
الروائي خالد أخازي يكتب: نقول كلمتنا ونمضي… شمعة مضيئة في وجه العبث
ها أنا ذا أنخرط في الديمقراطية التي لا تقنعني تجلياتها ولا جل نخبها السياسية، بترحالها وريعها ومافياتها وجزاريها…
بعدما كنت أرى ألا جدوى من الانتخابات المغربية التي تدار بالمال لا بالأفكار، وبالقرار لا بالصوت… وبالتوجس لا بالثقة… وبشبكات ومافيات الريع لا بالتعاقدات المجتمعية…

كنت لا أرى نفعا من عملية مزيفة لا تفرز إرادة شعبية، بل تصنع الجياع والمتلمقين والمتزلفين و الكسالى والفاسدين…
كنت أتابع تلك الجمعيات مثلا التي يتم صناعتها بيد الناخبين الكبار من بورجوازية عفنة وملاكي أراض اغتنوا من هبات الدولة ومن السطو المشرعن…
كنت أرى تلك الجمعيات التي تعقد جموعها في الخيال وتزوع الأدوار بينها…. تستفيد من كل الامكانيات.. مقرات من عقار الدولة، وتسهيلات تقنية وإدارية للاستفادة من المنح وأموال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية..
جمعيات الجيل الجديد من جمعيات البحار والمحيطات لكن ذات طبيعة أخطر…. لأنها نووية… تتكاثر كالفطر… وقد تجد الوجوه نفسها في جمعيات المعاقين والمرضى وتصفية الكلى والقطاع الحقوقي والمخيمات والتعليم الأولي والسجون والقراءة والصحافة والنقابة والجمعيات المهنية..و…و…
ولا عملة لها غير الولاء للناخب الكبير… الكريم جدا…
كنت أرى هذا الولاء الكبير لرؤساء الجمعيات ومن يدور في فلكهم لناخب كبير قديم مزمن، الذين هم وسطاؤه لدى الناس، وباسمه يوزعون المال والقفف ويتوسطون لدى مصالح متعددة… فأزداد خيبة ويأسا… فلا طريق لربح معركة مع فساد معقد ومتعدد الأطراف..
فهم يشكلون شبكة قوية من المصالح المتبادلة، يتقاسمون الغنيمة مقابل الولاء واستمالة الأرامل والمطلقات والفقراء والعاطلين وحتى البلطجية…
كنت… فعلا وأنا أتابع هذا الاغتيال للحلم المغربي، بيد الفساد وممتهني الانتخابات وأثرياء السياسية الريعية… أشعر بالإحباط… وتتملكني قناعة أنا لا قدرة لنا على منافسة هؤلاء… فنحن لا نملك غير الأفكار والأفكار لا تملأ توا قفة بالزيت والسكر والشاي، ولا تمنح الغازوال ولا وصلات سحب الأدوات المدرسية مجانا، ولا قدرة لنا على مواجهة البلطجية وقطاع الطرق واللصوص في الأزقة والشوارع…
وقد رأيت أطيافا من اليسار، بدل أن تغير اللعبة، وتقاوم هذا العفن، خارت قواها، وقبلت بقوانين اللعبة القذرة، واختارت أن تكون منهم فاختارت أسهل الحلول واستمالت الديناصورات الانتخابية و حقائب المال المتنقلة، وفتحت الباب للمافيات وللشبكات وتخلت عن مناضليها، لأنها ذاقت جرعة من الحكم، فأدمنت نبيذه وفسيفساءه… فأصبح كل ذي مال ونفوذ قبلي حاكم حزب تليد، في الواجهة مناضلون مغبونون، وفي المسؤوليات تجار انتخابات أو أشباه مناضلين متواطئين مقابل نصيب من غنيمة الحكم والمؤسسات الدستورية والعمومية…
ها أنا ذا بعدما كنت أرى ألا جدوى من المشاركة الانتخابية التي ليست غير آلة لتدبير الزمن السياسي، و لا يمكن أن نكون نحن… نحن الذين لا نملك غير مشروعنا المجتمعي… مادة تشحيم لمحركها، وأحمر شفاه على عفن مزمن…
هل تغيرت…؟ هل أغرتني اللعبة وأنا أعلم أنني أراهن على حصان الأفكار الذي يجري في سباق لم ينطلق بعد لكن الخيول السمينة والحمير الغبية وصلت باكرا… بل لم تعد أبدا… إلا أنها تصل دوما قبل الجميع… بكل المنشطات التي حقنت بها من دم الشعب وعرقه وخيراته ومقدراته..
لم أخف يوما أنني يساري… نشأت في حزب التقدم والإشتراكية… وحملت مع التهامي الخياري مشروع حداثة اشتراكية، حتى تبين لي أننا فقط مجرد حطب في حرب حول الزعامة… فأعلنا منذ سنوات رفقة المرحوم الدكتور كوزة أحمد الالتحاق بالحزب الاشتراكي الموحد… لأننا لا نملك غير الأفكار… وهذا الطيف السياسي ينتج الفكر والمعرفة… والنخب … لكنه غير مهوس بالسلطة…
وها أنا الآن بعدد تردد ألبي دعوة رفاقي للترشح كوصيف في لائحة الشمعة البرلمانية… تكاد حظوظي تكود منعدمة… كما لبت زوجتي المربية نداء الرفاق وترشحت كوكيلة للائحة النساء عن مقاطعة عين السبع، وعن العمالة في الجهة….
لم نطلب الترشح…. فلسنا قادرين على مواجهة كل العبث في الشارع ولسنا قادرين على منافسة الحيتان والقراصنة…
لكن… عدم التصويت ورفض الترشح بحجة فساد اللعبة، هو تمكين اللصوص والفاسدين من لعبة سهلة، ومن النوم المريح، وتفويت فرصة للقاء الناس … لنقول كلتمنا ونمضي…
سنقول كلمتنا… سنواجه البلطجية والمؤلفة قلوبهم والضحايا من الفقراء والمعدمين الذين تمت استمالتهم بالمال الوعود… بما نملك من رصيد معرفي وثقافي وفهم لشعبنا وأزماته…
سنقول للناس … أين مكمن الداء… سنفتح عيونهم ونمضي… سلاحنا الكلمة…. فما أحوج شعبنا اليوم إلى الثقة… فالثقة حين تنعدم تسهل مأمورية الفساد والمال الوسخ، ومع الوقت… حين يتم استنزاف مضادات اليأس اجتماعيا… نكون قدمنا خدمة للتطرف…
صدقوني… فالتطرف… يصنعه فقد الثقة أكثر ما يصنعه الفقر… يصنعه النهب والافتراس… حين يخلف ألغام اليأس في نفوس هشة وبيوت واهنة….
سنكون صرحاء… فالعطب كل العطب في الاستعباد… سنحاول أن نوقظم من مخدر العطاء والرياء… ومن فتة وسحر العطاء الاستعبادي… فهو يعطون ليستعبدوا ويجعلوا الأسر في وضع حاجة وعوز مستمرين… ريع اجتماعي يصنع في كل محطة انتخابية جيش المصوتين المسلوبي الإرادة الحقيقية…
سيكون خطابنا خطاب الكرامة والعدالة لا العار و استعباد الفقراء بالعطاء والقفف…والكذب…
سنخرج… حتى نربك حساب الانتهازيين … سنربك حساب من يعولون على المقاطعة … وعلى القطيع….والريع …
فالكثير يمكن فعله للمغاربة… فقط البداية هي اسقاط الفساد والتحكم في اللعبة الديمقراطية، والخروج من ديمقراطية النظام إلى نظام الديمقراطية…