من الرياح الجافة لتصدير الثروات الزراعية.. حينما تتألق الفواكه في الخارج وتغيب عن موائد المواطنين
21/04/2025
0
تحرير: جيهان مشكور
وسط تحديات المناخ الجاف ونقص الموارد المائية، نجح المغرب في تعزيز موقعه على خارطة التجارة العالمية للمنتجات الفلاحية، حيث أوردت منصة «إيست فروت» أن المملكة تتبوأ المرتبة الثالثة عالميًا من حيث سرعة نمو صادراتها الزراعية، معززا بذلك مكانته كمصدر رئيسي للفواكه والخضروات في الأسواق الأوروبية والعالمية، لكن هذه المكانة لا تعكس بالضرورة رفاهية داخلية، بل تكشف عن فجوة متزايدة بين ما تنتجه الأرض المغربية وما يصل فعليًا إلى موائد الأسر، ما يثير تساؤلات حول دور الدولة في ضمان توازن بين التصدير واحتياجات السوق المحلية.
ما كشفت عنه منصة «إيست فروت» ، يعكس نجاح السياسات التصديرية، لكنه نجاح لا ينعكس بالضرورة على السوق الداخلية، حيث يسهم هذا التوجه نحو التصدير المكثف في تقليص العرض المحلي، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، فعلى سبيل المثال، تجاوز سعر الكيلوغرام الواحد من “الأفوكا” 50 درهمًا، و”الكيوي” 30 درهمًا، و”الموز” 15 درهمًا، و”التفاح” 25 درهمًا، بينما تراوحت أسعار أنواع أخرى من الفواكه بين 20 و30 درهمًا، هذه الأسعار تُثقل كاهل المواطن المغربي، خاصةً في ظل تراجع القدرة الشرائية.
في هذا السياق، انتقد تقرير لجمعية “أطاك المغرب” توجه الدولة نحو تشجيع الزراعات التصديرية على حساب الزراعات الموجهة للسوق الداخلية، مشيرًا إلى أن الصادرات الفلاحية لا تغطي سوى 52% من كلفة الواردات، مما يبرز هشاشة السيادة الغذائية للمغرب، كما أشار التقرير إلى أن 17% فقط من المساحة الزراعية مخصصة للمزروعات التصديرية، في حين تُهمش المساحات المرتبطة بالأمطار التي تنتج المواد الغذائية الأساسية مثل الحبوب والقطاني.
فيما يعزى جانب آخر لارتفاع أسعار الخضر والفواكه في السوق المحلية إلى كثرة الوسطاء والمضاربين، وارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب غلاء الأسمدة والمحروقات، بالإضافة إلى تأثيرات الجفاف، حيث كشف تقرير برلماني أن 70% من المنتجات الفلاحية تُباع خارج أسواق الجملة، مما يزيد من فرص المضاربة وارتفاع الأسعار. كما أشار التقرير إلى أن 32 مليون كيلوغرام من الخضر تضيع يوميًا بين أسواق الجملة والأسواق الأسبوعية والمحلية.
الطماطم المغربية: تميز عالمي وسعر محلي مرتفع
تعتبر الطماطم المغربية من بين أبرز المنتجات الزراعية المصدرة، لا سيما الأصناف الكرزية والعنقودية التي تحظى بشعبية كبيرة في الأسواق الأوروبية، ومع ذلك، تتسبب الأزمة المائية وانحباس الأمطار في بعض المناطق في التأثير على الأسعار المحلية، حيث تضطر العديد من الشركات المنتجة إلى رفع أسعار البيع للمستهلكين المحليين لتغطية تكاليف الإنتاج المرتفعة، وقد كشف تقرير صادر عن «المنتدى المغربي للزراعة» أن الأسعار في بعض الأسواق المغربية شهدت ارتفاعًا بلغ 30% في الأشهر الأخيرة.
الحمضيات المغربية: صادرات قوية وأسواق محلية متأثرة
تستمر صادرات الحمضيات المغربية في تسجيل نمو مستمر، مع تركيز رئيسي على أسواق أوروبا والولايات المتحدة، ففي موسم 2024-2025، يُتوقع أن تصل صادرات الحمضيات إلى 597 ألف طن، بزيادة 31٪ عن الموسم السابق، ما يضع المغرب في المرتبة الثالثة إفريقيًا بعد جنوب إفريقيا ومصر.
لكن هذه الزيادة الكبيرة في التصدير لم تنعكس إيجابيًا على الأسعار المحلية للمنتجات الزراعية، حيث يعاني المواطنون من ارتفاع الأسعار الذي يفاقم الأزمة المعيشية، إذ تتراوح أسعار البرتقال في بعض الأحيان إلى 10 دراهم للكيلوغرام الواحد، ما يشكل عبئًا إضافيًا على القدرة الشرائية للفئات الفقيرة والمتوسطة.
التوجه نحو أسواق جديدة: هل ستؤثر على الأسعار المحلية؟
ومع التوجه المتزايد نحو توسيع أسواق المغرب في جنوب شرق آسيا، خاصة في سنغافورة وماليزيا، تبرز الحاجة إلى مزيد من التركيز على استدامة الإنتاج المحلي وضمان توازن بين التصدير والاحتياجات الداخلية، في ظل استمرار ارتفاع الطلب على المنتجات الفلاحية المغربية في الأسواق العالمية، يبقى السؤال قائمًا: هل سيتسنى للمغرب تحقيق توازن بين طموحاته التصديرية وحماية قدرته الشرائية الداخلية؟
تأثير تصدير المنتجات الزراعية على الاقتصاد المحلي
الارتفاع المستمر في أسعار الفواكه والخضروات في السوق المحلية يعكس خللاً هيكليًا في السياسة الزراعية المغربية، حيث لا يُنظر إلى السوق الداخلية على قدم المساواة مع الأسواق الخارجية، ومنذ سنوات، يُنبه العديد من الخبراء إلى أن التركيز المفرط على تصدير المنتجات الزراعية دون مراعاة احتياجات السوق المحلي يؤدي إلى تفاوت في التوزيع، ما ينعكس على معيشة الأسر المغربية.
وتؤكد إحصاءات حديثة صادرة عن «المنتدى المغربي للزراعة» أن صادرات الفواكه والخضروات المغربية زادت بشكل لافت في السنوات الأخيرة، خاصة نحو أوروبا، حيث تمثل المنتجات المغربية نحو 40% من صادرات الطماطم و70% من صادرات الحمضيات إلى الأسواق الأوروبية، لكن في الوقت ذاته، يعاني المغاربة من تزايد الفقر وارتفاع أسعار السلع الأساسية، ما يجعل من الضروري إعادة التفكير في استراتيجيات التصدير بما يتناسب مع الأولويات المحلية.
فحسب تقرير صادر عن مؤسسة “تحديات المغرب” كشف عن معطيات مقلقة بشأن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمغاربة، حيث أشار إلى أن قرابة 15 مليون مواطن يعيشون تحت وطأة ضعف حاد في القدرة الشرائية، في وقت لا تتجاوز فيه 60٪ من الأسر الحد الأدنى من تلبية حاجياتها الأساسية.
هذا الواقع الاجتماعي الصعب يتزامن مع استفادة القطاع الفلاحي المغربي بشكل مكثف من دينامية التصدير نحو الأسواق الأوروبية ومن دعم مالي ولوجستي متواصل من الدولة، سواء عبر “مخطط المغرب الأخضر” الذي أُطلق سنة 2008 أو “الجيل الأخضر” الذي جاء لاستكماله لاحقًا.
غير أن هذه المخططات، ورغم حجم الاستثمارات الضخمة المرصودة لها، لم تُفلح في ضمان الأمن الغذائي الداخلي أو خفض الأسعار في السوق الوطنية، حيث لا تزال الفواكه والخضروات الأساسية تُباع بأثمنة تفوق القدرة الشرائية لأغلب المواطنين.
الفجوة التي تفصل بين ما يُحقق من أرباح عبر التصدير وما يُعانيه المستهلك المغربي داخل بلده، تُعيد طرح أسئلة حارقة حول نجاعة السياسات العمومية في القطاع الفلاحي، ومدى التزام الحكومة “التي تحمل شعار العدالة الاجتماعية في جميع خطاباتها” بإعادة التوازن بين التوجهات التصديرية ومتطلبات السوق الداخلية، في سياق يتسم بتزايد الهشاشة الاجتماعية وتآكل الطبقة المتوسطة.
إن المسألة لا تتعلق فقط بالاستثمارات في البنية التحتية الزراعية أو تعزيز الإنتاجية، بل تتطلب أيضًا إعادة تقييم شاملة للمنظومة الفلاحية والاقتصادية، واستحضار البعد الاجتماعي عند رسم توجهات الدولة في القطاع الفلاحي.
فرغم أهمية الأسواق الخارجية، فإن السوق الداخلي هو أساس الاستقرار، والأمن الغذائي هو حجر الزاوية في بناء اقتصاد عادل وشامل..