الرئسيةبيئةمجتمع

في حضن الأركان: حين تُعانق الشراكة التنمية وتُقاوم التصحر

بقلم: بثينة المكودي

في زمن يتأرجح فيه العالم بين نُذر التغيرات المناخية ونداءات التنمية المستدامة، تأتي غابة الأركان، بزخمها الإيكولوجي والاجتماعي، كأحد المعاقل التي لا تزال تُقاوم، ومن أكادير، على هامش الحدث الدولي حول التدبير المستدام للغابات، الممتد من 16 إلى 18 يونيو الجاري،  برزت خطوة جديدة تعكس تحولًا في الفهم والنهج، ليس فقط حماية الغابة، بل إشراك أهلها في تدبيرها.

ففي مشهد لا يُخفي رمزيته، وقّعت الوكالة الوطنية للمياه والغابات اتفاقيتين تعبّران عن إرادة جماعية لكسر مركزية القرار وفتح المجال أمام مستعملي الغابة ليكونوا شركاء لا مجرد متلقين للسياسات.

وتجدر الاشارة الى أن اتفاقيتان تحملان في مضامينهما روح الاستراتيجية الوطنية “غابات المغرب 2020-2030”، التي لم تعد ترى في الساكنة المحلية عبئًا على الغابة، بل ركيزة في حمايتها.

حيث الاتفاقية الأولى، مع الفدرالية الوطنية لذوي الحقوق، جاءت لتضعهم في قلب مشروع جماعي لحماية محمية الأركان، ذلك الامتداد الشاسع المعترف به كمحيط حيوي عالمي.

وأما الاتفاقية الثانية، فاختارت أن تبدأ من الأرض، من حاجيات ملموسة في منطقة أزيار، حيث ستُسقى 100 هكتار من شتائل الأركان، في مبادرة يبدو فيها الماء، مرة أخرى، أداة للحياة والربط بين الإنسان والشجر.

لا يمكن الحديث عن صون النظم البيئية دون عدالة مجالية

وجدير بالذكر انه ليست هذه الاتفاقيات مجرد أوراق موقعة، بل اختبارات لنمط جديد من التدبير، يُعوّل فيه على الجمعيات والتعاونيات والساكنة، لا كمجرد منفذين، بل كحَمَلة مشروع بيئي اجتماعي متكامل. تدبيرٌ مجتمعي للغابة، لا يُلغي أدوار الدولة، لكنه يعيد توزيعها، ويمنح للعلاقات الترابية معنى آخر، قائم على الثقة والمسؤولية والتشارك.

هذا ويعلن المغرب من خلال هذا الحدث، أنه لا يمكن الحديث عن صون النظم البيئية دون عدالة مجالية، ولا عن التشجير دون التفكير في من يسكن بجوار الأشجار؛ إنها دعوة لتجاوز منطق المشاريع الموسمية، نحو التزام طويل النفس، يُقدّر صمود الشجر كما يُقدّر صمود البشر.

ما أحوجنا في زمن الهشاشة المناخية، إلى تحالفات تجمع بين الطبيعة وأهلها

وما أحوجنا في زمن الهشاشة المناخية، إلى تحالفات تجمع بين الطبيعة وأهلها، وإلى نماذج تنمو من الأرض لا تُفرض من فوقها. غابة الأركان لا تطلب الكثير، فقط أن نُصغي إليها كما نُصغي لأصوات أهلها، وأن نمنحها فرصة لتُعلّمنا كيف يُمكن للتنمية أن تكون جذورها ضاربة في الأرض، وفروعها مفتوحة على المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى