رأي/ كرونيك

الذكاء الشعبي الجزائري أبهر.. أين ذكاء النخبة؟

كاتب وأستاذ جامعي جزائري

الذكاء الشعبي أبهر إلى حد الآن.. أبهر بتنظيمه، بوضوح هدفه، بسِلمِيته، ببهجة حِراكه، بوسائل الرصد لديه، بتمكُّنِه من الدِّفاع عن موقفه، بكل ما كَشفت عنه تلك المسيرات المليونية من حضارة ورقي وجمال.. أبهر بكل هذا، وتميز الشباب فيه بكل وضوح، هم غالبيته الساحقة وهم صانعوه، وهم من دفع الآباء والأمهات إلى مباركته لِمَا يحمِل من بوادر أمل في مستقبل زاهر ليس لأبنائهم فقط بل لكل الجزائر..

لا … لا تستطيع

هذه حقيقة لا جدال فيها، حقيقة شعب اعترف له العالم قبل اليوم بعبقريته، إلا أنها تبقى حقيقة مُعرَّضة للتغييب والتَّشويه والتحريف إذا لم ينبرِ لصيانتها ذكاءٌ من نوع آخر، هو ذكاء نخبة هذا الشعب القادرة على تمكينه من الحلول اللازمة ومن رسم معالم بقية الطريق والسهر على تحقيق الأهداف المنشودة.

أين هو هذا الذكاء؟ لِمَ لا يبرز وينتظم؟ لِمَ يترك آخرين ينحرفون بهذا التوجُّه العام إلى غير غايته؟ لِمَ يتردد في المبادرة بالحلول وبالاستراتيجيات، يطرحها على أرض الواقع لتحتضنها الجماهير؟ لِم يقف مكتوف الأيدي وكأنه ينتظر من الأبناء أن يقوموا بكل شيء، وكأنه مات، وكأنه لا شيء؟

أسئلة بحق تطرح نفسها اليوم، ونحن نعيش لحظات فارقة في عمر تطوُّرنا التاريخي، وفي مسار صناعة مستقبل بلدنا. ما الذي يمنع من الإجابة عنها؟ من الذي يمنع من أن تتحوَّل إلى حقيقة ماثلة للعيان نضع بها حدّا لكل تلك المناورات الخَفية عن أعين الشعب التي تريد أن تَسرِق منه هذه الحالة الراقية من الوعي؟

يبدو لي أنه علينا اليوم أن ننتقل إلى مرحلة نجمع فيها بين ثلاثة مستويات من الذكاء: الذكاء الشعبي والذكاء الفردي وذكاء النخبة، ولعل هذه الأخيرة هي الحلقة التي مازالت مفقودة إلى حد الساعة…

إننا نجد على أكثر من مستوى مبادرات على مستوى الذكاء الفردي، اقتراحات تنبثق من هذا أو ذاك، محاولات ذات قيمة عالية من حيث المحتوى والفكرة، ولكننا مازلنا إلى حد الآن لم نتمكن من بلورتها في شكل مشاريع تفكير جماعية يمكن أن يحتضنها الشعب وتُفَوِّت الفرصة على المُتربِّصين به الذين مازالوا يَخفون مشاريعهم تحت الطاولة لإخراجها في الوقت المناسب.

لذا، علينا أن نُسارع إلى سد هذه الثغرة القاتلة لكل الحِراك الشعبي، وأن نُبادر إلى تَجميع كل الذَّكاء الفردي الذي نملك في شكل ذكاء جماعي يندمج مع ذكاء الشعب، لِنَصنَع به التاريخ والمستقبل ونُعيد به الأمل لهذه الأمة حقا.

المصدر: الشروق الجزائرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى