“بيروت ترنّم”… الموسيقى في مواجهة دويّ الصواريخ!
تعود الموسيقى لتصدح في أجواء العاصمة اللبنانية ضمن مهرجان “بيروت ترنّم” الذي يُفتتَح الشهر المقبل، ببرنامج “يركّز على السلام” في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان .
وتنطلق الدورة السابعة عشرة للمهرجان بعنوان “لا صوت يعلو فوق صوت الموسيقى” في الرابع من ديسمبر، وتستمر إلى الثالث والعشرين منه، وتجمع فنانين لبنانيين بمعظمهم مع بعض المشاركين الأجانب، ضمن حفلات تقام كالعادة في كنائس وسط العاصمة الأثرية، لكنّ المنظّمين حرصوا أيضاً هذه السنة على توسيع النطاق الجغرافي للحدث ليمتد إلى كنائس خارج العاصمة.
وقالت مؤسِسَة المهرجان ورئيسته ميشلين أبي سمرا، المتمسكة رغم كل التحديات بالحفاظ على هذه المحطة السنوية في المشهد الثقافي المحلي، إنّ في إقامته هذه السنة “تشديداً على أن لا صوت يعلو على صوت الموسيقى”.
وأضافت: “نريده أن يكون أقوى من صوت الطائرات المسيّرة المتواصل، وأعلى من دويّ الصواريخ”.
ولفتت متأثرة إلى أن “بيروت ترنّم” الذي يحمل منذ انطلاقته “رسالة عميقة تتمثل في كونه مقاومة ثقافية”، يأتي هذه السنة “ليرمم أرواح اللبنانيين الكئيبة” في خضمّ دمار الحرب والألم الناجم عنها.
وفي ظل الغارات الإسرائيلية التي تكثفت منذ شهرين لتطال مناطق لبنانية واسعة، خصوصاً في جنوب البلاد وشرقها والضاحية الجنوبية لبيروت، ومع تمدد الضربات أخيراً ضمن نطاق العاصمة، انحسرت الحركة الثقافية في البلاد بدرجة كبيرة، ما عدا بعض الفعاليات المحدودة التي يسعى القائمون عليها إلى التأكيد على الصمود واستمرار الحياة في مواجهة الموت والدمار.
وشدد المدير الفني لمهرجان “بيروت ترنم” توفيق معتوق على أن تنظيم المهرجان في الوقت الراهن “شهادة قوية على الوحدة من خلال الموسيقى”، وعلى أن “نشر الأمل” هو ما تسعى إليه النسخة الحالية التي تركز على “مواضيع السلام”.
وينطلق المهرجان بـ”قداس التتويج” لموزار، تُحييه وسط قناطر كنيسة مار يوسف للآباء اليسوعيين في بيروت السوبرانو ميرا عقيقي والباس باريتون سيزار ناعسي والميتزو سوبرانو غريس مدوّر، بمشاركة جوقة المعهد الأنطوني والأوركسترا اللبنانية الفلهارمونية بقيادة توفيق معتوق، ويختتم بحفلة أوبرالية في كنيسة مار مارون الأثرية تحيها الميتزو سوبرانو ماري – جو أبي ناصيف.
وفي البرنامج موعد آخر مع الأوبرا في حفلة عنوانها “تينور وكونتر تينور”، تجمع التينور مارك رعيدي والكونتر تينور ماتيو الخضر، برفقة ثلاثة موسيقيين، في كنيسة مار مارون الجميزة التي تُعتبر من أهم معالم بيروت الأثرية.
كذلك يطل التينور بشارة مفرج في حفلة أوبرالية ميلادية، فيما تؤدي المغنية ماريان سعيد أغنيات من وحي الميلاد.
وتشارك في المهرجان جوقات لبنانية عدة، من أبرزها جوقتا “الفيحاء” و”فيلوكاليا”.
ويستضيف “بيروت ترنّم” موسيقيين شباباً من إسبانيا وبلجيكا نالوا جوائز عدة، يعزفون على الكمان والتشيللو والبيانو، في حفلتين كلاسيكيتين.
ولا تقتصر الأجواء على الموسيقى الكلاسيكية بل تشمل أيضاً الموسيقى الشرقية، من خلال حفلة للمؤلف وعازف العود زياد الأحمدية، يرافقه نضال أبو سمرا على الساكسفون، ومكرم أبو الحسن على الكونترباس.
ويلتقي الجمهور عازف العود والمغني فراس الأندري وفرقته في حفلة عنوانها “مقامات وإيقاعات”.
وشاء منظمو المهرجان أن يوسعوا هذه السنة النطاق الجغرافي لحفلاته، إذ إن “بيروت تمتد في كل مكان”، بحسب أبي سمرا.
وقالت: “أردت أن أسهّل التواصل. فالخروج من المنزل بات صعباً خصوصاً في الليل، إذ ثمة خوف بسبب الظروف الأمنية. والذين يسكنون خارج بيروت يترددون في التوجه إليها ليلاً”.
وتطلّ المغنية اللبنانية غادة شبير في حفلة في بلدة قرنة شهوان، شمال شرقي بيروت، عنوانها “سبحان الكلمة”، فيما تحيي المغنية الشابة كارلا شمعون حفلة عنوانها “ضوء الأمل” في دير مرمم حديثاً إلى الشمال من العاصمة، أما ريبال وهبة فتغني في دير في منطقة البلمند، شمال لبنان.
وتُعدّ كل حفلة في نظر معتوق “بمثابة تذكير بأن الروح الثقافية في لبنان لا تزال غير منقطعة، حيث تعمل الموسيقى كجسر للتوحيد والإلهام”.
وأملت أبي سمرا في أن تكون هذه النسخة التي تتولى محطة “تيلي لوميير” التلفزيونية نقل حفلاتها عبر صفحتها على “فيسبوك” بمثابة “محاولة لبلسمة الجراح”.
ورأى معتوق أن “استمرار المهرجان ضد كل الصعاب، يعكس التزاماً بالاحتفال بالحياة والثقافة في مواجهة الشدائد”.
وحرصت أبي سمرا على استبعاد الموسيقى الاحتفالية استشعاراً بالظروف الراهنة، لكنها تمسكت بـ”الحفاظ على مستوى المهرجان الموسيقي الرفيع الذي يساهم في ارتقاء الروح”.!