ثقافة وفنون

الراحل أحمد غيلان: المثقف الاستثنائي او كما يسمونه “مصور الشعب”

المصطفي روض

وصلني خبر وفاة احمد غيلان عبر صفحتي بالفايسبوك مرسلا من قبل الصديق محمد شرادو، قرأته في أحد مقاهي الانترنيت ببلدية نونوا بسانتياغو عاصمة الشيلي، فلم أ صدق الخبر، في ذات الوقت، بكيت كعادتي عندما يموت أي صديق كبير تكون تجربة الحياة المشتركة معه نبعا فياضا للمحبة و للصداقة. احمد غيلان كان أ كثر من صديق، عرفته لاول مرة عام 1978 في نشاط ثقافي بقاعة عبد الصمد الكنفاوي كان مخصصا لقراءات شعرية لشعراء تقدميين كان ضمنهم عبد اللطيف اللعبي بعد اطلاق سراحه منذ فترة وجيزة. في هذا النشاط ستكون البداية للتعرف على غيلان كمثقف مهووس بقراء الكتب، مجمل الكتب الخاصة بكافة الاجناس الأدبية و الفكرية و النقدية. و في درب الصداقة الكبيرة التي جمعتني به، اكتشفت نبل غيلان و إنسانيته المتفردة و هوسه الاستثنائي للقراءة، و كلما جالسته لاحتساء فنجان قهوة معا، كنت أراه على صورة واحدة لا تتبدل، غيلان و هو يناقشني بهدوئه و طيبوبته، يكون “مدججا” بمجموعة من الكتب و المجلات الثقافية العربية والمغربية و التي غالبا ما تكون حديثة الإصدار، كان أحمد يشبه في عشقه لسلاح الادب و المعرفة و العلم، عشق أي طائر لا يغرد إلا لعصفورته في إخلاص تام لمجال الثقافة و التثقيف الذاتي…عندما أدخل أجده لا يرفع راسه لأنه يكون منهمكا في القراءة التي اتخذها، منذ أن وعى بدورها الفعال، أ سلوب حياة، و لذك يشتري الكتب تلو الكتب و يؤثت بها جدران منزله لكي يحس بقربها منه، عندما طلب مني اول مرة لأتغذى معه في مسكنه الموجود بعمارة سينما فيردان، وجدت أن الكتب قد فاضت كثيرا و تجاوز كمها الفضاء المسموح لها به، و هو منشغل بإعداد الغذاء سألته بعد أن لاحظت وجودها حتى داخل المطبخ، الكتب تملأ كل الجوانب، كل الجدران، كل فضاءات المسكن، و في أرضية المطبخ، و غرفة النوم، تحت الطاولة، و خارج غرفة النوم، ثمة صناديق كارتونية مملوءة عن آخرها بمختلف أنواع الكتب، و عندما سالته عن وضعها، قال لي سأعمل على نقلها الى أصيلا، و جدت ان علاقته بالكتب تحولت من الحاجة الى الاستفادة من مضامينها و نصوصها، الى شيء أشبه بحب استثنائي، فهو لا يتخلص مما يقرؤه من كتب، كما يفعل كثيرون، إنه يحتفظ بها ليعيد قراءتها من جديد، و ربما عشقه الكبير لها، لا يسمح له بالتخلص منها، فهي كانت معينه في ازمنة كثف فيها قراءاته له، فكيف بعد أن زودته بالكثير من المعارف، يعاملها بالتخلي عنها خصوصا و أن العلاقة بين غيلان و كتبه تجاوزت المنفعة الثقافية لتصبح محكومة ببعد إنساني يبرر ذلك العشق الذي كان تاويا في تعامله مع كتبه و مع ذلك كل من عرف غيلان من أ صدقائه، لا تخفى عنه هذه الحقيقة.

تأثري بموته جعلني أتذكر الكثير من مزايا وخصال هذا المثقف الاستثنائي في زمن تهاوت فيه الكثير من القيم الثقافية النبيلة و هي أساس لنشر الوعي الثقافي ، غيلان كان يمثل حالة ثقافية لا ينتبه لها كثيرون، رجل خلوق، استثنائي في تواضعه، كريم و لطيف مع اصدقائه لدرجة عالية، حنون كاي طفل، و كنت اشعر بانه طفل كبير لما يمثله الطفل من براءة و منبع للحنان، رجل لا يعرف شيئا آخر سوى ما علمته الكتب من قيم للمثقف العضوي الذي لا يطلق الكلام في كل الاتجاهات و انما يحول تلك القيم الى سلوك يتعالى به على الانانيات و هو لا يعطى الدروس لاحد و لكن رجلا مثلي كان يعرف ان احمد غيلان بسلوكه كان يمثل مدرسة لمن يحتاج فعلا الى قيم انسانية وثقافية.

نم في هدوء ايها الصديق النبيل، و عزائي الكبير لكل افراد عائلتك، فلن انساك ما حييت، و لن انسى المشترك الذي جمعنا في الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى