ثقافة وفنون

محاولة في فهم الطبقة السائدة

في ظل تشكيلة اجتماعية التي ساهم الاستعمار الجديد في رسم طبوغرافية طبقاتها الاجتماعية بالمغرب، تظل الكتابات السوسيولوجية ضعيفة في هذا المضمار، والجزء الرئيسي الذي يعتبر ذا أهمية بلوره المستشرقون الغربيون، أما السوسيولوجين المغاربة ، إذا استثنينا عبد الكبير الخطيبي الذي قام بمحاولة تستحق التقدير عندما كان مدير معهد السوسيولوجيا، لكن إغلاقه من طرف النظام حال دون استكمال هذه البحوث الطموحة، والباحثة السوسيولوجية الراحلة فاطمة لمرنيسي، خاصة في تنظيرها للنسوية البروليتاريا… فإن الباحتين المعاصرين توجهوا إلى البحوث الميدانية وبالتركيز على القضايا الموضوعاتي، وإن كانت ذات أهمية قصوى لفهم السلوك الاجتماعي لمختلف الطبقات الاجتماعية ، فهي قاصرة من وجهة نظر كلية عن ملامسة التحولات الاجتماعية العميقة المرتبطة بالتطور الكمي والنوعي للطبقات الاجتماعية، وعلى الخصوص تحديد مكونات الطبقة السائدة.

كانت المحاولة الجادة لتحديد الطبقات الاجتماعية، وعلى الخصوص ضبط طبيعة الطبقة السائدة وظروف تشكلها التاريخي، هي المحاولة التي اجتهد في التعبير عنها كل من الراحل ابراهام السرفاتي وعبد الله الحريف، من خلال كتابهما المشترك:”الصراعات الطبقية في المغرب منذ الاستقلال” الذي صدر سنة 1987 وظل ممنوعا حتى تمت ترجمته سنة 2014 .
تعتبر أهم خلاصة توصل إليها الكاتبين هي التالية:”تقوم بنية التكتل الطبقي المهيمن الذي وجدت شكلها النهائي في السبعينات على طبقتين:البرجوازية الكمبرادورية وملاكي الأراضي الكبار.برأينا فإن البرجوازية الوكيلة تشكل القسم المتسلط داخل هذه الكتلة وتضمن لها في نفس الوقت وحدتها البنيوية( أكيد أن هذه الوحدة ليست خالية من التناقضات).
يمكن القول أن هذه البرجوازية الوكيلة المنحدرة أساسا من البرجوازية المركانتيلية ما قبل الاستعمارية القديمة(أو برجوازية المخزن)المرتبطة بالملكية ارتباطا دقيقا والمرتبطة تفضيليا بالرأسمال الفرنسي”.

نستنتج من هذا التحليل وجود طبقتين هما طبقة الكمبرادور والملاكين العقاريين الكبار، وتلحم وجودهما فئة مهيمنة تتشكل من البرجوازية الوكيلة ذات الارتباط القوي بالامبريالية الفرنسية على الخصوص. غير أن هذا التحديد يظل في اتجاهه العام يحتفظ بطابعه التاريخي، لكنه يظل غير مكتمل، بسبب التحولات الطبقية التي مست كيان هذه الطبقات. ذلك أن هذا التحليل توقف فقط عند الجانب الاقتصادي، ولم يدمج الفئة الاجتماعية التي أصبح دورها يتعاظم منذ العقود الأخيرة، مع سيطرة الطور الجديد من الرأسمالية المعاصر:النيو-لبرالية، ونقصد بالذكر الأطر العليا للإدارة في القطاعين الخاص والعام ، وتؤدى عن أعمالها أجورا عالية جدا، هي من تقوم ببرمجة المشاريع الاقتصادية والقانونية ، من خلال تطبيق التدابير اللبرالية الجديدة، كما تقوم بتنسيق وضبط السياسات الماكرو- اقتصادية للحفاظ على التوازن المالي لخزينة الدولة، عبر سن قوانين جديدة ، ويعتبر مهندسو القناطر(خريجي مدرسة القناطر بفرنسا) هم من يقومون بتجسير الهوة بين مختلف مكونات الطبقة السائدة، ومن أجل تحبين تحليل السرفاتي والحريف، لابد من الإشارة إلى التحولات التي عرفتها البرجوازية الوكيلة في علاقتها مع الرأسمال الأجنبي، بحيث لم تعد تكتفي بدور الوكيل لمشاريع الامبريالية، بل أضحت طرفا مشاركا بالند مع الرأسمال الأجنبي، بدون أن تفك معه أواصر العلاقات الاقتصادية والسياسية التي تظل عاملا بنيويا لازدهارها ، ولا أدل على ذلك ما أصبحت تقوم به من مشاريع اقتصادية في إفريقيا، وتربعها على عرش الأبناك المالية بالمغرب، بحيث تطور رأسمالها من 41% إلى 48%خلال أربعين سنة، في مقابل 30%إلى 35% خلال نفس المدة للرأسمال الأجنبي(انظر مقال عبد اللطيف زروال:بنية الاقتصاد المغربي والفئات المستفيدة،العدد 275 شتنبر2018 لجريدة النهج الديمقراطي).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى