الرئسيةثقافة وفنوندابا tv

فلم يعيد قراءة شكسبير: “مأساة مكبث” جذّاب وساحر ومفجع حد الجنون + صور و فيديو

هذه المادة يتم إنجازها بشكل مشترك بين ّدابا بريس” ومجموعة عشاق الفن السابع التي يديرها الكاتب عبد العزيز كوكاس

 

رغم مرور أكثر من ستة قرون على إنتاج “مكبث” التي تعتبر أحد أكثر التعقيدات التراجيدية، لا زالت مسرحية شكسبير الشهيرة تلهم العديد من المخرجين السينمائيين، بدءا من أورسن ويلز ولورنس أوليفييه، يلعب الممثلان دينزل واشنطن وفرانسيس ماكدورماند دور ثنائي قوي في تأليف المخرج جويل كوين الذي حاول استعادة المسرحية الإسكتلندية الشهيرة التي قال عنها الشاعر جون بيريمان: “لا توجد مأساة شكسبيرية أخرى مقفرة إلى هذا الحد، ويتم نقل هذا الخراب إلينا من خلال الخيال الرائع لبطلها.

إن عالم المسرحية -عبارة عن بقعة مسكونة عنيفة من الأرض تسمى اسكتلندا- مظلمة ومخيفة مثل أي فضاء في أفلام الرعب. هذا لا يتعلق بالسحرة المقيمين بقدر ما يتعلق بالانقلاب الشامل للنظام الأخلاقي: العدل قذر والخطأ عادل، الثقة دعوة للخيانة. وكيف يمكن أن يكون الحب ميثاقا إجراميا أو دافعا للانتقام. والقوة لا تحدها الرحمة”.

 
يبدأ فلم “مأساة مكبث” بنبوءة ساحرات ثلاث للورد الاسكتلندي مكبث بتولي الملك ولصديقه بانكو بأن يصبح حاملا للقب السلالة الحاكمة، مكبث رجل محارب قوي وشجاع يحترمه كل من يعرفه، تبدأ الأمور في أخذ منحى مرعب عندما يتشجع على تنفيذ قدره بيده بمساعدة زوجته التي تملك طموحا وإرادة لا تهزم، يرتكب مكبث أول جريمة قتل دموية اتجاه ابن عمه الملك وينتزع منه التاج والعرش، تساعده السيدة مكبث في إلصاق الجريمة بالحراس، لكنها تكتفي بهذا القدر أما هو فيجن جنونه لأن بانكو صديقه الموعود بملك دائم متسلسل في دمه فيما هو بلا أبناء ومحكوم عليه بملك مؤقت، فيخطط لقتل صديقه وابنه الصغير وهنا تبدأ الأحداث في أخذ منحى أكثر درامية، يفقد مكبث توازنه ويطارده الذنب والأشباح حتى النهاية..

مكبث النبيل الذي تولى العرش الاسكتلندي بعد قتل الملك الذي خدمه، يجسد هذه العدمية لأنه دمر بسببها. إن الشر الذي يقوم به- الأمر بقتل الأبرياء وموت أقرب رفاقه – مروع حتى بمعايير مآسي شكسبير. ومع ذلك، فهو لا يفقد تعاطفنا كجمهور، مع تصاعد جرائم مكبث، تزداد معاناته ويزداد هذا الخيال الرائع تعقيدا وابتكارا. إن موته الحتمي ليس أمرا طبيعيا كما في دورة الحياة، بل يعتبر عقابا مستحقا على تجاوزاته وتخليصا من عذابه.

يستحضر المخرج جويل كوين مسرحية شكسبير “الحادة مثل خنجر”، وتلقتط الكاميرا منذ البداية مشهدا طبيعيا من الخراب المناسب للتراجيديا، عالم من الظلال الكثيفة والفضاء السلبي.. يتجول الناس في ممرات حجرية فارغة للتأكيد على اغترابهم عن بعضهم البعض. لقد نجح مخرج الفلم في حيوية التقاط الصورة وإنطاقها دون أن يغفل قوة الكلمات، حيث ظل شكسبير يشكل تحديا للمخرجين السينمائيين كما قال مرة أورسون ويلز وهو يشتغل على فلم “عطيل” الذي صور في مدينة آسفي، لكن جويل كوين الذي افترق عن أخيه في هذا الفلم جعل من مسرحية “مكبث” عكازا للنجاح، من خلال بناء فضاء سينمائي حيث يمكن للغة أن تتنفس بطلاقة. وإذا كانت مسرحية “مكبث” هي مسرحية الممثل الجوهري، فإن فلم كوين نجح أيضا في اختيار الممثلين، دينزل واشنطن الساحر في أدائه، في شخصيته توجد كل أشكال تناقضات البطل التراجيدي: شجاعة وخيانة، نبالة وطمع، انتصار وخذلان، فرح وحزن، رغبة في الحياة وموت مأساوي.

صوت دينزل واشنطن يشكل معجزة في هذا الفلم. إنه ينظر، يهتف، يغمغم، يثرثر، يبدو حنونا ثم في لحظة ينقلب صوته إلى عواصف رعدية، أداؤه الجسدي مثير للإعجاب، منذ ظهوره الأول في الفلم، وهو يمشي بقوة عبر الضباب حتى حتفه الأخير بعد كل تلك الفوضى العارمة التي خلقها طموحه والمحكوم عليها بالفشل. فالسيف أصدق إنباء من الكتب ونبوءات السحرة.. ثم كاثرين هانتر الساحرة مثل الأخوات الثلاث رغم تغير شكلها تظل هادئة مثل جبل. فيما يلعب أليكس هاسل دور روس كنموذج مثالي للسخرية اللطيفة.

“مأساة مكبث” هي صورة لزوجين يتمتعان بالسلطة. يسيران نحو الجنون بطرق مختلفة. في بعض الأحيان يتم اختزال السيدة مكبث (فرانسيس ماكدورماند) في صورة كاريكاتورية للأنثى الشريرة: طموحة ومتواطئة وماهرة في التلاعب بزوجها المتردد.

حين تستوعب الجذر الميكافيلي لدوافع شخصية مكبث والبراغماتية الباردة التي تتبعها لتحفيزه لتحقيق نبوءة الملك.

لكن زوجة ماكبث شغوفة حد الجنون، ليس فقط بتاج اسكتلندا، ولكن بالرجل الذي سيرتديه. إخلاصها الفريد والساحر له هو ما يجذبنا كجمهور نتعاطف مع آل ماكبث الذين رغم بروزهم كمخططين سياسيين بدون رحمة ولا شفقة، لكن هناك حنانا بينهما ينزع سلاحهما القاتل، وهذا يجعل مكبث وزوجته أكثر حيوية وإثارة للاهتمام من السياسيين القذرين. إن ذنب ماكبث هو جزء مما يدفعه نحو المزيد من القتل (“الدم سيكون دماء”)، لنكون أمام فلم يجسد بحق تحفة فنية رائعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى