رأي/ كرونيك

خالد أخازي يكتب: إني أدين حتى نفسي

°بقلم الروائي والإعلامي خالد أخازي

أكاد أختنق…
لأنني حي…
وقد حاولوا إيهامي أنني الحي الميت..
رقم في لوائح ودفاتر سرية…

يا هذا لا تخف…
فنحن كسرب الحمام البري لا يروضنا غير واحات النخيل
لا يخنقني الفساد في وطني فحسب…
بل يخنقني أن يبرر أخلاقيا…
أن يجد الشر منصات مرافعات أكثر من الفضيلة…
حتى يختفي الصوت القلق….

أخاف… من أن نصير غير قادرين على البوح بالوجع الوطني…
فكل هذا الصخب الإيجابي الإعلامي يخيف قلاع الفساد والريع…
ونحن فقط نخاف من الهاوية…
لأننا لا نؤمن بالولاء المتعدد…
فالجنسيات المتعددة صناعة سياسية…
فلا عجب أن يصمت البعض وقد قبضوا الثمن مقابل خدمة جبانة
هي مقالة ذاتية…
لا غير…
لا تدين أحدا…
ولكنها تعلن بصوت قوي أننا في انهيار سياسي وأخلاقي قد يبدد كل الآمال…

كثير من الأخلاقيين قتلة مأجورين….
كثير من أشباه الوطنيين قطاع طرق…
إنني أدين التعددية الحزبية التي لا تصنع تعددية سياسية…
إنني أدين الفساد الذي غدا فضيلة ومحاربته شبهة… بل تهمة…
أدين الديمقراطية حين تتعايش مع الفقر والموت على عتبات المستشفيات..
أدين القلم حين يغدو في يد كاتب يحوله صكا تجاريا..
عندي يأس وقلق…
شعور يعصر القلب…
أدين كل مؤسسة ثقافية تم السطو عليها وديمقراطيتنا تتفرج باسم الحياد والاستقلالية….

أدين منظومة التربية حين تصنع اليأس ووطنا بأفقين…
أفق للضياع والموت في عرض البحر…
وأفق للعيش في الدرجة الأولى من وطن بدأ يفقد قلاع الأمل…
قلعة تلو الأخرى…
تسقط ونحن… نبشر بقلعة في ماوراء البحر
هذه مقالة ذاتية لا غير..
لا أتهم جهة ما…

بل أدين جبني وتواطؤي العاري مع الصمت المنجي…
دعوني… أدين السياسة…
فقد صرنا مجرد أرقام في مؤتمرات…
تصنع المتاهات والمسارات الخفية..

دعوني أدين نفسي…
قبل أن يدينني التاريخ…
عفوا لقد كنت مجرد عابر في زمن مغربي..
صدقت أن الديمقراطية ممكنة في وطن لم يتصالح بعد مع الوجع…
وحين صحوت…
صحوت على الحقيقة المرة…
الوطن اختطفه قراصنة باسم الحقيقة…ونحن نمشي في المسيرات…
أعوذ لذاتي علني ألقى السلام الروحي
شلال من اليأس جارف يأتي من الجهات الأربع…
يربك جريان الدم في العروق…
يفك عقال الهوس ويحفر مجاري جديدة للكآبة…
خإني أروض ذعري وحزني بالكتابة…

مذ صرت وحدي رغما عني في امتلاء بشري عددي لا غير بلا شمس تدفئ القلوب ولا نجمة تعد بالمجاز…
أنا في حاجة إلى خلوة قاسية لترتيب فوضاي الداخلية…لم أعد أحتمل العبث والعري اللغويين…حتى الحب يغدو مجرد وهم ولا يصمد طويلا تحت معاول جرح الكبرياء..وهد الذات التي تصير في مهب الريح في وسط لم يعد يصنع الفرح ولا الأمل…
أن تحلم أصبح مخيفا للآخر…

أن تفتح نافذة على الحياة غدا ترفا… وعليك فقط أن تستلقي أو تقوم برحلة روحية لرجم شيطان، وفي الجوار ملايين الشياطين…
لمَ يريدوننا أن ننتظر الموت في أسرتنا الباردة…؟
لمَ علينا أن نؤمن أن العبادة عيادة للروح…؟
لمَ نكثر من الاستغفار ونحن قتلة جلادون لغة وسلوكا…؟
هل السماء في حاجة إلى آلاف الأذكار لتمنح السلام الروحي…؟
هل يتساوى الدعاء والقنبلة في غزة…؟
هل نستحق أن نغفو وسط الدمار…؟
كيف ألفنا الوحشية حتى غدت فرجة لا مأساة…؟
لمَ أنا خائف من حزم حقيبة والسفر بلا خريطة..؟
ألم أكن ذاك الشاعر الذي لا خريطة له غير وهجه وجنونه..؟
السفر بالخرائط شريعة الموتى في جغرافيا تضيق بالعلامات…

لا يقتلنا المرض… بل تقتلنا مسارات البؤس التي تهوي بنا في نفسية مظلمة ونحن أحياء…
أحيانا القطيعة ضرورية… كالبتر….للتخلص من الألم الدائم بالألم المؤقت ..أشعر أني وحيد في عالم بلا معنى..
علي أن أكون شجاعا لأموت كريم النفس… فتحمل الوجع باسم الفضيلة أسطورة الضعفاء…
لنرحل في صمت إن لم نعد نطيق الألم والتسلط والبؤس المجتمعي.. فلم يبق لنا مزيد هامش من الوقت لتحمل الحماقات …
هل نجدد الشغف… ونختار منفى جديدا يطل على حديقة حالمة بشاعر يعبث بفراشاتها وينعش هو حلمها بالأبدية…؟
العالم قد يبدو مملا… لكن الحقيقة أننا نحن من توقفنا عن الحياة…
لنسافر إذن بلا خطة ولا تذكرة سفر ولا مواعيد محددة ولا محطات رتيبة…
لنسافر فمازلنا أحياء…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى