رأي/ كرونيكسياسة

مشكل العلاقة بين السياسة والأخلاق (من خلال نـقد محمد سَبِيلَا)

دخل أستاذ الفلسفة، محمد سبيلا، في حرب ضد كل ما هو «نضالي» أو «اشتراكي». وأخذ يُبشِّر باكتشافاته ”الفلسفية“ الجديدة. كأن محمد سبيلا وصل، في آخر حياته، إلى خلاصات ”منيرة“، أو ”حكيمة“. وخلال أكثر من شهر، فتحت جريدة “المساء” لمحمد سبيلا رُكْنًا متواصلًا على صفحتها الأخيرة، تستجوبه عن فتوحاته ”الفلسفية“ الخارقة.
ويزعم محمد سبيلا أن ”المناضل الاشتراكي“ لا يختلف عن ”الإرهابي الإسلامي“، من زاوية مناهج التَّـفكير، والقِيم، والأهداف، والأساليب. [أنظر مقال رحمان النوضة، “نقد أنصار الرأسمالية”، (https://wordpress.com/read/blogs/19553947/posts/2431)%5D.
ومعظم تصريحات محمد سبيلا تصبّ في نفس الاتجاه. حيث يقول: ”الاشتراكية هي أكبر كذبة“، و”الاشتراكية هي مجرد وهم“. و”المناضل الاشتراكي لا يختلف في جوهره عن الإرهابي الإسلامي“، إلى آخره. ومعظم المناضلين الاشتراكيين عبر العالم يعرفون جيدًا هذه الأطروحات القديمة. لأنها ظهرت منذ ظهور حلم التحرّر من الرأسمالية، أو الانتقال إلى الاشتراكية، خلال القرن الثامن عشر.
أنا احترم محمد سبيلا، وأعتبر أنه من حقّه أن يُدافع عن أفكاره وقناعاته. لكنني أختلف معه، وأعتبر أنه من حقّي، أنا أيضًا، أن أنتـقد أطروحاته.
يتكلّم محمد سبيلا كأنه يُحلّل تجربة ”حزب الاتحاد الاشتراكي“ بالمغرب، أو كأنه ينتـقد أفكاره، وتصوراته، وسلوكياته. لكن عندما يتمعّن القارئ في أطروحات محمد سبيلا، يجد أنها أطروحات يمينية، وأنها تُدَعِّم وتُنَظِّر لمواقف وسلوكيات تيار إدريس لَشْكَر اليميني، الذي يُسيطر على هذا الحزب. ومحمد سبيلا يتبرَّأ من سلوكيات تِيَّار ادريس لشكر، لكنه يلتقي معه في العمق، على مستوى الأفكار والمبادئ السياسية. لأن ادريس لشكر يُطَبِّق بالضّبط الأطروحات السياسية التي ينادي بها ويُبرِّرها محمد سبيلا.
ويدافع صراحةً محمد سبيلا على منظور بورجوازي للعمل السياسي. ومعظم أعضاء ”حزب الاتحاد الاشتراكي“، وكذلك معظم أعضاء الأحزاب اليمينية، أو الرأسمالية، الموجودة في العالم، يقولون نفس الشيء الذي اكْتَشَفَه محمد سبيلا في آخر حياته. وهو أن «السياسة هي فَنُّ النفاق والانتهازية». ومعظم مناضلي البلدان الناطقة بالعربية، يدركون أن مثل هذه القِيَم والتصوّرات الانتهازية، هي التي خرّبت أوطانهم.
ويدافع محمد سبيلا مرارًا عن «مرونة الفاعل السياسي الذي يمكن أن ينقلب 180 درجة، وأن يبرّر ذلك» (المصدر: جريدة “المساء”، العدد 3670). وأضاف محمد سبيلا: «المَكْر، وسُوء النِّيَة، من الشروط البِنْيَوِيَّة العُضوية الأساسية للعمل السياسي. و[الشخص] الذي لا يتوفّر على هذه الشروط، لا يمكنه أن يلج عالم الفعل السياسي» (نفس المصدر السابق). وزاد محمد سبيلا قائلا: «الكذب فضيلة سياسية، بل إنه ضرورة سياسية». وكُلُّنا نعرف أن محمد سبيلا لا ينفرد بهذه الأطروحات، وإنما مجمل السياسيين الفاسدين أو المستبدّين، سواءً في بلادنا أم في بلدان أخرى، يمارسون مثل هذه السّلوكيات.
ونتساءل: لمن يكتب محمد سبيلا هذه الأفكار؟ ولمن يوجّه هذه النصائح؟ هل يوجّهها إلى الفاعلين السياسيين الذين يهيمنون على المغرب ويفترسونه؟ هؤلاء السياسيين المُفْتَرِسِين، لا يحتاجون إلى الاكتشافات النظرية لمحمد سبيلا. فَغَرَائِزُهم الحيوانية تَكْفِيهِم لكي يُطَبِّقًوا هذا التوجُّه. وهل يوجّه محمد سبيلا نصائحه إلى المناضلين الثوريين الذين يرفضون كل سياسة تُعاكس العدل أو الأخلاق؟ التَمَعُّن في أطروحات محمد سبيلا يُبَيِّن أن اجتهاده هو عمل يميني، بل “رجعي”، ويضرّ بالمجتمع، ولا يفيده.
عندما أَصف أفكار محمد سبيلا بِكونها «رجعية»، هل أمارس السبّ أو القذف؟ كلَّا! ولماذا؟ لعدّة أسباب. محمد سبيل يقول «المَكْر، وسوء النّية، من الشروط البنيوية العضوية الأساسية للعمل السياسي… والكذب فضيلة سياسية، بل إنه ضرورة سياسية». ومحمد سبيلا لا ينتقد، وإنما يُنظِّر خِصْلَةَ النِّفَاق، ويُبرّرها، ويمجّدها. كيف ذلك؟
إذا فحصنا مختلف بلدان عالم اليوم، سنجد أنها نوعان: نوع من البلدان (مثل المغرب، والجزائر، ومصر، والعراق، والسعودية، والإمارات، إلى آخره)، تُمَارَسُ فيها ”السياسة“ فعلًا كَـ ”فن الكذب، والانتهازية، والنّفاق، والغش، والفساد“. ويوجد نوع ثان من بلدان العالم، تفرض فيها ”دولة الحق والقانون“ (ولو كانت نسبية) بأن يَـتَـقَيَّـد فيها كل الفاعلين السياسيين بالقوانين، وبالأخلاق. لهذا نجد مسؤولين كبار في هذه الدول، بما فيهم رؤساء دول، يُحاسبون في هذا النوع الثاني من البلدان، ويعاقبون على كل كذب، أو غشّ، أو فساد، ثَـبُـتَ ضدّهم. وكأمثلة على ذلك، نجد الرئيس “دُونَالْدْ تْرَامْب” في الولايات المتحدة الأمريكية مُتابع في قضايا تتعلق بالجنس، والغشّ في الانتخابات عبر تواطؤ مع جهات روسية، والتهرّب من بعض الضرائب. ونجد في فرنسا أن الرئيس الأسبق “جاك شيراك” تُوبِعَ وحوكم في عدّة قضايا، أبرزها قضية المَاس (diamants) عُمَر بَانْغُو. ونجد أن الرئيس “نِكُولًا ساركوزي” تُوبِعَ وحوكم في قضية تمويل جزء من حملاته الانتخابية بأموال غير شرعية. ونجد في كوريا الجنوبية أن البرلمان صوّت بالأغلبية المطلقة لصالح إقالة الرئيسة السابقة “بَارْكْ جُونْ هِي” [Park Geun-hye]، ثم وافقت المحكمة الدستورية على عزلها من منصب رئاسة الجمهورية، بعدما ثَبُتَ تورّطها في رَشَاوَى من شركة “سامسون”. إلى آخره. ما معنى هذه الأحداث أو الأمثلة؟ معناها أن الدولة التي تكون ”دولة حق وقانون“ (ولو نسبيًّا)، لا يُسمح فيها لأي فاعل سياسي، ومَهْمَا عَلَى شأنه، بأن يخرق القانون، أو الأخلاق، أو أن يُمارس الكذب، أو الغشّ، أو الفساد! وأمام مثل هذا المشهد السياسي العالمي، نجد أن محمد سبيلا، بِتَنْظِيره للكذب والنفاق، يدفعنا إلى تقليد النوع الأول من البلدان المتخلّفة، بدلًا من أن يحثّنا على الاقتداء بالنوع الثاني المتقدّم من بلدان العالم. وعليه، فَدَعَوَات محمد سبيلا تكتسي طابعًا متخلِّفًا، أو “رجعيا”.
وعلى عكس ظنون محمد سبيلا، تبقى أفكاره متخلّفة حتى بالمقارنة مع أفكار ”مَاكْيَافِيلِّي“، لأن هذا الأخير، في بعض فقرات كتابه ”الأمير“، يشير إلى أن كل سياسة لا ترمي إلى تحقيق العدل في المجتمع، يكون مآلها حتمًا، وفي آخر المطاف، هو الفشل والزوال. [وقد فصّلتُ في ذلك في كتابييَّ بالفرنسية : (Le Politique)، و(L’Ethique politique)، ويمكن تحميلهما بالمجّان من مدوّنتي (https:///LivresChauds.Wordpress.Com)%5D.
وأضاف محمد سبيلا: «من الصّعب تحويل الإنسان إلى كائن عقلاني»، أو عادل. ولو كان محمد سبيلا يعطي هنا لكلمة «صعب» معنى أن محاولة “تحويل الإنسان إلى كائن عقلاني” أو عادل، هو عمل يتطلب جهدًا جَبَّارًا، ونضالات مجتمعية متواصلة، وطويلة الأمد، لَكُنْتُ قد اتـفـقتُ معه. لكن إذا اعتبرنا أطروحات محمد سبيلا الأخرى اليمينية، ندرك أن محمد سبيلا يعني أن تحويل الإنسان إلى كائن عقلاني أو عادل، هو محاولة “مستحيلة”. وإذا كانت أطروحة محمد سبيلا السابقة صحيحة، ماذا يبقى لنا إذن في هذه الحالة؟ لا يبقى لنا، حسب ”فلسفة“ محمد سبيلا، سوى القبول بواقع المجتمع كما هو، والقبول بالرأسمالية المتوحشة، والقبول بالاستبداد والفساد، وأن نرضى بأن نكون كلّنا حيوانات تفترس بعضها بعضا، بدون شفقة، ولا أخلاق، ولا عدل، ولا مبادئ، ولا حقوق إنسان. وإلى متى؟ إلى أن تؤدّي أنانية البشر، وانتهازيتهم، وحماقاتهم، إلى فناء البشرية.
ولكي نسير في هذا التوجّه ”السًّبِيلَاوي“، لا نحتاج لِـ ”فلسفة“ محمد سبيلا، ولا إلى أية ثقافة، أو علم، أو تكوين. وإنما يكفي أن نطلق العِنَان لغرائزنا الحيوانية، وأبرزها الأنانية، والانتهازية، والنفاق، والغشّ، والغدر، والفساد، والاغتناء غير المشروع، وغير الأخلاقي. وهذا ما لا يقبله أي مواطن يتشبَّـثُ بالأخلاق، أو يطمح إلى العدل المُجتمعي.
ومن منظورنا، لا يمكن أن يكون أي عمل سياسي محترمًا، أو نبيلًا، أو مقبولًا، إلَّا إذا كان مُلْتَزِمًا باحترام العدل والأخلاق. [أنظر كتاب رحمان النوضة: “L’Ethique politique”، ويمكن تحميله بالمجان من مدوّنته: (https://livreschauds.files.wordpress.com/…/livre-lc3a9thiqu…)%5D.
أنا أعتقد بتواضع، ولو أنه من الممكن أن أخطئ، أن واحدا من بين الخلافات النظرية والسياسية التي عِشتُها في الوسط الطلابي، خلال سنوات 1970، على شكل نقاشات وصراعات سياسية وفكرية، بين “الحركة الاتحادية” (أي الحركة التابعة لحزب “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية”، ثم “حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”) من جهة، ومن جهة أخرى “الحركة الماركسية اللينينية”، هو إشكالية “العلاقة بين السياسة والأخلاق”.
وكثير من المناضلين الحاليين بالمغرب (في سنة 2018)، لا يعرفون أن مثل هذه الخلافات والصراعات وقعت خلال سنوات 1970. ومن بين نقط الخلاف النظري والسياسي الذي كان موجودًا بين “الحركة الماركسية اللِّينِينِية” بالمغرب من جهة أولى، ومن جهة ثانية “الحركة الاتِّحَادية”، جوهر هذا الخلاف هو أن “الحركة الماركسية اللينينية” كانت أكثر إِصْرَارًا على أن يلتزم كل فاعل سياسي باحترام الأخلاق (إذا كانت حميدة)، والقوانين (إذا كانت عادلة). بينما كانت نسبة هامّة من مناضلي “الحركة الاتحادية” تقبل الفصلَ بين السياسة والأخلاق. وكانت “الحركة الاتحادية” تزعم أن العمل السياسي يستوجب بالضرورة قدرًا محدّدًا من الكذب، أو التحايل، أو النِّفَاق، أو الغشّ، أو الانتهازية. بينما ترفض مبدئيًّا “الحركة الماركسية اللينينية” أي سلوك انتهازي في العمل السياسي.
وقد خُضنا صراعات سياسية ونظرية، مريرة وحادّة، مع بعض المناضلين “الاتحاديين”. وكنا نقول لهم: كل عمل سياسي لا يلتزم بالأخلاق يتحول في آخر المطاف إلى جرائم. وكانت “الحركة الماركسية اللينينية” تقول لبعض المناضلين “الاتحاديِّين”: إن القبول بقدر قليل من الانتهازية في العمل السياسي يؤدي حَتْمًا إلى تلويث العمل السياسي كلّه بالغشّ، والنفاق، والخداع، والغدر، والاستبداد، والفساد، والاستلاب. وهو ما ليس في صالح الشعب.
أنا لم أقصد أبدًا (كما تصوّر البعض) أن المناضلين “الاتحاديين” كانوا دائما يكذبون، أو يغشّون، أو يناورون. على عكس ذلك الظّن، كانت لنا علاقات متعدّدة ومتنوعة مع كثير من المناضلين “الاتحاديين”، وخاصة في أجنحته اليسارية. ونكنّ (في الماضي، وفي الحاضر) لكل هؤلاء المناضلين “الاتحاديين” التقدير والاحترام. وأنا لا أزعم أن مناضلي “الحركة الماركسية اللينينية” كانوا، أو ما زالوا، كلهم معصومين من الأخطاء. بل لنا نحن أيضا أخطاء، أو نقائص، أو نقط ضعف، أو حتى انحرافات (أنظر في هذا المجال كتابي النقدي تحت عنوان: “نقد أحزاب اليسار بالمغرب”، ويمكن تحميله من مدوّنتي الشخصية).

صورة تعبيرية عن الرأسمالية
وفي تقديري، أن ما يطرحه اليوم السيد المحترم محمد سبيلا، كمناضل هام سابق في “حزب الاتحاد”، لم ينزل فجأة من عدم، أو من السماء. وإنما هو امتداد لتلك الظاهرة التي أشرتُ لها سابقًا. وأطروحات محمد سبيلا هي تعبير عن آراء كانت منتشرة داخل حزب “الاتحاد”. وتاريخ “حزب الاتحاد” يشهد على ذلك ويؤكّده. ومعظم الانشقاقات والصراعات السياسية التي اشتعلت داخل “حزب الاتحاد”، كانت تُطرح فيها، ولو جزئيا، إشكالية الصراع حول مدى الالتزام بالأخلاق في العمل الحزبي أو السياسي. ويمكن لأي مهتم أن يبحث مثلا في مواقف، وممارسات، وأقوال، وكتابات، بعض المسؤولين الاتحاديين، خلال سنوات السبعينات، وخاصة في ما يجري “داخل” الاجتماعات الحزبية الداخلية، وسيكتشف أن الثقافة السائدة في “حزب الاتحاد” كانت تسمح، أو تتقبّل، ما يعبّر عنه اليوم محمد سبيلا في مجال “العلاقة بين السياسة والأخلاق”، رغم أن محمد سبيلا يقدم هذا النوع من “العلاقة بين السياسة والأخلاق” كاكتشاف شخصي جديد، بينما هو في الواقع قديم.
وقد قال محمد سبيلا مِرارًا وتكرارا أن «الاشتراكية هي مجرّد وهم»! لنفرض أن كلامه صحيح. وفي هذه الحالة، ما هي نتيجة هذا التصريح؟ نتيجته المباشرة هي أن الحقيقة الوحيدة القائمة، الحتمية، والأزلية، في العالم كلّه، هي الرأسمالية! بمعنى أن محمد سبيلا، المناضل السابق في “حزب الاتحاد الاشتراكي”، يقول لنا: “لا تحلموا بالوصول في مستقبل مجهول إلى الاشتراكية، إنها مستحيلة، وما عليكم سوى أن تخضعوا للرأسمالية، رغم كل ما فيها من استغلال، واستبداد، وفساد”. هذا هو ”التبشير الفلسفي الجديد“ لمحمد سبيلا!
وتَـتَّسِمُ هذه الأفكار، التي يُبشِّر بها أستاذ الفلسفة محمد سبيلا، بكونها محافظة، ويمينية، ومناصرة للرّأسمالية. ورغم أن محمد سبيلا اختلف مع قيادة ”حزب الاتحاد الاشتراكي“، ثم ابتعد عن هذا الحزب منذ سنوات، وذلك في إطار صيرورة تَـفَكُّك وانحلال هذا الحزب، فإن الأفكار اليمينية التي يُبشِّر بها محمد سبيلا تنتمي عضويًا لظاهرة انحلال ”حزب الاتحاد الاشتراكي“، وتعبّر جيّدًا عن التِّيه الفكري، والانحراف القِيمي، اللذين أصابا هذا الحزب.
وفي العمق، فإن انحطاط أفكار محمد سبيلا ترتبط عضويا بالانحطاط السياسي والأخلاقي الذي سقط فيه “حزب الاتحاد الاشتراكي”، رغم أن محمد سبيلا ابتعد عن هذا الحزب منذ سنوات.
وفي الختام، لنحاول توسيع تفكيرنا. إذا نحن أنهينا هذا المقال عند هذه النقطة، فإننا سنكون قد “ظلمنا” محمد سبيلا. و”الظلم” مرفوض، لأنه يتنافى مع “الأخلاق”، حتّى ولو كانت المساطر “القانونية” القائمة لا تجرّم هذا “الظلم”. فإذا أنهينا هذا المقال هنا، فإننا سَنُعطي للقارئ انطباعًا خاطئًا بأن كل شيء في بلاد المغرب هو على أحسن ما يُرام، وأن المشكل الأساسي في المغرب هو أن شخصا اسمه محمد سبيلا قال: «المَكْر، وسُوء النِّيَة، والكذب … [ضروريِّين] في العمل السياسي». لكن الحقيقة هي أن محمد سبيلا ليس حاكمًا، ولا وزيرًا، ولا مسؤولا كبيرا في الدولة، ولا منتخبا في البرلمان أو في المجالس المحلّية، ولا فاعلًا اقتصاديا هامًّا، ولا مسؤولًا حزبيًّا. وإنما محمد سبيلا هو مجرد مواطن متواضع، يدرّس الفلسفة، ويتكلّم، ويخطب، ويكتب، وينشر. لكن محمد سبيلا لا يؤثّر، لا في الحياة السياسية، ولا الاقتصادية. بل المشكل الأساسي في بلاد المغرب، هو أن معظم أفراد الطبقة الحاكمة، وكذلك أفراد الطبقة السياسية، ومعظم الفاعلين الاقتصاديين، ومعظم المسؤولين الحزبيين، معظمهم لا يتكلّمون، ولا يخطبون، ولا يكتبون، وإنما يمارسون يوميًا، في العَلَن أو في السِرِّ، يمارسون الكذب، والتحايل، والخداع، والغشّ، والنفاق، والتزوير، والنّهب، والفساد، والاستبداد. معظمهم يخرقون القانون، ويدوسون الأخلاق. هذا هو المشكل المجتمعي الحقيقي. ومأساتنا الكبيرة، هي غالبية شعبنا تسبح في الجهل، والتخلّف، والخضوع، والانحطاط. بل تُمارس غالبية أفراد شعبنا الأنانية، والغش، والانتهازية، في مجمل الميادين. لكن هذا موضوع آخر (حَلَّلْتُه في كتابي “نقد الشعب”). وواجبنا، ليس هو الانشغال بمواطن بسيط مثل محمد سبيلا، وإنما هو نـقد هؤلاء الأشخاص السائدين في المجتمع، وفضحهم، ومحاسبتهم. فمحمد سبيلا يتكلّم ولا يؤثّر، بينما أفراد الطبقات السائدة والمُسْتَغِلَّة، المستبدِّين والفاسدين، يُؤَثِّرُون، ويقرّرون، ويحدّدون مصيرنا، مصير الخضوع، والاستبداد، والاستغلال، والتّفـقير، والتخلُّف، والألم، والانحطاط المجتمعي. فالمشكل الهام يوجد هنا، وليس في محمد سبيلا. وبه نختم هذا المقال.
رحمان النوضة (في 22 غشت 2018).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى