الرئسيةرأي/ كرونيكميديا وإعلام

الصحافة: من خط التحرير إلى خط التمرير

بقلم: الاعلامي والروائي خالد أخازي

الصحافة لها الحق أن تميل وتميد…
لها الحق أن تضع مسافة كافية بينها وبين ” صداع الرأس”…
لأن الشغب الإعلامي مكلف….
فالكلمة… انتحار…
والاختلاف حصار…
والرأي الآخر…يسد كل منابع البقاء…
الصحافة… طبعا ليس دورها النضال…
ولا السياسة ولا الانحياز…
لكنها مسموح لها بالسياسة…
وفق خط تحرير الحكومة…
طبعا… ليس كل الصحافة…

لكن… ما العمل…؟
فالكلمة لا توفر رغيف الخبز…
والحقيقة… حبل مشنقة جاهز…
للصحافة.. في هذا الزمن
أن تختار حظ التمرير…
فنحن كشعب… نتفهم الإكراهات..
فلا يمكنك أن تكون خصم من يؤدي أجورك…
لهذا لها أن تختار الميكرتروتوار…
وإلا غدت حملا ثقيلا…
وعبئا… على “حظ” التحرير…
حرية الميل يضمنها ميثاق البقاء..
لها إن شاء رب المال و المقال…
أن تصير عيادة في السر لترقيع بكارات سياسية شاخت في مواخير الفساد…
لها أن تنعي رجلا قبل الممات…
لها أن تحاكم خارج المحاكم…
لها أن تتنبأ…. وتبشر…
لها أن تعلل… وتدلل…
الصحافة لها أن تكون مع من تشاء…
لها أن تختار حظ تحرير…
يلائم مزاج وزجاج رب النعمة…
لها ان تبيع المعاطف في الصيف…
والفياجرا السياسية…
في مواسم الانتخابات…
لكل سياسي شاخ في العهر السياسي…
لكل… من سقط سهوا… ولهوا…
لها أن تلعن النور…والعبور
وتحذر العيون من الشعاع…
والموج من القوارب…
لها أن تتهم البحر حين يغرق الشباب…
لها أن تتهم السماء حين تعطش البلاد
لها أن تتهم المدرسة…
حين تنهار القيم…
وتتسع البطالة…
ويعم العفن الفكري…
فالمدرسة… عبر التاريخ…
متهمة حين لا يوجد متهم…
لها ان تتهم الرمال…
حين يسطو الإسمنت على الشواطئ..
لها أن تتهم الممثلين يالجنون… حين تفقد التلفزة صوابها…
لها أن تحاور الشياطين…
فالشياطين… يظلمون أيضا…
ولهم حكايات ومظالم…
وانجازات ومعالم…
وسير ومعالم…
للصحافة الحق… في احتكار الحقيقة…
فمصاردها دقيقة…
متطابقة… متعددة…
رسمية دائما تختار عدم كشف هويتها…
قريبة….بعيدة…
خفية… شهية..
لكنها ذات قيمة وتقية..
من كهنة ومنجمين ورقاة…
وسحرة ومسافرين في الزمن…
من صناع السلالم والمصاعد…
إلى صناع المصائر والقواعد.
لها أن تختار خط التمرير…
وشبكة التهديف…
لها أن تسجل هدفا في الوقت الضائع…
من تسلل واضح…
ففي لعبة الصحافة…لا توجد غرفة الفار…
بل فقط غرفة تبديل الأقدار.. والجوارب وتقدير الأخطار
طبعا… ليس كل الصحافة…
هل يستوي الشيخ والمريد…؟
والجديد الغريب والقديم التليد…؟
يا صاحبي…!
أؤكد لك… ليس كل الصحافة…
للصحافة أن تعارض…
بعضها البعض…
أن تفاوض أو تمانع
لها أن تطرب حتى تبقى…
لها أن تشاكس حتى ترضى..
لها أن تكون مع الشعب ضد الشعب..
لها أن تندد نهارا وتنسى ليلا…
وليل الصحافة… يا له من ليل…!
طبعا… ليس كل الصحافة…
للصحافة أن تكون مع الحاكم…
لكل حاكم افتتاحية وعمود…
لكل حاكم منجزات وعهود..
وكلما تغيرت الحكومة تغيرت العبارة… والسيارة والخطاب و”حظ” التحرير..
فتصير المرحلة السابقة تجربة فاشلة ..
والمرحلة الجديدة معجزة…
للصحافة حق الميل والنيل والنهل…
يتغير خطها التحريري، كلما تغيرت العملة ومزاج الحكومة…


للصحافة الحق في الدعوة والادعاء..
وحق التفكير العميق والتحليل والتقلقيل والتطبيل والتعليل..
لها الحق في ضبط الرقيق والنبيذ العتيق..
لها الحق في نقل صور عن خيانة زوجية…
وسط صخب الجيران…
لها الحق في فضح نزوة منلفتة في دار دعارة…
ونقل مشاهد المهانة والضعف البشري..
لها الحق في التقاط مشاهد منتصف الليل…
أمام الملاهي… والحانات الصاخبة…
وفضح بنات الليل والسكارى..

لها الحق في تصوير الدم المسفوح على الطرق…
لها الحق في تصوير المقابر والجثث..
لها الحق في الدخول للمشرحة…
والقيام بحوار مع الجثة…
لها الحق… في مواساة أسرة القاتل…
والبكاء مع أسرة القتيل…
لها الحق… في تقديم القهر…
مادة إعلامية للشعب…
لها الحق في السمر…
كيف تعطى للكل حق التعبير
حتى المؤخرات الممتلئة…
حتى بنات الليل والنهار…
للصحافة الحق في حوار مع الجن وأهل الجن…
مع رجال ونساء يذهبون ويعودون من المستقبل…
مع قنينة جعة ولمة وبقايا حشيش…
للصحافة الحق في طبخك قبل أن تؤكل على مائدة المصيدة والمكيدة…
للصحافة الحق في الرقابة على الصحافة…
وتوزيع الرتب والعلب والغرف…
للصحافة الحق في صناعة النخب…
من منجم العفن…
طبعا… ليست كل الصحافة…
لا تقلق يا صاحبي..!
للصحافة الحق في أن تميل وتميد…
وترقص إن طبل الرقيب…


للصحافة الحق في الحياة…والرقص حتى الصباح…
ولكي تعيش…
لا بد أن تفشي السلام …
وتحدث بنعمة ربها…
لهذا لا تظلموا صحافة المريد
لا تظلموا صحافة البريد…
فالزمن صعب…والشقق على البحر غالية..
وثمن النبيذ الرفيع… صار لا يطاق…
والسفر للخارج مكلف..

الحمد لله صحافتنا بخير…
لأنها وطنية.. شجاعة…
تغطي حتى الجنائز…
وتقيم حوارا مع الجثث…
وإن مالت…أمتعت…
وأن أمتعت… أرضت…
فحدث بنعمة ربك…
ولا تهتم لقولي…
فأنا صحافي مطرود منذ زمن…
بشبهة الجنون والسكر…
والشك والشعر…
عفا الله عما سلف…
أوصيكم بحوار مع جثثي إن رحلت…
قولوا مات كمدا…
غرق في فيض من الكلمات…
خذوا صورة لشاهدي…
فقد أوصيت أن يكتب عليه…
صحافي … بلا بطاقة…
طرد بتهمة الجنون والسكر…
لأنه ضبط يحلم في قاعة التحرير..
أما بنعمة ربك فاكتب…
وتحية للصحافة التي لا تميد…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى