ما حدث ويحدث في سورية منذ سقوط نظام الأسد، الممانع العنيد لكيان الاحتلال، زلزال ما تنفك ارتداداته تفعل فعلها في الصفائح التكتونية العربية، ارتدادات من نتائجها تفكيك الدولة الوطنية، تبديدُها، تَمزيقُها، وتَدنِّيها إلى طوائف، وعشائر، وميليشيات هجينة، متوحشة، يغلظ بعضها على بعض.
ما يجري في السويداء نموذج يُغني عن الباقي. الكل يعرف أن من يُضْرِم النعرات في الجسم العربي، ويدبر الفتن من المحيط إلى الخليج هو الكيان الصهيوني بمباركة أمريكية، وتكالب غربي، وبتواطُؤ عربي مخزي.
تواطُؤٌ هو، في آخر الأمر، تواطُؤُ الذات على الذات، وتواطُؤ “العبيد” مع “الأسياد”.
لم تكن خيوط المكيدة خافية، ولا الترتيبات” الرهيبة التي أوَّلُها غزة، وآخرُها التغلُّب، والإبادة، والمحو الشامل.
سقوط دمشق، سقوط للعروبة، و”طريق دمشق” هو الطريق إلى العروبة. “كوني دمشق/فلا يعبرون” (محمود درويش).
العروبة أيضاً تاريخ، تاريخ شامخ، لا يندى له جبين. العروبة التاريخية صنعها “الأسياد”، وكان لها سهم وازن في “عمران العالم”، وفي تجويد الوجود الإنساني.
في كتابه من “العروبة إلى العروبة” (2003) يقول عبد الإله بلقزيز “أن العروبة ليست أيديولوجيا من ابتداع نخبة، بل هي ماهية اجتماعية وثقافية وحضارية من نسج تاريخ طاعن في القدم”. ماهية منخرطة، منذ القدم، في مشروع “ثوري”، قوامه العقل، والعدل، والإعمار، والمروءة. لقد عرف المشروع، في المدة الطويلة، أطواراً من “التحضر”، وأخرى من “التدهور”، عصوراً من النهوض، وأخرى من النزول.
العبور من “العروبة إلى العروبة” يستوجب، من بين ما يستوجب، “إعادة الاعتبار إلى مضمونها الثوري الذي ابتذلته تجربة الممارسة (الحزبية السلطوية) في الأربعين عاماً الأخيرة” (بلقزيز)، والذي انقلبت عليه الأنظمة الرسمية لتُحوِّلَه، منذ طوفان الأقصى على وجه الخصوص، إلى عنوان للرضوخ، والإذعان، وإلى حال هوان ما بعده هوان.