك، إذا وجدوا أنفسهم سجناء لأفكارهم المسبقة (أو بالأحرى، أفكارهم المشتركة، عن هذا الآخر، التي ترعرعوا تحت سطوتها؛ ما داموا لم يتمكنوا من الوصول الى زوايا نظر أخرى، او لم يتح لهم الاطلاع على حقائق أخرى.

لهذا، نرى ان من المفيد جدا ان نولي عناية كبرى لمد جسور التواصل ونركز أكثر على إتاحة وتنمية فرص العمل المشترك لمعرفة الآخر بشكل أفضل. هذا مثلا ما كرس له الفرنسيون والألمان، بعد حروب طاحنة متجذرة في الوعي الجمعي للشعبين الفرنسي والألماني، مؤسسات وبرامج عمل مشترك، لتجاوز الهوة بينهم، بل كرسوا له أداة إعلامية هامة هي مؤسسة arte المعروفة، اقتناعا منهم بأن مناطق الظل الكثيرة التي تكتنف العلاقات بين الشعبين والثقافتين والدولتين، والاقتصادين، هي بالذات التي تستغلها في كل مرة القوى الرجعية لتغذية روح الانكماش والقومية القاتلة، وتقوية فرص وصولها الى الحكم. مثل هذه المقاربة، لجأت لها ايضا الديبلوماسية الأمريكية عقب احداث 11شتنبر الرهيبة، حين طرحت الأوساط المعنية بالتخطيط والتفكير الاستراتيجي في امريكا، السؤال: لماذا يكرهوننا؟ وكان الجواب العملي إعلاميا (من خلال مشروع قناة الحرة) وثقافيا واجتماعيا من خلال برامج منظمات دعم الديمقراطية والتنمية وقوى المجتمع المدني وتشكيل اوساط ونخب قادرة على القيام بدور الرابط او الجسر (أو ربما الطابور).

غير ان مثل هذا الجهد لدينا تعوزه الارادة السياسية من الطرفين، على الأقل الى حد الآن. لكن لا شيء يمنع الطرف المغربي الذي عبر رسميا عن رغبته في فتح صفحة جديدة مع الجار، من اعتماد هذه الخطوة بشكل أحادي، وذلك من خلال التفكير في برنامج عمل يضع نصب عينيه تبديد العتمة وسوء الفهم القائمين فعلا بين النخب في البلدين. مثل هذه المبادرة ينبغي ان تكون عبارة عن برنامج لتمويل وتهيئة كل الفرص لتعبئة تواصل بناء للمجتمع المدني والمثقفين والفنانين، خارج كل وصاية رسمية، وبعيدا عن اي منطق للإرشاء أو الإغراء المحدود الأفق. ومن المفيد في هذا السياق ان يتم التفكير في توفير منبر إعلامي مغاربي، هدفه هو العمل على إقامة تواصل بناء بين كل مكونات شعوب المغرب الكبير، يكون بديلا ومتميزا عن المنابر القائمة حاليا، والتي لا تعمل سوى على تكريس الجهل المتبادل وتوسيع الهوة بين الشعبين والنخبتين، وتكريس التجاهل التام لبقية أرجاء المغرب الكبير وشعوبه.

يمكن ان يتخذ هذا البرنامج، كإطار مؤسساتي، شكل وكالة للعمل المغاربي، محددة الأهداف، توضع تحت الوصاية القانونية للدولة في شخص رئاسة الحكومة، وتتمتع باستقلالها التدبيري، وتكون مهمتها هي التخطيط، ومواكبة المبادرات وتمويل المشاريع التي يتقدم بها المجتمع المدني المغاربي، داخل المغرب، وفي البلدان المغاربية والإفريقية التي تقبل التعاون في هذا المجال.

سيكون مثل هذا البرنامج لو قيض له ان يرى النور، منصة للديبلوماسية الناعمة الموازية، وإطارا لعمل الشعب المغربي الصحراوي الوحدوي للتعريف بوجهة نظره في النزاع المفتعل حول انتمائه الوحدوي. وكشف تهافت الاطروحة الانفصالية وإظهار انها ليست وحدها التي تمثل تطلعات ساكنة اراضي الصحراء، وتفكيك الخلفيات القبلية والجيوسياسية لهذا النزاع، وتذويبها حتى إزاء من يساندون عن جهل موقف الجزائر والبوليزاريو في الدول الأخرى غير المعنية بالنزاع مباشرة، وخاصة في اوروبا وأفريقيا.

التواصل هو أنجع بديل للتشنج، وأبلغ وسيلة لمواجهة الفقر في الخيال السياسي المهين لدى الجزائر الرسمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى