الرئسيةمجتمع

دراسة حديثة تسلط الضوء على واقع الهدر المدرسي في مختلف الأقاليم المغربية

تحرير: جيهان مشكور

كشفت دراسة علمية حديثة، أنجزها باحثون مغاربة ونشرت في العدد الأخير من المجلة المحكمة “Heliyon”، عن معطيات مهمة تسلط الضوء على واقع الهدر المدرسي في مختلف الأقاليم المغربية، مع التركيز على المناطق الجنوبية التي سجلت أدنى معدلات لهذه الظاهرة على مستوى المملكة.

وجاءت الدراسة تحت عنوان “العوائق الإقليمية المسببة للهدر المدرسي المبكر في المغرب.. تحليل مكاني متعدد التغيرات”، حيث اعتمدت  على منهجية تحليلية دقيقة استندت إلى دراسة 75 إقليماً من خلال ما يقارب 100 متغير، شملت التنوع اللغوي والثقافي، والهيكل الديمغرافي والأسري، بالإضافة إلى العوامل المرتبطة بحجم الأسرة ومدى إلمام السكان المحليين باللغات الأجنبية.

ومن أحد أبرز الاستنتاجات التي توصلت إليها الدراسة هو الارتباط الوثيق بين تعدد الزوجات وارتفاع معدلات الهدر المدرسي، حيث تبين أن الأطفال المنتمين لأسر متعددة الزوجات يواجهون خطراً أكبر في ترك مقاعد الدراسة في وقت مبكر مقارنة بغيرهم، ويُعزى هذا الأمر إلى عدة عوامل متداخلة، من بينها الضغط الاقتصادي الذي يواجهه مثل هذا النوع من الأسر، إلى جانب التحديات الاجتماعية والاختلالات في توزيع الموارد والاهتمام بين أفراد الأسرة.

من جهة أخرى، أظهرت نتائج التحليل أن الأطفال الذين يعيشون في مناطق تُوصف بكونها أقل كفاءة في اكتساب اللغات الأجنبية، خاصة الفرنسية والإنجليزية، يكونون عرضة بشكل مماثل لخطر التسرب المبكر من المدارس، ويعود ذلك إلى كون إتقان هذه اللغات يُعتبر عاملاً حاسماً في تحقيق النجاح الأكاديمي والانخراط في سوق الشغل مستقبلاً، مما يجعل ضعف المهارات اللغوية أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع هؤلاء التلاميذ إلى فقدان الدافعية التعليمية والتوجه نحو خيارات أخرى قد تكون أقل جدوى على المدى البعيد.

وبتحليل للمعطيات الإقليمية تم الكشف عن تفاوت واضح بين الأقاليم في تأثير العوامل الثقافية والاجتماعية على استمرار التلاميذ في التعليم، فعلى الرغم من أن المناطق الجنوبية للمملكة أظهرت معدلات هدر مدرسي منخفضة نسبياً، إلا أن بعض الأقاليم الأخرى، خاصة تلك التي تعاني من محدودية الوصول إلى فرص تعليمية متقدمة وتعتمد بشكل كبير على النظم التقليدية في التدريس، لا تزال تواجه تحديات كبيرة في الحد من هذه الظاهرة.

وبالنظر إلى المعطيات المستخلصة من الدراسة، يبرز دور السياسات التعليمية والتدخلات الحكومية في تعزيز بيئة تعليمية أكثر شمولاً وفعالية، حيث يصبح من الضروري تبني استراتيجيات متعددة الأبعاد تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الإقليمية والاجتماعية لكل منطقة.

إذ أن تحسين جودة التعليم، وتعزيز برامج دعم تعلم اللغات الأجنبية، إلى جانب توفير الدعم للأسر ذات الوضعية الهشة، تمثل خطوات أساسية للحد من ظاهرة التسرب المدرسي وضمان تكافؤ الفرص بين جميع التلاميذ.

في المجمل، تطرح هذه الدراسة رؤية شاملة للواقع التعليمي في المغرب، مسلطة الضوء على العوامل المتداخلة التي تؤثر على مسيرة التلاميذ الدراسية، مما يشكل دعوة مفتوحة لصناع القرار من أجل تطوير سياسات تعليمية أكثر دقة وملاءمة لاحتياجات مختلف الفئات المجتمعية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى