أمريكا العاصفة: تاريخ من الغطرسة وتقويض السيادات في مرآة الحقائق
18/06/2025
0
بقلم: الاعلامي والروائي خالد أخازي
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وانبثاق نظام دولي جديد قائم على ميثاق الأمم المتحدة واحترام سيادة الدول، توقع العالم أن تعمل القوى العظمى كراع للسلام.
لكن مسار الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة في عصر دونالد ترامب، كشف عن نهج مُعَولم من الغطرسة يُجسد تناقضا صارخا للمبادئ التي ترفعها كشعارات.
قائمة السفارة الصينية، التي عممت مؤحرا والمبنية على وثائق تاريخية متاحة ومؤرخة بعناية، ليست اتهامات هامشية بل سجلاً دامغاً للتدخلات العسكرية الأمريكية المباشرة منذ 1945،
ضرب هيروشيما وناغازاكي (1945) كان جرماً إنسانياً لا مبرر له
فالقوة النووية الأولى والأخيرة فكت عقالها بضرب هيروشيما وناغازاكي (1945) كان جرماً إنسانياً لا مبرر له علمياً أو أخلاقياً، إذ أثبتت دراسات لاحقة (مثل تقرير “مسح قصف اليابان الاستراتيجي” الأمريكي نفسه) أن اليابان كانت على وشك الاستسلام، ثم دشنت أمريكا حروب بالوكالة وتدخلات سرية ب غواتيمالا (1954، 1960، 1967-1969) والدليل على ذلك التدخل الصارخ للإطاحة بحكومات ديمقراطية (كاربينتز) لصالح ديكتاتوريات موالية لواشنطن. إيران (1953) وإن لم تذكرها القائمة لكن التاريخ لا ينسى، هذه التدخلات شكلت دوما حجر الزاوية في سياسة قلب الأنظمة.
الحروب الطويلة المدمرة أيضا في الفيتنام ولاوس وكمبوديا (1961-1973) خلفت ملايين القتلى ودماراً بيئياً وإنسانياً لا يزال قائماً… هل ينسى العالم مأساة العراق (1991-2003 ثم 2003-2015) وأفغانستان (2001-2015) اللتين خلفتا فوضى مستدامة ومهددات إرهابية جديدة.
هل تسقط الذاكرة الإنسانية الضربات الأحادية الجانب المتعددة على ليبيا (1986، 2011، 2015)، السودان (1998)، والصومال واليمن… عمليات خارج أي إطار أممي، غالبا بناء على ادعاءات أمنية غير مثبتة أو بتضخيم مبالغ فيه للتهديد.
هل نحذف من سجلات التاريخ الخرق الصارخ للسيادة بدءا بغزو بنما (1989) لاعتقال رئيسها (نوريجا) في انتهاك فج للقانون الدولي…
ضرب أهداف داخل العراق سوريا ولبنان خارج الشرعية الدولية
هل نمحو بممحاة موالاة الضعف ضرب أهداف داخل سوريا (لبنان 1983-1984، سوريا 2014-2015) دون موافقة الحكومة الشرعية.
لا… فالغطرسة منهج: من مونرو إلى ترامب، فقد تطورت هذه السياسة من عقيدة “مونرو” (أمريكا للأمريكيين) إلى عقيدة “بريجنسكي” و”وولفويتز” القائمة على الهيمنة العالمية المطلقة. لكنها بلغت ذروة صلفها مع دونالد ترامب فمع ترامب غدا التهديد أسلوبا دبلوماسيا: “النار والغضب” ضد كوريا الشمالية، التهديد بتدمير إيران “بالكامل”، الابتزاز المالي والعسكري للحلفاء. لغة السوق السوداء محل لغة الدبلوماسية.
فحين كان ترامب يعلن الانسحاب الأحادي من اتفاقيات دولية حاسمة (باريس للمناخ، الاتفاق النووي الإيراني، منظمة الصحة العالمية أثناء جائحة)… كان العالم ينظر… كأن الخوف شله… وأمريكا تدير المصير العالمي بجنون وانانية غير مسبوقة .
هل يعول على العرب…؟ عبثا فتسليح الانتهاكات لبعض الأنظمة العربية دعم “جنوده” في (حرب اليمن)، دليل على أن العرب … تلاميذ نجباء في مصانع السياسة الخارجية الأمريكية.
أمريكا مدت نتنياهو بنفس جديد لضم الأراضي الفلسطينية
وأمريكا مدت نتنياهو بنفس جديد لضم الأراضي الفلسطينية مما رسخ فكرة أن الولاء للهيمنة الأمريكية فوق القانون الدولي، مع التمادي في تقويض المؤسسات الدولية، كهجوم ترامب المستمر على الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية (ICC) ومحاولة فرض عقوبات على قضاتها ليس سوى دفاع عن الإفلات من العقاب.
لكن الصمت المريب أمام ازدواجية المعايير وأسطورة “المجتمع الدولي” تصوغان السؤال الجوهري الذي تطرحه القائمة الصينية بإلحاح: أين كان المجتمع الدولي، وخاصة الغربي، خلال كل هذا؟ فغياب العقوبات مثار أسئلة كبرى… حيث لم تفرض تُفرض عقوبات جادة على الولايات المتحدة لخرقها ميثاق الأمم المتحدة أو سيادة دول.
آلية الفيتو في مجلس الأمن تشل الإرادة الجماعية أمام مصالح القوى العظمى، ولا تكفي الصيحات الخافتة، فبينما تُشن الحروب على دول مثل روسيا أو إيران لأدنى شبهة انتهاك، يتحول العدوان الأمريكي إلى “أخطاء تكتيكية” أو “ضرورات أمنية”.
الاحتجاجات الأكاديمية والشعبية (مثل تلك ضد حرب فيتنام أو العراق) نادرا ما تترجم إلى مواقف رسمية غربية حازمة. وأروبا الحزينة الجريحة مخدرة تاريخيا بالتبعية السياسية، حيث تعتمد دول أوروبية وغيرها على الحماية الأمنية الأمريكية ضمن حلف الناتو، مما يحد من قدرتها النقدية ويجعلها رهينة للهيمنة. وفي خضم هذا العبث تنهض الهيمنة الإعلامية والمالية، عبر السيطرة الأمريكية على المنظومة المالية العالمية (SWIFT، الدولار) وعلى جزء كبير من المنابر الإعلامية الدولية التي تخلق بيئة تخويف تثبط النقد الجريء.